أعظم
مهرجان صناعي تجاري في العالم العربي بنظر الصحافة العالمية
وفيروز تغني
... يا شآم عاد الصيف ...
لطالما كان السوريون سابقي
عصرهم وزمانهم، لطالما كان همهم أن يؤسسوا لدولة عريقة يشهد لها العالم أجمع
...
بما تملكه من إمكانيات ثقافية
واقتصادية وزراعية وسياحية على أرض وطنهم، لم يقعدهم الاستعمار عن ذلك بل زادهم
إيماناً أن العالم يجب أن يرى الوجه السوري الناصع، وأن السوريون كانوا دائماً أهل
حضارة وتقدم لا كما روج لهم الاستعمار أنهم شعوب نامية متخلفة بحاجة لمن ينتدبها
ويسهر على رعايتها .....
ويعتبر معرض دمشق الدولي، أحد
المنجزات الحضارية التي حرص الرعيل الأول من السياسيين والاقتصاديين السوريين على
إنجاحه وتطويره، في حين أخفق من جاء لاحقاً في الحفاظ على هذا الإرث العريق المتمثل
بمعرض دمشق الدولي، فاستغنى عنه واقتلعه من أرضه ليزرعه بغير أرض، فمات كما تموت
الورود التي تقطف من ضفاف الأنهار لتزرع في واحات التصحر والجفاف.
فمن على أرض العباسية (التي
تشغلها اليوم سينما العباسية وفندق سميراميس) بدمشق عام 1927، كانت البداية لأول
معرض في دمشق، كان هذا المعرض هو الأول من نوعه على مستوى العالم العربي حيث قامت
وزارة الزراعة برعاية شخصية من وزيرها نصوح البخاري بتنظيم هذا المعرض في يوم
الاثنين 12/11/1927 وكان المعرض مقتصراً على المنتجات الزراعية من ثمار وفواكه،
شارك بهذا المعرض أكثر من 1500 عارض من مختلف المدن في سوريا ولبنان، ولاقى نجاخاً
لافتاً إذ بلغ عدد زواره أكثر من 11.000 شخص من الرجال والنساء.
نتيجة
لهذا النجاح الكبير تم تنظيم معرض آخر في العام 1928، هذه المرة أقيم هذا المعرض في
المجمع العلمي للغة العربي، وكان مختصاً بالصناعات الشرقية، وتلاه معرض آخر في
العام 1929 كان هذه المرة أكثر اتساعاً ضم مختلف الصناعات السورية، وأقيم على أرض
الجامعة السورية.
إلا أن الانطلاقة الحقيقية
لمعرض دمشق الدولي كمعرض عالمي، كانت في العام 1936 حيث أقيم معرض ربيع دمشق، الذي
بلغت مساحته 7000 متر، توزعت من خلالها أجنحة المعرض في كل من مدرسة التجهيز
والطرقات المحيطة بها، وحديقة البلدية، والمتحف الجديد (المتحف الوطن)، والمرج
الأخضر وميدان السبق، وقد شمل هذا المعرض مختلف المنتجات والصناعات في سوريا،
وشاركت فيه كلٌ من مصر وتركيا وإيران، وقد عرضت بعض المنتجات التي أذهلت الزوار
العرب والأجانب منها الحيوانات التي تم اصطيادها من بعض السوريين في إفريقيا،
والأشغال اليدوية (للمجانين) نزلاء مستشفى الأمراض العقلية (القصير)، لقد أذهل هذا
المعرض المندوب السامي الفرنسي، الذي ما كان يتصور أن ينظم السوريون معرضاً بهذا
المستوى من النجاح والإقبال.
وجاء الاستقلال، وكان الهم الأول الذي حمله رؤساء مابعد الاستقلال، هو كيفية إظهار
سورية كدولة حرة مستقلة ذات اقتصاد قوي وصناعة منافسة للصناعات العالمية وإنتاج
زراعي ذو جودة عالية للتصدير، وكانت نقطة البداية في عهد الرئيس أديب الشيشكلي،
الذي ابتدأ بإعداد الأرض المناسبة والملائمة ليقام عليها معرض دولي هام واسع وجامع
لمختلف المنتجات والصناعات العالمية، فكانت الوجهة من منطقة المرج الأخضر (من جوار
التكية السليمانية والمتحف الوطني) على امتداد نهر بردى وانتهاءاً بأرض الملعب
البلدي ومطعم الشرق (قصر النبلاء فيما بعد) وقد تم بناء قوس الملعب البلدي في منطقة
المرج الأخضر في العام 1953 وبحضور العقيد أديب الشيشكلي، وقد تأخر الافتتاح الذي
كان من المقرر أن يكون في العام 1953 بسبب الأوضاع السائدة وتخلي الشيشكلي عن
السلطة، حتى أيلول من العام 1954 حيث تم افتتاح الدورة الأولى لمعرض دمشق الدولي
برعاية الرئيس هاشم الأتاسي وبحضور عربي ودولي لافتان، ليكون معرض دمشق الدولي هو
المعرض الأول عربياً الذي يلاقي هذا النجاح العالمي المنقطع النظير.
شارك في هذا المعرض أكثر
من 26 دولة عربية وأجنبية تمثل كل واحدة منها عشرات الشركات والمؤسسات، وبلغ عدد
زواره أكثر من مليون زائر، أدهش هذا المعرض بتخطيطه وتنظيمه الصحافة العالمية،
فكتبت الكثير الكثير عن هذا المستوى الكبير من التقدم والرقي الذي وصلت له سوريا
مابعد الاستقلال.
وفي
العام 1955 تم تنظيم الدورة الثانية لهذا المعرض، برعاية الرئيس شكري القوتلي الذي
زاد من مساحة هذا المعرض، كما تم إنشاء (المديرية العامة لمعرض دمشق الدولي) بموجب
المرسوم 40 لعام 1955، وأيضاً تم تأسيس مسرح دمشق الدولي على أرض الملعب البلدي،
هذا المسرح الذي كان له أثراً كبيراً في نفوس زائري معرض دمشق الدولي السوريون منهم
والعرب والأجانب، فخشبة هذا المسرح كانت المكان الأهم بالنسبة للفنانين العرب
للوصول للشهرة من أوسع أبوابها، فعلى هذه الخشبة غنت فيروز أروع أغانيها ومثلت أجمل
أدوارها مع فرقة الأخوين الرحباني، حتى بات هذا المسرح بالنسبة لفيروز دارها التي
يجب أن تزورها كل سنة، وعلى خشبة هذا المسرح أيضاً غنى عبد الحليم حافظ وصباح وشادية
ووديع الصافي ووردة الجزائرية والعديد العديد من الفنانين المتألقين في ذلك الزمان.
كتبت الصحافة عن معرض
دمشق الدولي في دورته الثانية، أنه أعظم مهرجان تجاري وصناعي في العالم العربي،
وأنه القبلة الوحيدة المباشرة للتبادل الاقتصادي بين الشرق والغرب.
استمر معرض دمشق الدولي سنةً
تلو الأخرى نجاحاً تلو النجاح، لم يكن معرض دمشق الدولي لأبناء دمشق على وجهٍ خاص
مجرد معرض للمنتجات والصناعات العالمية، كان جزءاً من الذاكرة التي اختزلت أجمل
اللحظات التي عاشوها وعاهدوها على أرض المعرض وساحة الأمويين وسيف بني أمية يطل
عليهم بأعلام الدول المشاركة، كان تظاهرة دولية بامتياز، أظهرت للعالم أجمع مدى
التطور الفكري والحضاري الذي وصل له السوريون، كان هذا المعرض كالوردة الدمشقية
التي نشأت وترعرعت على ضفاف نهر بردى، قبل أن تقطف من أرضها بقرارات جائرة غير
مدروسة فتزرع في الصحراء ليختفي أثرها وعبيرها، وليزرع بدلاً عنها وردة اسمنتية
شوهت المكان وأغلقت الأبواب على أعظم تظاهرة دولية كانت تحدث في دمشق يوماً .....