دلالات وتداعيات قرار مجلس الأمن بخصوص "الكيماوي" السوري

لو أردنا أن نضع عنواناً آخر لقرار مجلس الأمن الأخير بخصوص "تفكيك وتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية"، ربما لا نجد أفضل من "استراتيجية ترحيل الاختلاف". فالقرار يتضمن العديد من الألغام، ويتيح فرصاً مستقبليةً واعدةً لتفجير الخلافات بين القوى الدولية الممثّلة في مجلس الأمن.

لكن في المقابل، فإن صدوره بالإجماع أمس، يثبت لكل مراقب رغبة الدول الخمس الكبرى بتأجيل الاختلاف في الشأن السوري، إلى مناسبات أخرى، وربما العمل على معالجتها بطرق أخرى، ليس من بينها دون شك، العمل العسكري المباشر.

دلالات القرار

يمكن لنا أن نَعدّ جملة دلالات تُوحي بها ديباجة القرار وطريقة وتوقيت صدوره، من أبرزها:

أولاً: رغبة الأمريكيين في الخروج من مأزق "الكيماوي السوري" بأقل الخسائر الممكنة، سياسياً، ودون أية خسائر عسكرياً، وفي أسرع وقت. فالقرار لم يصدر تحت الفصل السابع، كما كانت تطالب فرنسا مثلاً، بل صدر تحت الفصل السادس الذي يدعو إلى حل النزاعات بطرق المفاوضات والتسويات بالاستناد إلى المنظمات الإقليمية والدولية. كما أن التصويت بالإجماع على القرار تم أسرع مما كان متوقعاً، إذ كان هناك إعلاميون يرجحون تأجيل التصويت عليه حتى الأسبوع القادم، لكن على ما يبدو أراد الأمريكيون اختصار المفاوضات بخصوصه، والتي خلصت إلى مراعاة وجهة النظر الروسية، بعدما أصرت موسكو على رفض إصدار القرار تحت الفصل السابع، فتمت التسوية على أساس الإشارة للفصل السابع، مع التذكير بأن القرار الصادر الآن لا يتضمن أية تدابير عقابية بحق النظام السوري في حال لم ينفذ التزاماته بخصوص "اتفاق الكيماوي"، وأن أية تدابير عقابية تتطلب العودة إلى مجلس الأمن مرة أخرى، واستصدار قرار آخر، الأمر الذي يتيح لروسيا عرقلة ذلك عبر "الفيتو".

ثانياً: يبدو أن الفرنسيين تحديداً، الذين أظهروا تشدداً في المفاوضات الجارية قبل اتخاذ القرار، قد نُحّوا جانباً، دون تلبية أيّ من اشتراطاتهم، من قبيل اللجوء إلى الفصل السابع، أو إحالة المسؤولين عن "مجزرة الكيماوي في الغوطتين" إلى محاكمات دولية، الأمر الذي يُوحي بأن باريس رضخت للاستراتيجية الأمريكية القائمة على مبدأ التعاون مع الروس في الشأن السوري، وربما في المستقبل القريب، فتح قنوات تعاون مع الإيرانيين في هذا الشأن أيضاً.

ثالثاً: يبدو أن الأمريكيين، ومعهم الفرنسيين والبريطانيين، وافقوا بصورة ضمنية على بقاء بشار الأسد في السلطة حتى منتصف العام المقبل، حينما قبلوا تضمين القرار الدولي بنداً يتحدث عن ضرورة امتثال سوريا، في إشارة إلى النظام، لجميع جوانب قرار "مجلس إدارة منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية"، التي كان مجلسها التنفيذي قد قدّم موعد اجتماعه المزمع يوم الأحد، ليتم، في لاهاي، ظهيرة الجمعة، قبيل ساعات من التصويت على قرار مجلس الأمن، وقرر "مجلس إدارة منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية" تحديد جدول زمني لعملية "تفكيك وتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية"، فصّلت "الغارديان" البريطانية بعض نقاطه، وأبرزها: تدمير جميع منشآت النظام السوري المنتجة للسلاح الكيماوي في موعد أقصاه مطلع تشرين الثاني من العام الجاري، على أن يتم التخلص من كامل الترسانة الكيماوية السورية من الغازات السامة وغازات الأعصاب بحلول منتصف العام المقبل، وهو موعد انتهاء ولاية الرئيس بشار الأسد الثانية.

ويثير تقديم "منظمة حظر الكيماوي" لموعد اجتماعها كي يسبق موعد التصويت على قرار مجلس الأمن، الكثير من التساؤلات، حول إن كان هناك اتفاق ضمني مسبق بين الدول الخمس الكبرى، على أن يبقى الأسد في منصبه حتى انتهاء ولايته الرئاسية.

رابعاً: يُوحي تضمين نص القرار لمبدأ المراجعة الشهرية للتنفيذ، بأن الدول الكبرى، خاصة أمريكا وحلفائها الأوروييين، أرادوا ترك المجال مفتوحاً للتصعيد مستقبلاً، حسب التغيرات في الأجندات والأولويات، وحسب التغيرات الميدانية والسياسية. إذ تتيح هذه المراجعة الفرصة لمحاسبة النظام في حال لم يمتثل للالتزامات المفروضة عليه بخصوص الكشف عن ترسانته الكيماوية وتسهيل عملية تفكيكها وتدميرها، ناهيك عن عدم نقلها أو استخدامها. أو ربما استخدام ذلك ذريعة ضد النظام في حال تغيرت الاستراتيجية الأمريكية المرحبة ببقائه حالياً، وتحولت باتجاه الرغبة في تغييره بعد أن يكون قد تم نزع "أنيابه الكيماوية". وتتيح هذه المراجعة إمكانية التصعيد السياسي، وربما التلويح بتصعيد عسكري. وكانت عملية "ثعلب الصحراء" الأمريكية ضد نظام صدام حسين في العراق عام 1998، قد حدثت نتيجةً لحالة مشابهة، حيث اتهم صدام بالتهرب من التزاماته بالكشف عن ترسانته من أسلحة الدمار الشامل، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية حينها بعملية عسكرية ضد العراق، دون الرجوع إلى مجلس الأمن.

خامساً: يؤشر أحد البنود إلى أن حلفاء النظام الدوليين، خاصة روسيا، نجحوا في تمرير لُغمٍ قد يتيح في المستقبل اتهام فصائل من المعارضة باستخدام "الكيماوي" في حادثة جديدة، ومن ثم طلب اتخاذ التدابير اللازمة في هذا الصدد، إذ يؤكد القرار على أنه "على الدول الأعضاء إبلاغ مجلس الأمن فورا بأي انتهاك للقرار 1540 (2004)، بما في ذلك حيازة جهات فاعلة من غير الدول للأسلحة الكيماوية، ووسائل إيصالها والمواد ذات الصلة بها، من أجل اتخاذ التدابير اللازمة في ذلك الصدد".

إلى جانب ديباجة أخرى تضمنها نص القرار تشير إلى ضرورة أن "تمتنع جميع الدول عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم للجهات الفاعلة من غير الدول التي تحاول استحداث أسلحة نووية أو كيماوية أو بيولوجية ووسائل إيصالها، أو احتياز هذه الأسلحة والوسائل أو صنعها أو امتلاكها أو نقلها أو تحويلها أو استعمالها"، داعياً الدول الأعضاء، ولاسيما المجاورة لسوريا إلى "إبلاغ مجلس الأمن على الفور بأي انتهاكات لهذه الفقرة".

وهي ديباجة تلمح بصورة واضحة إلى احتمال أن تقوم بعض فصائل المعارضة، بدعم إقليمي، بحيازة أو استخدام السلاح الكيماوي، مما يترك المجال مفتوحاً أمام حوادث جديدة لاستخدام الكيماوي، يُثار الجدل حول الجهة المسؤولة عنها، خاصة في مرحلة متقدمة من عملية نزع وتدمير السلاح الكيماوي السوري، إذ سيتذرع النظام حينها بأنه يمتثل للالتزامات المفروضة عليه.

سادساً: تُوحي إشارة القرار الدولي إلى مؤتمر "جنيف 2" لحل الأزمة السورية سلمياً، والتي لم تتضمن أية تدابير قسرية أو تلميح فيه إلزام، إلى أن حل الأزمة السورية سياسياً، ليس حتى اللحظة، في مقدمة أولويات الدول الخمس الكبرى، أو على الأقل، لا يوجد إجماع بين هذه الدول على تلك النقطة، يُضاهي إجماعهم على ضرورة نزع الكيماوي السوري.

سابعاً: تضمن القرار الدولي إلزاماً معنوياً للنظام وللمعارضة –الممثلة بالائتلاف- بالذهاب إلى "جنيف2"، وهو إلزام لا يتضمن أية تدابير قسرية، لكنه يُوحي لطرف المعارضة تحديداً، بأن الغرب سيسعى إلى إجبارها على التفاوض، فهي ألمحت سابقاً إلى رفضها مؤتمر "جنيف 2" إلا بشروط، لكنها عادت قبل أيام لتؤكد على لسان رئيس "الائتلاف" أنها ذاهبة إلى جنيف دون شروط مسبقة، بناء على ضغوط غربية، على ما يبدو، في حين أن النظام أعلن استعداده مسبقاً للذهاب إلى جنيف دون شروط.

ثامناً: يُوحي نص القرار بأن واشنطن تحديداً، نحّت جانباً مصالح حلفائها الإقليميين في تركيا والخليج، الذين أكدوا مراراً أنهم مع حل سريع للأزمة السورية، يُنهي النظام، ويخدم المعارضة بصورة مباشرة.

تداعيات القرار

يمكن عدّ جملة تداعيات مرتقبة للقرار الدولي الخاص بـ "تفكيك وتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية للنظام"، أبرزها:

أولاً: ترحيل أية جهود مستعجلة لحل الأزمة السورية حتى منتصف العام المقبل، وترك الأشهر القادمة كهامش زمني متاح للتفاوض بين القوى الدولية، وحلفائها الإقليميين، ووكلائها المحليين السوريين، عبر آلية "جنيف 2" المرتقب انطلاقها في الأسابيع القليلة المقبلة.

ثانياً: تعزيز "شرعية" النظام، والحاجة إلى استمراره حتى منتصف العام المقبل على الأقل، باعتباره شريكاً للمجتمع الدولي في عملية التخلص من السلاح الكيماوي السوري.

ثالثاً: إلزام المعارضة السورية الممثلة في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، بالذهاب إلى "جنيف 2" دون شروط مسبقة، مما قد يؤدي إلى المزيد من تشتت المعارضة، وفقدان "الائتلاف" للمزيد من نفوذه السياسي والمعنوي على الفصائل المسلحة المقاتلة على الأرض، وعلى ما يبدو، بدأت من الآن ملامح انقسام المعارضة المسلحة إلى قسمين رئيسيين: قسم "إسلامي التوجه"، على اختلاف تبايناته الداخلية، يرفض القبول بالذهاب إلى "جنيف 2" دون شروط، ويبدو أنه القسم الأقوى ميدانياً، وبين قسم "أكثر اعتدالاً" يخضع بصورة مباشرة لرئاسة أركان الجيش الحر، الجناح العسكري لـ "الائتلاف"، وهو القسم الأقل فاعلية ميدانياً. ناهيك عن "داعش" التي يبدو أنها قسم ثالث، اشتق طريقه بصورة منفصلة عن باقي الفصائل المقاتلة في الميدان السوري.

رابعاً: في حال لم تقم الولايات المتحدة الأمريكية بخطوات فاعلة لاستيعاب مصالح حلفائها الإقليميين في تركيا والخليج، فإن بعض هؤلاء قد يعمل على تعزيز قوة الفصائل "الإسلامية" في المعارضة، والتي أعلنت مؤخراً عدم اعترافها بـ "الائتلاف" كممثلٍ للمعارضة، مما قد يطيل من عمر الأزمة، ويزيد من تعقيداتها، وقد يؤدي ذلك إلى فقدان "الائتلاف" لأي نفوذ ميداني فاعل له على الأرض السورية.

خامساً: في حال ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً باتجاه تأسيس "جيش وطني"، من خلال تدريب منشقين عسكريين سوريين في الأردن، وهو ما سبق أن ألمح إليه رئيس "ائتلاف المعارضة"، أحمد عاصي الجربا، ووصفته فصائل إسلامية بأنه سيكون استنساخاً لتجربة "الصحوات" في العراق، والتي ساهمت في القضاء على نفوذ تنظيم القاعدة بالتعاون مع الأمريكيين حينها، فإن المشهد الميداني السوري سيزداد تعقيداً، وسيطيل ذلك من أمد الأزمة السورية، خاصة في ظل انضباط فصائل المعارضة المسلحة المتواجدة في درعا، وعدم قيامها بأي تصعيد حدودي مع إسرائيل، إلى جانب قبول نظام الأسد بالتخلي عن ترسانته الكيماوية، مما يجعل إسرائيل مطمئنة على أمنها في المدى القريب، وبالتالي، غير مستعجلة على حل الأزمة السورية، وهو ما ينعكس على القرار في البيت الأبيض.

خاتمة

خلاصة ما سبق، هو أن الحل السياسي للأزمة السورية غير مُستعجل، ويتمتع بهامش زمني متاح له، دولياً، حتى منتصف العام المقبل على الأقل، في مقابل ذلك، سيسعى مختلف الفاعلين المحليين والإقليميين إلى تحقيق المزيد من الإنجازات الميدانية بغية تعزيز مواقعهم التفاوضية، مما يبشّر بتسع أشهر حافلة بالاقتتال وتوريد السلاح واستمرار نزيف الدم، إلا إن حصلت تغيرات دراماتيكية غير متوقعة.