2015-02-24 15:09:24 | ||
خرافة الحل السياسي في سورية .. صحيفة القدس العربي |
||
برهان غليون وهذا ما أثبتته الأحداث
على مدى السنوات الأربع الماضية. فالأسدية ليست بالأصل سياسة، إنها الحرب، ولم تعرف
يوماً التعامل مع الشعب بغير العنف والإخضاع بالقوة والقهر. ومشروع النظام القائم
على الانفراد بالسلطة والسيطرة من طغمة مافيوية فاشية، لا يقبل أي بديل عن لغة
التصعيد الانتحاري، وشعارها: إما قاتل أو مقتول، ولا توسط بينهما. أما طهران التي
تمسك، اليوم، بمصير هذه القيادة الانتحارية، فهي تعيش حالة من الجنون القومي
المذهبي الذي يدفعها إلى الركض وراء سراب إعادة بناء الامبرطورية الفارسية على أسس
دينية في المشرق العربي كله، كجزء من تحدي الغرب والتاريخ، وتنظر إلى سورية
باعتبارها حجر الزاوية في مشروعها الإمبراطوري هذا، وتعرف أن التخلي عن السيطرة
عليها، أو القبول بالمشاركة فيها مع قوى إقليمية أخرى، بل حتى مع الشعب السوري
نفسه، يقوّض طموحها، وليس أمامها خيار سوى الاستمرار في التصعيد، مهما كانت
الخسائر، إلى أن تحقق أهدافها. تبدو قم، اليوم، مدانة بالدخول في المغامرة نفسها
التي دفعت الحركة الصهيونية إلى ارتكاب جريمة الإبادة السياسية، قبل الجسدية، لشعب
كامل: ترسيخ الاحتلال وإدامته لتغيير البنية السكانية، وتغيير البنية السكانية، على
الأقل في المناطق الاستراتيجية، لترسيخ أقدام الاحتلال في سورية ولبنان بعد العراق.
وهي تحلم أن تحقق ذلك من خلال التفاهم مع واشنطن، في سياق التوقيع على الملف
النووي، والتغطية على مشروع احتلالها بفكرة المقاومة لإسرائيل، والتي تعني، في
العمق، تقاسم النفوذ في المنطقة، بعد التوصل إلى تفاهم رسمي مع تل أبيب، يسمح
بتقنين وجودها في سورية، تماماً كما حصل من قبل عند تقنين وجود نظام الأسد في
لبنان، ثمن ضمانه أمن إسرائيل. لهذا السبب، أخفقت كل مبادرات
الحل السياسي، سواء التي بدأها أصدقاء النظام، منذ الأشهر الأولى من الثورة،
القطريون والأتراك والسعوديون والأوروبيون وغيرهم، كما أخفقت مبادرة جامعة الدول
العربية، ومن بعدها بعثة كوفي أنان لتطبيق بيان جنيف، ومهمة الأخضر الإبراهيمي التي
انتهت مع فشل لقاء جنيف2 الذي لم يشهد أي نقاش سياسي، سوى الاتهامات بالتخوين
والشتائم السوقية التي كالها وفد الأسد لوفد المعارضة. وقد اضطر المبعوثان الكبيران
للاعتراف بفشلهما، ومسؤولية نظام الأسد عنه، وقدما استقالتهما. أما المبادرات المتعددة التي
يدور الحديث عنها، بعد فشل مؤتمر جنيف، فهي لا ترقى إلى مستوى المبادرات، ولا حتى
الأفكار الواعدة. ومعظمها لا يهدف إلا إلى اللعب على المعارضة، السياسية والعسكرية،
بهدف تأهيلها لتقديم التنازلات التي من "المحتمل" أن تساعد على تذليل العقبة
الروسية، مع العلم أن روسيا، على الرغم من دورها العسكري المهم، ليست قادرة على فرض
أي حل، لا على الأسد ولا على طهران. ولا يختلف الوضع عن ذلك في ما يتعلق بمبادرة
مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان ديميستورا، التي تعترف سلفاً بالفشل، ولا تطمح، مع
غياب أي أمل في حل سياسي أو عسكري، إلى أكثر من المساعدة على عقد هدن محلية، بهدف
التخفيف من معاناة السكان، هنا وهناك. السياسة ليست بديلاً للحرب لن تكون هناك نهاية للحرب، مع
استمرار الخيارات السياسية الراهنة للدول، وللولايات المتحدة بالذات. ولن يكون هناك
أي حل سياسي، لا يكون مجرد استسلام للأسد وخامنئي، ما لم يتم تحطيم آلة الحرب
المشتركة للقرداحة وطهران، والمكونة من بقايا الجيش السوري والمليشيات المذهبية
المجيشة من عشرات الدول والبلدان. وكل تأخير في إنجاز هذا العمل لن يعني سوى السماح
بمزيد من التصعيد في العنف والوحشية، ومن تفاقم الأزمة السورية ومعاناة السوريين،
ومن مخاطر انتقالها إلى الدول المجاورة. فسورية ليست جزءاً من الوطن
العربي فحسب، لكنها مركز توازن المشرق بأكمله. والسيطرة عليها ستحدد مصير المنطقة
ومآلات السيطرة الإقليمية. الاستمرار في تجاهل ما يجري فيها يعني، ببساطة، تقديم
سورية لقمة سائغة لطهران، والتخلي عنها لصالح سيطرة المليشيات المذهبية المتطرفة من
كل دين، أي القبول بالاستسلام الكامل أمام التوسعية القومية المذهبية الإيرانية
والاعتراف بالهزيمة من دون حرب، وتكريس شلل المجموعة العربية وانقسامها، وتشجيع
خصوم الدول العربية جميعا على التحرش بها، والاعتداء عليها، بما في ذلك مليشيات
المرتزقة والمجموعات الإرهابية، وفي النهاية، خسارة كل الجهود التي بذلتها بلدان
المنطقة، للحفاظ على الاستقرار والسلام والأمن الإقليمي. كان على الدول العربية، ولا
يزال، أن تعتبر قضية الحرب الدموية في سورية قضية عربية أولاً، وتدعم مبادرتها
السياسية، التي تبنتها الأمم المتحدة، وتحولت إلى مبادرة أممية فاشلة، بسبب غياب
آليات العمل وأدوات التنفيذ، بمبادرة عسكرية تفرض على الأطراف السورية الإذعان
لمبادئها وشروطها، وتضع حداً لسفك الدماء وتمزيق البلاد وتسابق المجموعات الإرهابية
والميليشيات المذهبية على السيطرة على أراضيها، وإقامة إمارات خاصة فيها. فأمن سورية جزء أساسي من أمن
المشرق العربي، وهذه حقيقة وليست على سبيل المبالغة. وسوف يتأكد ذلك أكثر مع الزمن،
بعد أن تظهر الانعكاسات الخطيرة لأزمتها على الدول والمجتمعات العربية القريبة
والبعيدة، بل على العالم أجمع. وتكفي الإشارة، منذ الآن، إلى الخلل الاستراتيجي
الذي أدت إليه بتمكينها طهران وحلفاءها من تطويق الجزيرة العربية، وتهميش مصر وشمال
أفريقيا وإخراجهما من المنطقة، وإطلاق شياطين الحرب المذهبية والطائفية الإقليمية
التي تهدد الجميع، وتفكيك نسيج المجتمع السوري، ودفع الملايين من أبنائه إلى اللجوء
والتشرد والضياع، وما يعني ذلك من كارثة إنسانية للسوريين ولعموم المنطقة، من دون
الحديث عما أصبحت الأرض السورية تمثله من مرتع لبؤر التطرف الديني وغير الديني، ومن
قطب جذب لجميع العصابات الدموية إلى المنطقة. والحال أن الدول العربية
استهانت بالصراع السوري، ورمت مسؤولية حله على الأمم المتحدة مع علمها بأن مجلس
الأمن معطل، ولن يكون هناك أي تدخل دولي. واستمرت في سياسة النعامة، خلال سنوات
أربع طويلة، من دون أي رد فعل، واكتفت بتقديم فتات الدعم المادي والعسكري والسياسي
لقوى مدنية، تسلحت على عجل، ولم تعرف حتى كيف تساعدها على ضبط تنظيمها وتدريبها
وتأهيلها، واستهانت بإرادة الهيمنة الإيرانية، وتركتها تحقق أهدافها من دون أي رد
فعل. فأعلنت طهران سيطرتها على باب المندب، وإلحاق اليمن صراحة بمشروعها الإقليمي،
وإرادتها في تطوير هذا المشروع، في اتجاه دول الخليج في المستقبل. وبهذا تكون الدول
العربية قد فتحت أبوابها لكل المخاطر والتهديدات. ما كان يتوجب على العالم العربي أن يفعله لا يزال يحتاج إلى أن يُفعل. والتأخر في إنجازه لن يحل الأزمة، لكنه سوف يزيد من تكاليف مواجهتها ومخاطرها الإنسانية والسياسية والعسكرية، بصورة يمكن أن تصبح غير قابلة للاحتمال، بمقدار ما سوف يدفع إلى تفاقمها، ويوسع من دائرة انتشارها وتهديداتها. ما كان على أوروبا أن تفعله لمواجهة النازية الهتلرية هو تماما ما ينبغي على البلاد العربية وتركيا أن تفعلانه، بدعم من الأمم المتحدة والتحالف الدولي، أم بدونهما. وهذا هو الوقت، وليس بعد أن توقع واشنطن وطهران مذكرات التفاهم وحل موضوع الملف النووي الإيراني. |
||
copy rights ©
syria-news 2010 |