2015-03-23 23:52:34 | ||
فاروق الشرع في «الرواية المفقودة»: وقائع ومصائر... صحيفة السفير اللبنانية |
||
صقر ابو فخر يقول ابن الجوزي: «إن التواريخ وذكر السير راحة للقلب وجلاء للهم وتنبيه للعقل». وهذا القول يشير إلى ان الفائدة الوحيدة للتاريخ هي المتعة الذهنية، أي تنبيه العقل، أو المتعة النفسية، أي جلاء الهم وراحة القلب. فهل للتاريخ فائدة إذاً؟ هل يقدم التاريخ عبراً وأمثولات؟ هل اتعظ أحد من الزعماء بدروس التاريخ فلم يستبد مثلا؟ مَن من القادة يتخذ قراراته في ضوء التجارب التاريخية؟ لا أحد بالتأكيد. ولو حدث ذلك فهو ضرب من الخبال، لأن رجل الدولة المعاصرة يتخذ قراراته في ضوء المعطيات والوقائع والمصالح الراهنة، لا في ضوء معطيات انتهت ولا يمكن استعادتها. وحدهم التكفيريون والسلفيون، الجدد والقدماء، هم الذين ثبّتوا بوصلتهم على الماضي ولبثوا عنده، وما برحوا يشتمون أبا جهل وأبا لهب، وألفوا أكبر قبيلة في التاريخ العربي هي «قبيلة حدثنا».
كان البعض يعرِّف التاريخ بأنه «علم البحث في الماضي». غير أن مارك بلوخ مؤسس مجلة «الحوليات» الفرنسية يقترح تعريفاً آخر هو التالي: «التاريخ علم البشر في الزمان»، أي انه يتضمن لا الوقائع وحدها، بل المشاعر الإنسانية والأحلام والتأملات والتطلعات وغيرها. وهذا ما فعله فاروق الشرع في مذكراته الموسومة بعنوان «الرواية المفقودة» (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015). وهذا الكتاب هو، بحق، مذكرات، وليس سيرة ذاتية، فهو يروي مقادير لطيفة من أيامه الأولى في عربين ودوما والنبك ثم درعا التي استقر فيها منذ العام 1947، مع انه مولود في قرية محردة في العام 1938، وهي مسقط البطريرك الراحل اغناطيوس الرابع هزيم الذي لا يرد اسمه إطلاقاً في هذه المذكرات، ويعرِّج سريعاً على مراحل دراسته منذ مدرسة المتنبي الابتدائية حتى جامعة دمشق وانضمامه إلى حزب «البعث» والتحاقه بالبنك العربي موظفاً، ثم فصله من البنك، ليصبح موظفاً في «شركة الكرنك» ثم في شركة الطيران السورية التي كانت بوابته إلى حافظ الأسد. وقد توقعنا ان نعثر في هذه المذكرات على روايات وحكايات ومعلومات تفصيلية عن رفاقه الأوائل وعن الحياة الاجتماعية في درعا آنذاك، وعن الانقسامات العائلية والعشائرية في جنوب سوريا وعلاقة حوران بشمال الأردن، لا سيما أن المنطقة الممتدة من الرمثا حتى إربد مروراً بالمفرق هي حورانية خالصة، فضلاً عن العروة الوثقى بجبل حوران أي جبل الدروز. كذلك لم نعثر على أي تفصيل في شأن الحياة السياسية في جامعة دمشق، مع أن اثنين من أشهر «مناضلي البعث» في الجامعة هما نور الدين الأتاسي وإبراهيم ماخوس: الأول صار رئيساً للجمهورية، والثاني وزيراً للخارجية، أي مثله تماماً. اما قصة فصله من «البنك العربي» بذريعة قرار البنك عدم الجمع بين العمل والدراسة ففيها تفصيل، إذ ان المناضل الفلسطيني المعروف واصف كمال الذي كان مديراً للبنك العربي في دمشق اشتهر بصرامته، وفصل الموظف فاروق الشرع، لا لأنه طالب في الجامعة ولا يستطيع الجمع بين العمل والدراسة، بل لأنه كان يتأخر كثيراً عن مواعيد عمله، وهذه رواية أخرى. الرواية المفقودة حقاً هذا الكتاب هو عرض شائق ومفصّل للمفاوضات السورية ـ الإسرائيلية التي بدأت في 15/9/1999، والتي لم يتحفز أي مسؤول سوري لشرح وقائعها ومجرياتها من قبل مثلما فعل الوزير فاروق الشرع. وهنا نعثر، بالفعل، على المواقف السورية من قضايا المياه والحدود ومحطات الإنذار المبكر وعلاقات السلم والانسحاب الإسرائيلي من لبنان، وهي كلها ماثلة أمامنا على طاولة المفاوضات بخلفياتها السياسية وطرائق إدارة الصراع في شأنها، علاوة على التشبث بخط الرابع من حزيران 1967 والإصرار على عدم فصل المسارات العربية بعضها عن بعض. والكتاب كله من بابه إلى محرابه دفاع، وتفسير في الوقت نفسه، عن السياسة الخارجية السورية كما صاغها الرئيس حافظ الأسد، ونفّذها الوزير فاروق الشرع، فهو يقول: إن سوريا اختارت التفاوض المباشر مع إسرائيل لأن الاتحاد السوفياتي كان قد انهار، ولا ظهير مصرياً أو عربياً منذ معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، ولا عمق إستراتيجياً مع العراق منذ انهيار الميثاق القومي في العام 1979، لا سيما بعد الحرب ضد إيران العام 1980 واجتياح الكويت العام 1990، ولا أثر لإعلان دمشق بعدما ألغي الشق الأمني منه بطلب ملكي سعودي (ص 450). ومهما يكن الأمر، فهذه المذكرات ليست دفاعاً عن طريقة إدارة السياسة الخارجية السورية فحسب، بل هي تفسير لها بذكاء لافت، فيحاول ان يشدد على العناد السوري في شأن الحدود، ورفض جميع المقترحات التي لا تجعل الجنود السوريين قادرين على غسل أرجلهم بمياه طبرية مثل الطريق الدائري حول البحيرة الذي اقترحه إيهود باراك، أو الحديقة الدولية التي تفصل مناطق السيادة السورية عن شاطئ طبرية التي اقترحها محمية طبيعية وسياحية رئيس وزراء كندا جان كريتيان. ويحدثنا الوزير الشرع كيف أقفل الرئيس الأسد هاتفه في وجه رونالد ريغان قائلاً له: «أنت لا تعرف مع من تتكلم. أنت تتكلم مع رئيس جمهورية سوريا» (ص 108)، ولماذا تأخرت قمة الأسد ـ كلينتون في جنيف (26/3/2000) أربع ساعات، وعن هدية اشتراها كلينتون للرئيس الأسد من الهند وهي ربطة عنق عليها رأس أسد، الأمر الذي ينمّ عن سذاجة، تماماً مثل حكاية توديع كلينتون إلى مطار دمشق، ففي الطريق شاهد كلينتون قبة جامع كبير عند المتحلق الجنوبي فسأل الأسد: هل هذه هي قبة الجامع الأموي؟ الحكايات الممتعة في هذه المذكرات كثيرة مثل رفض الشرع أن يمد يده لمصافحة دافيد ليفي عند باب البيت الأبيض قائلاً له: بعدين، بعدين. وأجابه ليفي بالعربية: معليش، معليش (ص 423). وكذلك قصة اتفاق أضنة في 21/10/1998 الذي أدى إلى إبعاد عبدالله أوجلان عن سوريا إلى اليونان «وكان ذلك أحد أقسى القرارات في حياة حافظ الأسد... فقد كان الأسد يحبه شخصياً» (ص 373). ومن طرائف ما يرويه الوزير الشرع ان بعثة من خبراء الأمم المتحدة قدمت إلى مشيخات الخليج العربي في أواخر أربعينيات القرن المنصرم لمكافحة الجراد. لكن الشيوخ والأهالي طردوا هؤلاء الخبراء الذين لا يعلمون ان الجراد يعتبر طعاماً لذيذاً للسكان. ونقل الوزير الشرع رسالة من الرئيس الأسد إلى السيد علي خامنئي في اثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية تطلب منه التوقف عن قصف السفن السعودية والكويتية. فقال خامنئي: إن الله هو الذي يقصفها. فأجابه الشرع: إذاً، لتدع الله في اثناء الصلاة أن يكف عن رمي الصواريخ على هذه السفن. وأخيراً، بعد إلحاح الشرع، وعده خامنئي بأنه سيرجو الله ان تتوقف الصواريخ بعد أيام. وبالفعل توقفت حرب السفن آنذاك. النقصان المخِل وردت كلمة «الديموقراطية» مرة واحدة في الكتاب كله (ص 135)، ولم ترد حادثة انتحار محمود الزعبي على الاطلاق، ولم يشر المؤلف إلى اغتيال أنور السادات قط، أو حادثة اغتيال صلاح الدين البيطار في باريس في 26/2/1981، ولم نعثر على أي همسة عن كارلوس وإقامته الدمشقية، حتى ان وليد جنبلاط يرد مرة واحدة فقط (ص 125) بينما خلا الكتاب من اسم كمال جنبلاط تماماً. وفوق ذلك، فإن العميد محمد الخولي مدير «المخابرات الجوية» ذات الصلة الوثيقة جداً بشركة الطيران السورية التي كان الشرع مدير محطتها في لندن، لا يذكر إلا في حادثتين هامشيتين: الأولى في أثناء مكالمة مع بيار الجميل، والثانية إبان رحلة رفعت الأسد الختامية إلى موسكو. ولعل اللجاجة في اكتشاف الحقائق تجعلنا ملحاحين، فلم يرد اسم الإمام موسى الصدر البتة في الكتاب، وعلى غراره أيضاً لم نعثر على قصة اختفاء منصور الكيخيا في القاهرة في العام 1993، ثم اختطافه إلى ليبيا وإعدامه. والكيخيا بعثي سابق وهو من أصل سوري. وعلى هذا المنوال أهيل التراب على اسم ميشال سورا الذي مات في سجنه في بيروت، وهو الذي عاش معظم أيام حياته في سوريا وتزوج سورية. واضح إلى حد كبير أن الوزير الشرع كان بعيداً نسبياً عن الملف اللبناني الذي تولاه عبد الحليم خدام. كما كان بعيداً عن عالم الاستخبارات والاغتيالات والعمليات القذرة، خصوصاً في لبنان. ولهذا، ربما، كان اسم عبد الحليم خدام مرصوداً للشؤون اللبنانية، أما السياسة الخارجية، ولا سيما قضايا المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية، فكانت من نصيب الشرع بالدرجة الأولى. ومع ذلك فهو يخبرنا ان «تفاهم نيسان» 1996 لم يصنعه رفيق الحريري الذي ظل مستنفراً في منزله في دمشق وفي السفارة السعودية، بل إن من صنعه هو حافظ الأسد وفاروق الشرع. لعل الوزير الشرع لم يتناول من القضايا السياسية إلا ما اختبره بنفسه مباشرة. فهو ليس مؤرخاً كي يتطرق إلى جميع الوقائع التي عصفت بسوريا ولبنان وفلسطين والعراق في الربع الأخير من القرن العشرين. لكن، كان من الملائم ان يقدم تفسيراً لصعود الإسلام السياسي في سوريا، وانتشار الوهابية في أرجائها، وأثر سياسة النظام الحاكم في تشجيع اتجاهات إسلامية «معتدلة» كالبوطي وكفتارو وعبد الكريم الرفاعي ومنيرة القبيسي وحسن فرفور وبدر الدين الحسني ومحمد غول اغاسي (أبو القعقاع)، حتى قيل إن ما بني من الجوامع في عهد حافظ الأسد يفوق ما بني منذ الاستقلال حتى سنة 1970. إن أحد الفصول الممتعة في «الرواية المفقودة» هو فصل «الاخوة الأعداء: نحن والعراق»، ففيه تحليل تاريخي وإستراتيجي لامتناع اللقاء السوري ـ العراقي في قلب المشرق العربي. وفي هذا الفصل يكشف الوزير الشرع ما دار في الاجتماع السري بين صدام حسين وحافظ الأسد، الذي استغرق احدى عشرة ساعة، وتحول الملك حسين في أثنائها إلى نادل يوصل المأكولات بنفسه إلى الرئيسين اللدودين من خلف الباب (ص 162). وقد أسهب المؤلف في الكلام على الاجتياح العراقي للكويت وأسبابه وآثاره وتفصيلات المحاولات السورية لمنع الحرب، الأمر الذي يُعد، بالفعل، خلاصة تاريخية صحيحة لمجريات تلك الكارثة. ولعلي لا أجازف في الاستنتاج إذا قلت إن هذا الكتاب كان في إمكانه ان يكون أكثر إمتاعاً وإيناساً لو مزج المذكرات بالتأريخ، فمنح حقبة الوحدة السورية ـ المصرية اهتماماً أكبر، ولا سيما حوادث لبنان في العام 1958 وعبد الحميد السراج و «البعث» والحياة السياسية في سوريا في تلك المرحلة. والكتاب اكتفى بالمرور السريع بحوادث أيلول 1970 في الأردن، وأحجم عن الكلام على انتقال العمل الفدائي إلى سوريا ولبنان، والتبعات التي ترتبت على ذلك. وفي هذا السياق، لم يلتفت المؤلف إلى اشتباكات أيار 1973 بين الفدائيين والجيش اللبناني التي كانت التمرين الأول على الحرب الأهلية التي نشبت في العام 1975، وكانت سوريا اللاعب الأكبر من بين اللاعبين الكثر الذين اكتووا بنيرانها وعانوا عقابيلها. |
||
محسن 2015-03-26 14:54:59
الذاكرة المفقودة
أنا قرأت الكتاب وحسب ماورد فيه الواضح أنو السياسة السورية بعهد حافظ الأسد كانت سياسة الي قاعد عم يلعب وماعرفان ربه وين حاطه. سياسة عنتريات علافاضي وهي الي وصلت سوريا للي في. ورأيي لازم فاروق الشرع ما يسمي كتابه الرواية المفقودة لازم يسمي الذاكرة المفقودة. -سوريا
|
||
copy rights ©
syria-news 2010 |