تحققت الأحلام والأمنيات السابقة والبريئة للكثير من طلاب وتلاميذ مدينة حلب المتعلقة بزيادة عدد أيام العطل في مدارسهم هرباً من شبح الدراسة ، وها هو وحش المعارك يمنحهم أكثر مما تمنوه ، فمدارسهم باتت مغلقة ، وما يجري مؤخرا من اشتباكات في شوارعها حال دون استقبال معظم المدارس لأبنائها الذي أمسى حالهم كحال مدينتهم غارقون في الفوضى والتشتت بظل غياب واضح لأفق عامهم الدراسي .

ورغم إصرار بعض المدارس الخاصة التي تقع في "المناطق الأمنة" على فتح أبوابها ولو بشكل متقطع لتستقبل طلابها الميسورين ومتوسطي الدخل ، إلا أن جرس أي مدرسة حكومية من مدارس المدينة التي يبلغ عددها أكثر من 1000 والتي كانت تستقبل أبناءها من مختلف الفئات لم يدق إيذاناً ببدء السنة الدراسية لهذا العام .

فمدارس المدينة العامة التي تقع في المناطق التي تخضع تحت سيطرة الحكومة والأخرى الكائنة في اماكن تواجد مسلحي المعارضة على حد سواء ، باتت في أحسن أحوالها ملاجئ للنازحين أو تعرضت لقصف ضرر من بنائها أو في طريقها إلى ذلك ، و منها ما اتخذه المسلحين مقراً لهم .

البعض من الأهالي أمتنع عن أرسال أبنائه للمدارس لأسباب أمنية أو لانعدام المواصلات وعدم تمكن الطلاب أو المدرسين من الوصول إلى مدارسهم بالأخص خلال بداية الاحداث وصعوبة تأمين الطاقة بمختلف انواعها بالمدينة ، ذلك بالرغم من قرار إدارة قلة من الابتدائيات والثانويات العامة ممن لم يدخلها نازحون فتح ابوابها مع بدء العام الدراسي .

أهالي ولجان أحياء بعض المناطق تعاملت مع الظاهرة وحاولت تجاوزها ، مناطق اخرى استسلمت للواقع ، وتزامناً مع بداية العام الدراسي منتصف شهر ايلول الماضي أصدرت وزارة التربية تأكيداً بوجوب أن يلتحق كل مدرّس بدوامه فإلا لن يحصل على راتبه الشهري ، وأن كل من لا يلتزم  يعتبر مفصولاً سواء كان طالباً أو مدرّساً .

 تعميماً آخر صدر من قبل مديرية التربية بحلب بالنسبة لوضع المدرسين ألزمهم بالدوام وإن تعذر وصولهم بسبب وقوع المدرسة في منطقة ساخنة فعليه أن يلتحق بأقرب مدرسة إليه ، وهذا ما قام به معظم أساتذة المدارس العامة بالمدينة .

وضع المدارس بحلب اختلف من منطقة لأخرى ففي المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة ، معظم مدارسها مغلقة لوجود نازحين فيها ، فعمد البعض في الأحياء الرئيسية لفتح وعلى مستوى فردي كبديل عن ذلك معاهد خاصة لتدريس المناهج التعليمية لمختلف الاعمار لقاء قسط محدد من المال 1500 ليرة سورية لطالب الصف الأول الابتدائي شهرياً حتى 2500 لطالب الصف السادس .

البعض الآخر من أبناء هذه المناطق استغل وجود بعض المعلمات النازحات في المدارس ليستفيد في تعليم اطفاله بأسعار اقل من تكلفة الدروس الخاصة المعتادة في وقت سابق، هذا حرصاً من الاهل لعدم فقدان أبنائهم المادة العلمية كلٌ لمرحلته العمرية.

 في حين التفتت قلة من المدارس الخاصة لوضع ابناء الطبقة الفقيرة التي حرموا من تعليمهم هذا العام بالمدارس العامة الشبه مجانية ، ففتحت ابوابها بأوقات دوام لا تتعارض مع أوقات دوامها الاساسية وعرضت دروس وبأسعار خاصة لجميع المراحل تغطي مصاريف الكادر التدريسي فقط .

بالتوازي مع ذلك اتفق القيمون من لجان الإغاثة على بعض المدراس التي تضم نازحين مع مديرية التربية بحلب والمحافظة على إقامة وحدات تعليمية خاصة لأبناء النازحين في هذه المدارس ولطلاب المنطقة المحيطة بحيث يتم تحديد غرفة أو غرفتين من كل مدرسة تخصص للتدريس .

على أن يشمل عمل هذه الوحدات تقديم المواد الاساسية في كل مرحلة من خلال تكثيف الدروس المعطاة أو الجمع بين طلاب مرحلتين عمريتين في صف واحد بحيث يضم كل صف ما بين 15-20 طالب ويشمل جميع المراحل التعليمية وصولاً للصف التاسع الاعدادي .

ورغم أن هذه التجربة انطلقت في بعض المدارس إلا انها لا تزال تصطدم بصعوبات في مدارس أخرى و يعود هذا بحسب إحدى الناشطات بالعمل الإغاثي إلى إدارات هذه المدارس وكادرها التدريسي الذي يضع العقبات ويرفض التعاون مع غياب ضغط جدي وواضح من قبل مديرية التربية .

 هذا على الرغم من أن الحكومة كما أكدت الناشطة تدفع رواتب المدرسين بشكل كامل ومن دون تأخير ، منوهتاً في المقابل بالدور التي قامت به المديرية في المساعدة بتقديم الكتب المدرسية مجاناً لهذه الوحدات التعليمية .

على المقلب الاخر وفي المناطق التي تقع تحت سيطرة مسلحي المعارضة فأبنية المدارس فيها إما تضم نازحين ، أو باتت أماكن تمركز لمسلحين ، فيما دمر قسماً منها بشكل كلي أو جزئي نتيجة استهدافها في المعارك .

معظم ابناء وطلاب هذه المناطق يلزمون بيوتهم من دون تعليم ، ويبرر الأهالي ذلك بعدم وجود بديل عن المدارس الحكومية المغلقة ، بالإضافة للخوف على أطفالهم من الخروج من المنازل نتيجة الاشتباكات وعمليات القصف الدائمة التي تتعرض لها تلك الأحياء .

إلا أن لكل قاعدة استثناء فبعض الاحياء الشعبية كمنطقة بستان القصر جنوب المدينة شكلت وبمبادرة من بعض أبنائها لجنة " مخصصة للتعليم "عملت على حصر عدد الطلاب الموجودين بالحي وساعدت على تأمين الكتب المدرسية لجميع المراحل و البحث عن بعض الاماكن والأقبية الأمنة نسبياً لتجهيزها كغرف للتدريس من خلال كادر تدريسي متوفر من أبناء المنطقة أنفسهم .

كذلك قدمت هذه اللجنة المدعومة من قبل لجان الإغاثة العاملة بالمدينة ولتشجيع الطلاب ، حقيبة مدرسية مجاناً لكل طالب بالإضافة لرداء من الصوف ووجبة غذائية تقدم مع كل يوم دوام ، فيما تكفلت بعض الجمعيات الخيرية بتقديم القرطاسية لأبناء الحي .

حظ تلاميذ الحي المذكور لم يكن كحظ أبناء منطقة المعادي المجاور نسبياً له  فلا وجود لأي مبادرة من الأهالي حول الوضع الدراسي والأطفال يلتزمون بيوتهم كما تحدث احد أبناء الحي .

 في الأحياء ذات

 الأغلبية الكردية كمنطقتي الشيخ مقصود والأشرفية شمال المدينة الوضع مختلف فتم فتح دور خاصة تحت إشراف نشطاء تابعين لبعض الأحزاب تدرس فيها اللغة الكردية كتابة وقراءة لمختلف الاعمار حتى الكبار منهم شبيهة بدورات محو الامية ،علماً أن إعطاء مثل هذه الدروس وبهذا الشكل العلني كان محظور من قبل الدولة حتى وقت قريب .

مخيم النيرب للفلسطينيين له وضعه الخاص حيث تم الاتفاق بين حركة فتح وحماس ومختلف التنظيمات وبالاشتراك مع منظمة الاونروا العمل على إنشاء صفوف لجميع المراحل مجاناً وتجهيز كادر تدريسي وتأمين أماكن في دور العبادة ومراكز المنظمة ، وبحسب أحد أبناء المخيم فإن التحضيرات لا تزال قيد الانجاز رغم مرور اكثر من شهرين على بدء العام الدراسي .

حالة الفوضى التي يشهدها القطاع التعليمي في حلب أجبرت العديد من المدارس لتغير من استراتيجياتها بعد تقدم ملحوظ في هذا القطاع بالسنوات الماضية، فالبعض من ادارات المدارس الخاصة التي كانت تتخذ من الريف القريب مقار لها انتقلت ولأسباب أمنية  لداخل المدينة في المناطق التي لا تزال تقع تحت سيطرة الحكومة من خلال استئجار مباني لمدارس قديمة مغلقة أو معاهد خاصة كبيرة أو تشترك مع مدارس خاصة أخرى في نفس البناء لكن بأوقات مختلفة .

بعض المدارس ذات الرسوم المرتفعة حافظت على أعداد طلابها ولو نسبياً وعدلت في ساعات الدوام من حيث تخفيضه وتكثيف المواد التي تقدم ، من خلال إلغاء بعض الحصص الدراسية كالرسم والموسيقى وحصص التربية الدينية وتركيز عملها على المواد الاساسية .

اثنتين من المدارس الدولية التي كانت تعمل في المدينة أغلقت أبوابها حتى إشعار آخر ، ومدارس أخرى كانت تتعاقد مع أساتذة من جنسيات أجنبية لم تستطع التعاقد هذا العام ، أما عدد المدارس الخاصة التي استقبلت ابنائها بالمدينة فهو لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة بحسب موظف من مديرية التربية .

في المقابل وزارة التربية وبمبادرة رأى فيها الكثيرين أنها جيدة عملت على تحميل مناهج التدريس الخاصة بجميع المراحل التعليمية على موقع الوزارة الالكتروني ليتاح لأهالي الطلاب الراغبين بالحصول على هذه البرامج الاستفادة منها و مجاناً .

في خضم كل هذه الفوضى والحلول الإسعافية للواقع التدريسي في المدينة يبقى الطفل والتلميذ هو الخاسر الأكبر فيما يحصل من حوله ، وتقف الوزارة مكتوفة الأيدي حائرة فيما تعمل ، في موقف لا يحسدها عليه أحد ، وبزمناً يصعب فيه تقديم الحلول إلا ما أمكن