2017-06-18 15:28:43 | |||
المفاوضات التي غيرت مجرى التاريخ السوري |
|||
حماية الأقليات ... آخر أوراق الاستعمار البائد
" من سيحمي الأقليات في سورية إذا خرجنا منها ... سوريا بتكوينها الحالي مؤلفة من دول عدة، وإن لم تكن متعددة الأجناس فهي على الأقل مؤلفة من طوائف دينية غالباً ماتعتبر كأمم داخل أمة وهو مايجعلها معرضة لحرب أهلية ". هذا التصريح الذي خرجت به سلطات الانتداب الفرنسية عندما لم يعد أمامها سوى اللعب بورقة حماية الأقليات للوقوف بوجه المفاوضين السوريين الذين لم يملوا أو يكلوا في سبيل انتزاع حق بلدهم السوري بالوحدة والاستقلال عن الاستعمار.
لم يكنْ الفرنسيين ليتوقعوا الرد السريع على بيانهم هذا من قبل آلاف المسيحيين السوريين الذين اعتبروا أنفسهم المعنيين الأوائل بهذا الكلمة، فوقعوا على عريضة في حلب جاء فيها:
" .... إن زعم حماية الأقليات يتعارض وتحقيق الوحدة الوطنية التي نطالب بها جميعاً مهما كان المذهب الذي ندين به ... ونحنُ مسيحيو سورية لسنا جنسية ولا أقلية حقوقية فإن الدم الذي يجري في عروقنا واللغة التي ننطق بها والأصل والتاريخ المشترك يؤلف وحدة جامعة بيننا وبين مواطنينا المسلمين الذين كنا وإياهم سواسية في تحمل الضيم أجيالاً ... لقد كنا مسلمين ومسيحيين يداً واحدة في وضع الدستور السوري ولنا جميعاً ذات الحقوق والواجبات ونستغرب من أن يصدر هذا التصريح عن ممثل دولة علمانية كفرنسا ...."
لقد أجبرت الروح الوطنية هذه، وحنكة المفاوضين السوريين على إرغام فرنسا بتوقيع معاهدة عام 1936 والتي تعتبر المسمار الأول في نعش تواجد الاحتلال الفرنسي في سوريا ....
فما قصة مفاوضات عام 1936 : شعر السوريون بخطورة الموقف الذي تتبناه فرنسا حيال سورية وخاصة بعد ان عمدت إلى تقسيمها إلى دويلات قائمة على أساس طائفي ومذهبي. فجاهدوا في سبيل إعادة الوحدة بين جميع الأراضي السورية، وإرغام الفرنسيين على توقيع معاهدة تضمن وحدة الأراضي السورية واستقلالها.
في العام 1922 استطاع السوريون إعلان الاتحاد بين ثلاثة من هذه الدويلات وهي دمشق وحلب ودولة العلويين، ولكن السلطات الفرنسية مالبثت في سنة 1924 أن ألغت هذا الاتحاد وأخرجت دولة العلويين منه وأعلنت قيام وحدة بين دمشق وحلب في دولة واحدة هي (دولة سورية).
ونتيجة لرفض هذا التقسيم وللضغوط الشعبية السورية وقيام الثورة السورية الكبرى اضطرت سلطات الاحتلال الفرنسي إلى التصديق على دستور سوريا وإعلان (جمهورية سورية) في العام 1930 إلا أنه لم يتضمن بند واضح ينص على استقلال سورية التام.
لم ييأس السوريون بل على العكس استمروا بنضالهم العسكري والسياسي، وقاموا بإضراب عرف باسم الإضراب الستيني والذي استمر من 21 كانون الأول عام 1935 وحتى الثامن من آذار 1936 اضطرت فرنسا على إثر هذا الإضراب مرغمة على القبول بالتفاوض مع الوفد السوري في باريس من أجل إعلان استقلال سورية وإقالة حكومة الشيخ تاج الدين الحسيني وقبول اعتماد حكومة عطا بك الأيوبي وأجريت انتخابات بالبلاد انتخب على إثرها هاشم الأتاسي رئيساً للبلاد.
حاولت فرنسا إرباك المفاوضين السوريين المتوجهين إلى باريس، وادعت أنها تمارس مهمتها بحماية الأقليات في سورية، إلا أن رد السوريين على هذه الأكاذيب والإفتراءات كان من خلال عدة بيانات صادرة عمن يدعي الفرنسيين حمايتهم تندد بوجود الفرنسيين وتؤكد أن المسيحيين هم إخوة في الوطن والكفاح وليسوا بحاجة لأحد ليحميهم من إخوانهم.
بدأت المفاوضات في شهر آذار من العام 1936 واستمرت ستة أشهر فاجئ فيها المفاوضون السوريون أندادهم الفرنسيون بما يملكونه من حنكة ووعي سياسي.
تألف الوفد المفاوض السوري من: الرئيس هاشم الأتاسي (رئيس الوفد، عميد الكتلة الوطنية) فارس الخوري (ممثل عن الكتلة الوطنية) جميل مردم بك (ممثل عن الكتلة الوطنية) سعد الله الجابري (ممثل عن الكتلة الوطنية) مصطفى الشهابي (وزير المعارف، ممثل الحكومة السورية) إدمون الحمصي (وزير المالية، ممثل الحكومة السورية) نعيم إنطاكي (مستقل، أمين سر الوفد) إدمون رباط (مستقل، أمين سر الوفد)
حاولت فرنسا إفشال مهمة الوفد السوري، بالترغيب تارةً وبالترهيب تارةً أخرى، إلا أن جميع ما عرضه الفرنسيون على الوفد السوري من مكاسب سياسية ومادية لم يكنْ كافياً لأن يثني هذا الوفد عن عزيمته التي سافر من أجلها إلى فرنسا ألا وهي نيل استقلال بلادهم السورية استقلالاً تاماً.
وعندما وجد الفرنسيون إصرار الوفد السوري على انتزاع استقلال بلادهم من قلب عاصمة دولة الاحتلال (باريس) رأوا أنفسهم مضطرين على توقيع هذه الاتفاقية والاعتراف باستقلال سورية.
ولدى عودة الوفد السوري المفاوض من باريس، استقبل استقبال الأبطال، وخرجت الآلاف من الحشود الشعبية ترحب بالوفد السوري وبالمعاهدة التي انتزعت انتزاعاً من أيدي الاحتلال الفرنسي.
وعلى الرغم من أن الفرنسيين لم يلتزموا بمعاهدة عام 1936 بعد أن تنصلوا من التصديق عليها في برلمانهم بعد أن وقع عليها البرلمان السوري، إلا أنها تبقى المعاهدة التي دقت المسمار الأول في نعش تواجد الاحتلال الفرنسي في سوريا.
واليوم وبعد مرور كل هذه الأعوام، يعود السوريون لسياسة التفاوض من أجل نيل حريتهم واستقلالهم، ولكن للأسف التفاوض اليوم ليس بين طرف سوري وآخر محتل أجنبي، بل هو بين طرفين سوريين يسعى كل منهما جاهداً لتغليب رأيه وأفكاره وكل ذلك على حساب الشعب السوري ومعاناته.
وكم يعتصر القلبُ ألماً، عندما يرى أن ورقة الطائفية التي حاول المستعمر اختلاقها للإبقاء على تواجده في سورية، تظهر من جديد من خلال الوفد المفاوض عن النظام السوري الذي حاول الزج برجل دين من الطائفة المسيحية إلى داخل قاعة المفاوضات دون أن يكون له أي دور يذكر فلا هو سياسي كفارس الخوري ولا اقتصادي كإدمون الحمصي وما ظهوره إلا محاولة للعب على وتر الأقليات وإثارة للنعرات الطائفية، وهذا ما أكدته إحدى المفاوضات في وفد النظام السوري عندما قالت أن النظام يقوم بحماية الأقليات المسيحية في سورية من براثن الإرهاب وأثارت قصة الراهبات المختطفات في جواب بعيد كل البعد عن السؤال المطروح من قبل مذيعة إحدى القنوات الفضائية الأجنبية.
المراجع: 1- كتاب أوراق فارس الخوري الجزء الأول – تحقيق كولييت خوري – مطابع دار البعث. 2- كتاب كيف استقلت سوريا – سعيد التلاوي – مطابع مجلة الدنيا عام 1951 3- كتاب مذكرات يوسف الحكيم – الجزء الرابع – دار النهار للنشر – 1966 4- كتاب عبقريات من بلادي – عبد الغني العطري – دار البشائر – 1995 5- تطور الحركة الوطنية في سوريا – د.ذقوان أرناؤوط – دار طلاس 6- جريدة البلد. 7- جريدة القبس. |
|||
copy rights ©
syria-news 2010 |