2015-08-14 18:50:47 | ||
إعادة إعمار.. أم مزيد من الدمار؟... صحيفة الغد الاردنية |
||
محمد برهومة يدلّ الحراك الإقليمي والدولي حول سورية في الأشهر الأخيرة، على توجه واستعداد الأطراف المنخرطة في هذا الحراك للقبول بمقاربات سياسية طرأ عليها تطور نوعي، يعكس، في الواقع، الاختلاف والتغير الذي أصاب البيئة الجيو-سياسية في الإقليم، خصوصاً بعد المعطى الاستراتيجي المهم المتمثل في تسوية الملف النووي الإيراني. فطهران لن تستفيد اقتصادياً من تسوية ملفها النووي ببقاء الصراع محتدماً في سورية واليمن والعراق.
وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما تخشى قبل هذه التسوية من أن أي مقاربات سياسية في الإقليم وملفاته المتشابكة، قد تفسد تلك التسوية أو تؤثر فيها سلباً. اليوم، تكاد واشنطن تتحرر نسبيا من هذه العقدة، من دون أن يعني ذلك أنّ ثمة مواقف انقلابية أو دراماتيكية، خاصة في الملف السوري. يساعد واشنطن على الظهور بهذه الصورة أنّ روسيا وإيران أصبحتا اليوم أكثر قناعة بأن من الصعب الإبقاء على الدرجة نفسها من الدعم اللامحدود للنظام السوري، فالتغيرات على الأرض، وفي المزاج الإقليمي والدولي، والاستنزاف المالي، دفعتهما لأنْ يكون الهدف اليوم التمسك بالرئيس بشار الأسد، أو التفكير باحتمالات مشاريع "تقسيم وتقاسم" في سورية، يجري تناولها من خلال الكلام عن "سورية المفيدة" من قبل إيران و"حزب الله". اليوم، هناك نزف في القوة العسكرية للنظام السوري، و"حزب الله" فقد ما يزيد على 25 % من صفوة كوادره العسكرية ذات التدريب الاحترافي العالي، والرياض وأنقرة والدوحة، لديهم اليوم المزيد من المسوغات والأسباب للتحدي وعدم التراجع عن دعم المعارضة السورية والسعي لإسقاط الأسد. هذا ما قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لدى لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو الثلاثاء الماضي. وحتى بعد زيارة الجبير لموسكو، ومن قبلها لقاء المسؤولين السعوديين بالشخصية الأمنية السورية الكبيرة علي مملوك في جدة، في رسالة موجهة لموسكو عن مدى المرونة والبراغماتية السعودية، فإن الرياض ماضية بإصرار واضح على عدم التنازل عن مسألة "لا مكان للأسد في مستقبل سورية، وأنه جزء من المشكلة وليس الحل". الرياض ماضية، بالتفاهم مع أنقرة والدوحة، في استكمال التغيير في سورية. والجديد اليوم، الذي تتقارب فيه الرياض مع موسكو، هو الاعتراف بأهمية المحافظة على مؤسسات الدولة السورية بما فيها الجيش، إلى جانب الاعتراف بأولوية محاربة "داعش"، وهما أولويتان تقرّبان أيضاً بين موسكو وواشنطن. ومثلما تمنى الجبير لدى لقائه لافروف أن تحدث موسكو مزيداً من التحول في مواقفها من الأسد، ترغب موسكو في أن تغيّر الرياض موقفها من موضوع بقاء الأسد، وتسعى لأنْ يكون هناك حوار بينه وبين المعارضة يفضي إلى مرحلة انتقالية قد تصل إلى خمس سنوات كما يريد الكرملين. السعودية وروسيا تتفقان على مرجعية "جنيف1"، وتختلفان حول بقاء الأسد ضمن النظام الانتقالي المقبل. وحتى الأطراف الأوروبية والأميركية -التي تؤيد الفترة الانتقالية ولا تصرّ على إبعاد الأسد- تختلف مع موسكو على المدة ولا تريدها أن تطول لخمس سنوات. الحراك الإقليمي والدولي حول سورية يهدف أيضاً إلى تقوية المعارضة الوطنية المعتدلة، وهي ما تزال ضعيفة. غالبية الأطراف، وليس جميعها، لا تريد أن يخلف الأسدَ "داعش" و"النصرة" و"أحرار الشام"؛ حتى لو استمر الصراع لفترة أطول، برغم إشكالية أن إطالة الصراع هي في الواقع تغذية لكل نزعات التطرف والعنف والفوضى. ينبغي التفكير بآليات أكثر ذكاء ونجاعة لحل هذا التناقض. والتحدي الأكبر الذي يواجه جميع الأطراف هو: كيف تكون السنوات العشر المقبلة في المنطقة ورشة لإعادة إعمار البلدان التي دمرتها الصراعات، بدلاً من أن تكون هذه السنوات العشر امتداداً للحروب الأهلية والفوضى والضياع الشامل؟ |
||
copy rights ©
syria-news 2010 |