قتيل و11 جريحاً و30 موقوفاً بسبب امرأة ...!!!!!

وانتحار بسبب الفقر والبؤس وآخر بسبب الرفاهية ...

يقول الصحابي أبي الدرداء أنه : " ماكان مستهجناً بالأمس أصبح اليوم مقبولاً، وما هو مستهجناً اليوم سيصبح مقبولاً غداً " ...

تبدو هذه المقولة صحيحة للوهلة الأولى ولكن من يدقق ببعض الأفعال القديمة ويقارنها مع اليوم، يجد أنه لا تزال هناك بعض الأفعال المستهجنة في الماضي والتي يستهجنها الحاضر أيضاً ولكننا لا زلنا نقع بها ....

وبالعودة إلى صفحة الحوادث الموجودة في الصحف السورية القديمة نجد أن العديد من الحوادث وقعت لأسباب غير مبررة وغير مقبولة سواء بتاريخ حدوثها أم بتاريخ اليوم.

فبصحيفة (العلم) الدمشقية الصادرة بتاريخ آذار 1954 نجد خبراً بصفحة الحوادث جاء فيه :

" قتيل و 11 جريحاً و 30 موقوفاً (بتلدو) في شجار ضم جميع أهالي القرية بسبب امرأة ....

وقع أول أمس حادث في قرية التلدو بحمص أدى إلى شجار، اشترك فيه جميع أهالي القرية، واستعملت فيه الخناجر والمسدسات والفؤوس وأسفر عن وفاة شخص وإصابة سبعة بجراح خطيرة.

كما أصيب أربعة بجراح بسيطة ومع أن التحقيق لم ينته حتى الآن في هذا الحادث، فقد علم ان أسباب الشجار تعود لتحرش شخص بإمرأة فتربص أقرباؤها لهذا الشخص وأعملوا فيه ضرباً وصفعاً، وتطور النزاع إلى شجار اشترك فيه جميع أهالي القرية، وقد سارع رجال الدرك إلى مكان الحادث، وفرقوا بين المتشاجرين وسيطروا على المن في تلك القرية، كما استدعيت سيارة الصحة لنقل الجرحى إلى المستشفى الوطني.

وقد اعتقل الدرك زهاء 30 شخصاً ممن اشترك بأعمال الطعن وإطلاق النار. ونقل جميع المتهمين إلى السجن تمهيداً إلى إحالتهم للقضاء. "

ومن صحيفة (العلم) إلى صحيفة (الأيام) الصادرة في آب 1957 تصادفنا حالتا انتحار غريبتين، فالأولى قررت الانتحار لأن الحياة لم تعد تعجبها، والثاني قرر الانتحار بسبب فقره وبؤسه، وقد جاء في تفصيل هذان الخبران:

" وجدت عزيزة محمد في غرفتها المنفردة بمنزلها في حالة يرثى لها، فقد كانت تضع يدها على بطنها وتقول: أه ... لقد سممت نفسي ... شربت الدواء المسموم وأني أشعر بأحشائي تتقطع أنقذوني ... خذوني إلى المستشفى وسارع أهلها لانجادها وطلبوا سيارة الإسعاف التي نقلتها إلى المستشفى وما كادت تصل إلى غرفة العمليات حتى فارقت الحياة متأثرة بأوجاعها وآلامها ....

وبعد أن فحص الطبيب الشرعي الجثة تبين أنها ماتت مسمومة بمواد غريبة ... وقد أثرت هذه المواد على أحشائها الداخلية فتفتت مما سبب وفاتها ....

بهذه الطريقة البشعة قتلت عزيزة نفسها، وهي فتاة شابة لم تتجاوز بعد السابعة والعشرون من عمرها وعثر بجانب سريرها ورقة صغيرة ذكرت فيها الأسباب التي دعتها إلى قتل نفسها ... وشرب المادة السامة ومما ذكرته في الورقة أنها تضايقت كثيراً من هذه الحياة ووصل معها هذا الضيق إلى حد اليأس المرير. وقد حاولت قبل هذه المرة التي قضي عليها فيها أن تنتحر ولكنها كانت تتراجع في اللحظات الأخيرة. أما اليوم فقد طفح الكيل ولم يعد بالإمكان السكوت عن هذه الحياة المحزنة.

وكان أهل الفتاة المنتحرة لايعملون أنها متضايقة من شيء، وكل مايعلمونه أن يقدمون كل شيء لابنتهم الوحيدة، ولم تكن لتطلب شيئاً حتى يكون عندها مباشرة، لقد أثر دلالنا لها على نفسيتها هكذا قال والدها وتابع لقد أرادت الحصول على كل شيء وعندما لم نحرمها من أي غرض كانت تطلبه وجدت أنه لا معنى من الحياة فانتحرت.

وتقول أمها استبعد أن يكون لعدم زواجها وهي بهذا العمر سبباً في انتحارها، فابنتي كانت جميلة وتقدم لها الكثيرون ولكنها كانت ترفض باستمرار هكذا دون ادنى سبب ....

وعلى طرف نقيض من هذه القصة فإننا نشاهد شخصاً آخر قد انتحر، ولكن هذه المرة لا لأنه يملك كل شيء بل لأنه لا يملك شيء.

فمحـمد سمير شوقي فتى لم يتجاوز بعد الخامسة عشر من عمره يعيش في ظل والديه عيشة ضيق وضنك لأن دخل أبيه محدود ولا يستطيع أن يقدم له كماليات هذا العصر الذي امتلأ بأنواع المغريات وكل ما يستطيع فعله هو إسكانه في المنزل وإطعامه.

وقد حاول الفتى مراراً أن يقتحم الوضع الذي يعيشه مع والده، فطلب إليه أن يقدم له أسباب هذه الرفاهية ولكنه أنبه وقال:

هذه هي إمكانياتي لا أستطيع أن أقدم غير ذلك ... هذه الكلمات كانت كافية لأن يشتري محـمد سمير شوقي سكيناً حاداً ليقوم بتقطيع أوصال يديه الإثنتين داخل حمام منزله، ولما استشعر الأهل بتأخر ابنهم في الحمام ذهبوا ليتفقدوه ليجدوا أن بحراً من الدماء يسيل عند الباب وعندما فتحوا الباب وجدوا ابنهم مستلقٍ على الأرض وهو في غياب كامل عن الوعي، ولدى اتصالهم بسيارة الإسعاف كان ابنهم قد فارق الحياة ...."

هذا جزءٌ يسير من الحوادث التي كانت تقع في سوريا بتلك الحقبة من الزمن، وللأسف فإن عامل الزمن والتطور لم يحدا هذا النوع من الحوادث، بل على العكس بتنا نشاهد في أيامنا هذه حوادث مشابهة لها، بل وزائدة عليها في أعظم الأحيان، فما تزال هناك فوارق كبيرة بين الغني والفقير وإن كان الفقير في تلك الأيام قادرٌ على تأمين سكن وطعام لأولاده، فهو في هذه الأيام غير قادر على أن يقدم لهم شيء ....

والخلاصة أن معظم الحوادث التي تقع هي جراء حالات اجتماعية ونفسية يحتاج أهلها للتأهيل من أجل معرفة كيفية التعامل معها، وهذا التأهيل التربوي نراه مفقوداً ولم يتنبه له العديدون من المسؤولين على مر العصور، الأمر الذي سيجعلنا نرى وباستمرار أمثال هذه الحوادث السخيفة تطرق أبواب بلادنا.