وسط كل الفوضى القائمة وفقدان الحكومة السائد في العراق، يتجه المزارعون إلى زراعة نباتات الخشخاش الذي يستخرج منه مادة الأفيون المخدرة. إن هذا الأمر يثير مخاوف من تحول البلاد إلى مصدر رئيسي للهيروين.

بدأ الفلاحون في جنوب العراق بزراعة نبات الخشخاش في حقولهم لأول مرة في حياتهم، الأمر الذي يلفت إلى احتمال تحول العراق إلى منتج قوي للمخدرات إلى جانب أفغانستان.

ذكرت مصادر مطلعة في غرب منطقة الديوانية الواقعة على امتداد نهر الفرات لصحيفة الاندبندت أن زارعي الأرز توقفوا عن زراعة منتجهم الأول والشهير الأرز واستبدلوه بنبات الخشخاش.

ما يزال التحول نحو زراعة الخشخاش في مراحله الأولى ولكن ليس بإمكان الحكومة العراقية اتخاذ أي إجراء ضده لأن ميليشيات الشيعة المنافسة ووكلائهم في قوات الأمن هم من يسيطرون على منطقة الديوانية والمناطق المجاورة لها.

إن زراعة الأفيون تتمركز في الأراضي الروية بشكل جيد غرب وجنوب الديوانية وحول مناطق الشاميه، الغماس، والشينافيه. ويقال إن المزارعين يواجهون مشاكل في زراعة الخشخاش بسبب ارتفاع الحرارة والرطوبة العالية. وكان من الخطر جداً على الصحفيين زيارة الديوانية ولكن البدء بزراعة وحراثة الأفيون في تلك المنطقة جاء بشكل مؤكد على لسان اثنين من الطلاب في المنطقة وبعض المصادر في البصرة المطلعة على تجارة المخدرات في العراق.

وكان تجار المخدرات قد اعتادوا على العراق كنقطة عبور لتمرير الهيروين الذي يتم إنتاجه في معامل في أفغانستان، الذي يتم إرساله عبر إيران إلى أسواقه الكبرى في السعودية ودول الخليج. وقد ذكر أن أجهزة صدام حسين الأمنية كانت متورطة في تلك التجارة. إذاً زراعة الخشخاش في العراق لم تكن مطروقة من قبل وزراعتها اليوم يبدو مقياساً للعنف والفوضى السائدة في جنوب العراق. ومن المستبعد أن يكون الفلاحون قد قرروا من تلقاء أنفسهم التحول إلى زراعة الخشخاش، ويقال أن العصابات التي تمولهم "عصابات مجهزة بشكل جيد بالأسلحة والحافلات، ومنظمة أيضاً بشكل جيد".

وفي الوقت نفسه ليس هناك من سبب جذري يمنع زراعة هذه النباتات في تلك الأراضي التي تتمتع برطوبة ودرجة حرارة عالية في جنوب العراق. فهذه المنطقة عرفت الخشخاش منذ 3.400 قبل الميلاد وهو نبات معروف جداً لدى السومريين القدامى باسم "نبتة البهجة". وقد جاءت الدلائل على تأصل زراعة هذا النبات في تلك المنطقة على الرقم الطينية التي عثر عليها ضمن آثار مدينة نيبور التي تقع تماماً شرقي الديوانية.

وتماماً كما حدث في أفغانستان بعد سقوط حركة طالبان عام 2001، كان هناك أحداث مشابهة من الفوضى واستقرار الأمن وهي ظروف مناسبة جداً لنشاط المجرمين والعصابات ومهربي ومنتجي المخدرات. ولكن الفرق الوحيد هو أن أفغانستان مغرقة منذ وقت بعيد بإنتاج الأفيون وفيها الكثير من المعامل ذات التجربة الطويلة في تحويل الأفيون إلى هيروين.

ومن الجدير بالذكر أن قبضة الجيش البريطاني المنتشر حول البصرة وغيرها من المحافظات الجنوبية رقيقة جداً ويبدو أنها ستنتهي اليوم. وعلى الرغم من ان الحكومة في بغداد تتحدث يومياً عن انتقال السلطة الامنية التدريجي من أيدي الأمريكيين والبريطانيين إلى أيدي الحكومة العراقية، إلا أن الفائزين في حكومة العراق الجديدة هم دوماً من الميليشيا التي تسيطر على قوات الأمن العراقية.

إن العامل الوحيد الذي يقف حالياً عائقاً أمام العصابات المجرمة التي تزرع الخشخاش في العراق هو أنهم يحققون أصلاً أرباحاً طائلة من تهريب المخدرات إلى إيران. فهذا العمل سهل جداً بسبب الحدود العراقية الغير محمية مع الدول المجاورة. والعراقيون أنفسهم ليسوا مستهلكاً للهيروين أو غيرها من المخدرات.

ولكن البدء بزراعة الخشخاش في الديوانية يشير بوضوح إلى أن بعض العصابات تفكر بأنها ستحقق أرباحاً طائلة إذا حذت حذو أفغانستان. مع ملاحظة أنهم سيجنون بالتأكيد ربحاً أكبر من زراعة الخشخاش من أرباح زراعة الأرز، والكثير من المزارعين العراقيين الفقراء سيرغبون على الأرجح بزراعة هذا الصنف الجديد.

بقلم باتريك كوك بيرن - الاندبندنت

ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز