2015-02-09 15:57:05 | ||
الأسرة السورية بين تآكل قيمة الدخل وارتفاع قيمة الاستهلاك .. صحيفة الأخبار اللبنانية |
||
معتز حيسو
فكانت جميع المعطيات تشير إلى أن متوسط
الإنفاق السنوي لأسرة مكونة من أربعة أشخاص، دون حساب تكاليف التدفئة والنقل يتجاوز
الـ 1149000 ليرة سورية. وهذا يعني أن معدل الإنفاق الشهري يتجاوز الـ 95750 ليرة.
وهذا يتجاوز سقف الراتب بمبلغ يقدر بـ 30750 ليرة للزوج والزوجة اللذين يعملان في
مؤسسات الدولة ويصنّفان ضمن الفئة الثانية. ويفوق سقف الراتب بمبلغ يقدر بـ 11750
ليرة للزوج والزوجة اللذين يعملان في مؤسسات الدولة ويصنفان ضمن الفئة الأولى.
ومن المعلوم أن متوسط الدخل يقّدر بـ 20000 ليرة سورية تقريباً. وإذا كان كلا الزوجين في الأسرة يعملان، فإنهما سيتقاضيان دخلاً يقّدر بـ 40000 ليرة، وعجز الأسرة السنوي ضمن هذه الفئة، يقدّر بـ 984000 ليرة، وعجز شهري لا يقل عن 82000 ليرة. وهذا العجز لا يمكن تصوره، ولا يمكن تصور كيف يمكن للأسرة أن تتكيف مع أوضاع كهذه. أما في ما يتعلق بالشرائح الاجتماعية المصنفة ضمن الدرجات الثالثة والرابعة والخامسة، فإن الأوضاع المعيشية للأسرة ستكون كارثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
ويجب التنويه إلى أن ندرة المازوت المكرّر بشكل نظامي في الأسواق، تُجبر المواطنين على استعمال مازوت مكرّر بطرق بدائية. وهو الرائج في السوق السوداء. ويطلق على هذا النوع من المازوت بـ عرعوري/ داعشي. وينبعث عنه عند الاشتعال غازات وروائح تسبب أمراضاً صدرية وتنفسية. ومع ذلك فإن سعر الليتر من هذا النوع يصل إلى 200 ليرة سورية. ولا تقف أوضاع الموطن عند هذه الحدود من العجز، لكنها ستزداد سوءاً نتيجة رفع سعر ليتر المازوت إلى 125 ليرة لليتر الواحد. وهذا يعني أن سعر الليتر في السوق السوداء سيتجاوز الأرقام التي ذكرناها. وبالوقت نفسه الذي صدر فيه قرار رفع سعر المازوت إلى 125 ليرة، تم إقرار رفع سعر ربطة الخبز من 25 ليرة إلى 35 ليرة. وسعر جرة الغاز المنزلي من 1200 إلى 1500 ليرة، ونتيجة لتحكم تجّار الأزمة في حركة الأسواق فإن سعر ربطة الخبز في الأسواق تجاوز الـ 45 ليرة، بينما تراوح سعر جرّة الغاز بين 1750 ـ 1850 ليرة.
ووفق بعض التسريبات، فإنه سيرفع سعر الكيلو واط ساعي (الكهرباء). وهذا سينعكس بأشكال سلبية على الأسرة نتيجة اعتماد السواد الأعظم من السوريين على الكهرباء كمصدر بديل من المازوت للتدفئة. وذلك رغم ازدياد عدد ساعات التقنين، والتي تصل في بعض المناطق إلى أكثر من 18 ساعة يومياً. وإذا كانت الحكومة تبرر إجراءاتها الأخيرة بمعدل الأسعار الدولية والإقليمية، فمن الأجدى بها أن تقارب معدل دخل الفرد إلى مستوى أجور العاملين في الدولة إلى مستوى الأجور في الدول المجاورة. لكننا نقدّر حجم الصعوبات التي تواجه الحكومة حالياً نتيجة الصراع والحصار الاقتصادي. لكن من المعلوم أن الفجوة بين دخل العامل في سوريا، ودخل العامل في الدول المجاورة ليست جديدة. ومع ذلك لم يجر العمل على تجاوزها. وقد أعقب رفع سعر المازوت والغاز والخبز، قرار يُمنح بموجبه العاملون في الدولة مبلغاً شهرياً قدره 4 آلاف ليرة سورية.
من جهتنا نترك للقارئ تقدير ماذا يعني هذا المبلغ أمام نسبة العجز الذي تعاني منه الأسرة نتيجة تآكل قيمة دخلها بفعل التضخم وانفلات الأسعار. وأيضاً نتيجة تراجع الحكومة عن دورها الاجتماعي، وتحكّم التجار برقاب العباد. وتأتي القرارات الأخيرة لتؤكد أن المتحكمين في القرار الاقتصادي مصرّين على تحرير الاقتصاد حتى لو كان ذلك سيشكّل مدخلاً لتهديم الاقتصاد، وتحويل السوريين إلى متسولين. وقد بات واضحاً أن قرارات الحكومة الانفتاحية والتحريرية تزيد من مستوى الإفقار المتعدد الأبعاد والمستويات، وتساهم في زيادة درجة الاحتقان عند شرائح واسعة من السوريين. ومن الضروري التنويه إلى أن الأزمة التي تعصف بسوريا والسوريين، فتحت الباب واسعاً أمام شريحة من التجار، إضافة إلى من استغل باسم الولاء والوطنية الأوضاع الراهنة، للتحكّم بمداخل ومخارج معيشة السوريين. وهؤلاء راكموا على حساب معيشة السوريين ثروات طائلة.
ونشدد على أن من واجب الحكومة إذا كانت ترى
نفسها معنية بمعالجة أسباب الأزمة المعيشية والإنسانية، أن تشتغل على إحكام قبضتها
على مداخل ومخارج الاقتصاد، وكف يد التجار وزعماء الحروب عن التلاعب بحياة
السوريين. إن رفع سعر حوامل الطاقة وبشكل خاص المازوت، وتركه خاضعاً لحركة العرض
والطلب، ولتقلبات حركة الأسعار الدولية، سوف يسرّعان من انهيار مستوى معيشة
السوريين. فارتفاع تكاليف الإنتاج والخدمات سوف يتم تعويضه على حساب دخل المواطن
ومعيشته. ويتعزز هذا الميل في ظل تراجع مستوى الرقابة والمحاسبة، وسيطرة بعض التجار
والمتنفذين على حركة الاستيراد. هذا في وقت تحوّل الفساد إلى ظاهرة عامة. ونتيجة
ارتباط سعر السلع الأساسية الغذائية والدوائية والطبية بشكل مباشر بسعر المازوت فإن
السوريين متخوفين من تكرار عجز الحكومة عن معالجة تداعيات رفع سعر حوامل الطاقة. إن الأسرة السورية لا تستطيع نتيجة تآكل قيمة دخلها وارتفاع تكاليف المعيشة أن تحافظ على متوسط الاستهلاك الضروري، لذلك تلجأ إلى التكيّف مع دخلها الشهري. وهذا يعني أنها تعاني من أزمة معيشية كارثية يصعب على أصحاب القرار تصوّرها. فالأسرة السورية، وتحديداً في ما يتعلق بالإنفاق على المواد الغذائية، شدت أحزمة التقشف إلى أقصى الدرجات. لدرجة لم تعد المعايير الدولية والإنسانية كافة قادرة على تصنيف أوضاع السوريين، والتعبير عنها. فأزمتهم تجاوزت جميع المعايير، إذ إن غالبية السوريين يقفون على عتبة الفقر المطلق. أما في ما يتعلق بالإنفاق على القضايا والمواد الأساسية غير الغذائية، بشكل خاص التعليم والطبابة واللباس، فإن معدل إنفاق الأسرة تراجع إلى ما دون الخط الأحمر.
وفي ما يتعلق بالتدفئة، فإن أفراد الأسرة يضطرون مرغمين إلى غض النظر عن شراء المازوت أولاً لعدم توافره في الأسواق، وثانياً نتيجة عجزهم عن شرائه. حتى أنهم باتوا عاجزين عن شراء الحطب أو التمز (بذر الزيتون). لذلك فإن أفراد الأسرة وتحديداً الأطفال والنساء يلجؤون إلى تجميع أي شيء قابل للاشتعال من بلاستيك وخشب وورق وكرتون، حتى وصل الأمر بالبعض إلى استعمل الأحذية التالفة والألبسة البالية، وأي شيء يمكن الاستغناء عنه. فيما بعض الأسر باتت تحرق لتدفئة أطفالها الأساس الخشبي القديم.
ومن المؤثِّر أن يلجأ من يمتلك مكتبة في منزله إلى
إحراق محتوياتها لوقاية أطفاله من البرد. ومع ذلك فإن شرائح واسعة من السوريين لم
تعد قادرة على تأمين أي وسيلة للتدفئة، وهذا يجعلهم ضحية للبرد. لذلك لم تعد
السياسات التجريبية والارتجالية للحكومة، قادرة على إنقاذهم من مستنقع المجاعة.
وهذا يستدعي من أصحاب القرار النظر إلى أوضاع السوريين وإلى الأزمة التي يعاني منها
الاقتصاد، من منظور استراتيجي محمول على مهمات اجتماعية عادلة. ولا يضير الحكومة
الاستفادة من الخبرات الوطنية الموجودة خارجها.
إن القطع المتزايد للأشجار لاستعماله في التدفئة
كمصدر بديل من المازوت يعني أن سورية ستعاني في المستقبل من ازدياد نسبة الجفاف
وانخفاض معدل الهطول المطري وانخفاض منسوب المياه السطحية والجوفية وازدياد نسبة
التصحّر واتساع مساحة البادية. ومن المعلوم أن المنطقة وليست سوريا فقط تعاني من
تراجع منسوب المياه، فالحروب المقبلة كما يؤكد الخبراء ستكون على مصادر المياه.
فتجّار الحطب لا يميزون بين الأشجار الحرجية والأشجار المثمرة، فكلّها بنظرهم يجب
أن تُقطع طالما يحقق لهم ذلك مصدراً للربح.
إن الأزمة التي يعاني منها السوريون تجاوزت حدود الأزمة الإنسانية إلى أزمة وجودية. وهذا يضع على كاهل جميع الأطراف إيجاد آليات تساهم في إنهاء الصراع. ويضع على عاتق الحكومة الراهنة أو الحكومة التي يمكن أن يتم التوافق لاحقاً مهمات تتعدى التوافقات السياسية وإعادة الإعمار إلى قضايا إنسانية تهدد السوريين وجودياً. لقد بات واضحاً أن السوريين يتحملون ظروفاً يصعب على أي شعب آخر تحمّلها، وهذا يضعهم في مقدمة الشعوب من جهة القدرة على التكيف مع أصعب الأزمات. أخيراً نشير إلى أن العمال المياومين هم الأكثر تضرراً من تحرير الأسعار الذي كما أسلفنا يشكّل إضافة إلى تحرير الأسواق مدخلاً إلى تحرير الاقتصاد الذي يتم الانتقال إليه وفق آليات تقطع مع مصالح أوسع الفئات الاجتماعية، حتى أنه تحوّل إلى مدحلة تطحن كل من يعترض طريقه. |
||
copy rights ©
syria-news 2010 |