ومع أنني تفحصت التاريخ، كلا إنه ليس الأول من نيسان والأمر ليس كذبة الأول من نيسان- ولكني لم أزل مأخوذاً. كيف يمكن لهذا الرجل الفاشل المخادع، الكاذب بامتياز، الملفق للأكاذيب، والذي ما تزال يدياه ملطخة بدماء ألاف الرجال والنساء والأطفال العرب، كيف يمكن أن يكون مبعوث(نا) إلى الشرق الأوسط. 

هل يمكن أن يكون ذلك حقيقة؟ كنت دوماً أفترض أن بلفور، سايكس، وبيكو هم أبطال ملاحم الشرق الأوسط. ولكن توني بلير؟؟؟ هذا الرجل الذي قاد بلاده إلى رمال العراق يجب أن يعلم انه لعب دوراً في المنطقة- فهو من قام مبعوثه العبثي، اللورد ليفي، بالعديد من الرحلات السرية إلى تلك المنطقة دون أي فائدة على الإطلاق- واليوم هو من سيذهب لتلطيخ يديه (وأرواحنا ربما) بأخر حرب استعمارية عرفها العالم. 

وبالطبع سوف يلتقي محمود عباس، وسيحاول تهميش حماس، وسيتحدث أبداً عن "المعتدلين"، ونحن يجب علينا أن نصغ لكلماته المنزلة بشأن الأخلاق، وكيف انه واثق تماماً من انه يقوم بالأمر الصواب في إحلال السلام في الشرق الأوسط ( ولكن تذكروا أن هذا هو نفس الشخص الذي أجّل عمليات وقف إطلاق النار في لبنان ليشارك جورج بوش في أحلامه الواهية بشأن إحراز إسرائيل النصر أمام حزب الله).

إن توني بلير لم يقف مرة في حياته ليعتذر، لم يقل مرة أنه أسف بشأن ما اقترفته يداه باسمنا جميعاً. ولكن حتى الآن ما يزال اللورد بلير يعتقد أن بإمكانه أن يبلي بلاءً حسناً في الشرق الأوسط – مع انه هو من طبخ الدليل المزيف بشأن "أسلحة الدمار الشامل" في العراق.

إن هذا الرجل الذي فقد مصداقيته تماماُ في المنطقة- هذا السياسي الذي فشل بجدارة في كل محاولاته التي قام بها في الشرق الأوسط- يعتقد اليوم أنه الرجل المناسب لترأس الرباعية في ترميم "فلسطين".

واعتقد أن بلير في مطاردته للخونة لتنفيذ توصياتنا يمتلك أساليبه الخاصة، خاصة وأنه يتمتع بشخصية فريدة يتمازج فيها النفاق والقسوة، وسيتمكن دون أدنى شك من التعامل بشكل جيد مع العرب.

وأنا اشك بأن بلير قادر على الطواف حول دمشق بل وطهران أيضاً في مطاردته "للسلام" وبالتالي تعبيد الطريق لأمريكا للخروج مع العراق. ولكن "فلسطين"؟ ؟؟؟؟

لقد قام الفلسطينيون بإجراء انتخابات واقعية وأمينة جداً وفازت حماس بجدارة ديمقراطياً. ولكن بلير على ما يبدو لن يكون قادراً على التحدث إلى حماس. فهو بحاجة للتحدث فقط إلى خدم عباس من أجل التفاوض بشأن ما وصفه صديقي القديم، رامي خوري، "حكومة الخيال".

الأمريكيون يتحدثون وها أنا اسرد ما ذكره المتحدث باسم الخارجية الأمريكية سين ماك كورماك حول المبعوث القادر على العمل مع "الفلسطينيين وفقاً للنظام الفلسطيني:" من أجل تطوير مؤسسات "لدولة ذات حكومة جيدة". آه نعم أستطيع أن أرى كم هذا مغر للورد بلير. فهو مغرم بالدول ذات الحكومات الجيدة، والكثير من "قوانين الإرهاب"، الكثير من الأمن. ولكني رغم ذلك ما أزال أجل ماذا يعني "نظام فلسطيني".

لقد كان مبعوثنا الأصلي إلى الشرق الأوسط هو جيمس ولفينسون، الرئيس الأسبق للبنك الدولي، الذي غادر وهو مليء بالإحباط لأنه لم يتمكن من إعادة بناء غزة ولا حتى العمل مع "عملية السلام" التي تآكلت مع بناء كل مستوطنة يهودية جديدة ومع كل صاروخ قسام أمطر إسرائيل. هل يظن بلير بأنه قادر على القيام بما هو أفضل؟ أي كلمات متملقة سنسمع يا ترى؟

أنا أراهن بأنه لن يذكر أبداً الجدار الإسرائيلي الذي يبتلع جزءاً إضافياً من الأراضي الفلسطينية. سيكون اسمه "حاجز الأمن" أو "جدار" (مثل جدار برلين الشهير الذي كان يسمى "حاجز الأمن" من قبل الألمان الشرقيين الكرماء في ذلك الوقت).

بالطبع سيكون هناك التماسات لفرض قيودا على "جميع الجوانب" ودعوات غير منتهية "للاعتدال"، لن يكون هناك أي نداء للعدالة (التي ومنذ مائة عام تلتمسها جميع شعوب الشرق الأوسط). 

وإسرائيل تحب اللورد بلير. في الحقيقة، إن لغة بلير المراوغة ستغري على الأغلب ايهود أولمرت الذي تستمر حكومته بأخذ أراضي العرب وإعطائها لليهود، لليهود فقط، بينما هو ما يزال بانتظار العثور على الفلسطيني الذي يمكنه التفاوض معه. اليوم يتمتع محمود عباس بهيبة أرنب بعد أن دحرت قواته في غزة.

إلى أي من رئيس الوزراء الفلسطينيين سيتحدث بلير؟ لماذا يجب أن يتحدث إلى هذا الذي يرتدي ياقة وربطة عنق، الذي يعمل طبعاً مع السيد عباس، الذي سيطلب المزيد من "الأمن"، قوانين أكثر قسوة "والقليل من الديمقراطية. 

بقلم روبرت فيسك - الاندبندنت

ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز