كل سوريا تعيش ازمة ، ولكن ايضا الازمة "مقامات" حتى في المناطق الجغرافية التي تقع تحت سيطرة احدى القوى المتصارعة فان المواطنين لا يعيشون ظروفا متشابهة من حيث توفر ضروريات الحياة.

فما أن تتحدث عن تقنين الكهرباء لأي سوري، يأتيك السؤال السريع " أين تعيش" وبأي منطقة أو حي أو حتى محافظة، فتقنين الكهرباء في سوريا يطبق بحسب المكان و طبيعة السكان، بالاضافة إلى فقدان المواد الأولية والمعدات اللازمة لتوليد الكهرباء وعدم توافرها.

ساعات التقنين بالأحياء الغنية أقل بكثير منها بالأحياء الشعبية

يتسائل كريم في تعليق له على صفحة وزارة الكهرباء على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، " لماذا تعيش أحياء المالكي وأبو رمانة والمهاجرين والروضة، حالة من الوفرة في الكهرباء ،فهناك لايوجد شيء ما يسمى تقنين، ونادرا ما تقطع الكهرباء لديهم وان كانت فربما لساعة أو ساعتين فقط في اليوم" ، فيما تصل ساعات التقنين في بعض المناطق لـ 20 ساعة".

وتقول سارة من سكان حي القصور في دمشق، "الحمدلله منزلي بجانب مقر امني لذلك لا يوجد تقنين هنا، بل كهرباء على مدار الساعة"، كذلك الحال مع عمر من سكان حي المزة فيلات، أن "البناء الذي يقطن به فيه أكثر من 3 ضباط للأمن والجيش وفنانين موالين للنظام، كذلك مسؤولين من بلد مجاور"، فلا تقنين هنا، ولا صوت لمولدات الكهرباء…

وعلى بعد أمتار قليلة من هذه الأحياء التي تقطنها الاغنياء واصحاب النفوذ، تأتي أحياء الطبقة الوسطى، وتبدأ الازمة تاخذ "مقاما" اخر, اذ أحيانا تتساوى ساعات الانقطاع مع ساعات وجود الكهرباء.

يقول وائل من سكان حي ركن الدين "12 ساعة من كل يوم أعيشه بلا كهرباء، ليت البناء الذي أعيش فيه يقطنه مسؤول أمني، أو قريب من منطقة عسكرية، لكانت الكهرباء أخر شي افكر فيه".

وفي الاحياء الشعبية يختلف معيار الحساب، فلا تحسب ساعات التقنين بل تحسب ساعات الكهرباء، ومن هذه الأحياء المزة 86 والكشكول والدويلعة وبرزة وغيرها، هذه بعيدة عن مركز الحكم قليلا، والذين يعيشون فيها غالبيتهم من الفقراء، حيث تقطع الكهربا أكثر من 20 ساعة أحيانا في تلك المناطق، يقول علي الذي يعيش بحي الكشكول "لم أعد أذكر آخر مرة استمتعت بالكهرباء، وهي غالبا تأتي بوقت متأخر من الليل، حيث يقل الإستهلاك لها"، وعزت وزارة الكهرباء القطع الكبير(الانقطاع الطويل ) بالأيام القليلة الماضية، بعد العاصفة الثلجية التي تعرضت لها البلاد، أن السبب هو اعتماد المواطنين على وسائل التدفئة الكهربائية كبديل أساسي عن المحروقات, ما أدى إلى زيادة الحمولات ، ناهيك عن تضرر الشبكات نتيجة العوامل الجوية الراهنة.

وتشير تقارير إلى أن الطلب على الطاقة الكهربائية في سورية يزداد سنوياً بنسبة 10%, وأن هذا الأمر يتطلب إنشاء محطات توليد جديدة تصل استطاعتها إلى أكثر من 800 ميغا واط سنوياً، فيما تخرج محطات عن الخدمة بشكل متواصل وتتقلص مصادر الطاقة مع امتداد عمر الازمة .

في حلب التقنين يقسم بحسب مناطق سيطرة النظام

منذ أن سيطرت بعض فصائل المعارضة المسلحة على أحياء عدة في مدينة حلب، باتت هذه الأحياء من المناطق التي لا تأتيها الكهرباء، فيما يفرض على الأحياء التي تخضع لسيطرة النظام ساعات تقنين متفاوتة وطويلة، وتنظم السلطات توزيع الكهرباء، حتى أنها تعلن عنها و عن بداية تحويل الخط من منطقة ما إلى أخرى، عن طريق صفحة مديرية كهرباء حلب على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك.

وشهدت الأيام الأخير انقطاعا بشكل غير مسبوق للكهرباء في حلب، "فيوم بكهربا وثلاث بلا" ، مما دفع بعض الصفحات للتعبير عن هذا التفاوت بين كهرباء حلب فكتبت متوجه برسالة إلى وزير الكهرباء عماد خميس شاكية "الى متى الكهرباء وأعطالها المفتعلة عمدا وحصتها المسروقة قصدا من قبل باقي المحافظات وبتوجيهات من السيد الوزير (خميس) نعم يا سادة هنا حلب تأخذ حصتها من الكهرباء التي تأتيها أربع ساعات خلال 24 ساعة الى باقي المحافظات والى "البيوت البلاستيكية" كي لا يشعرو بقساوة العاصفة الثلجية وكأن حلب من قارة أخرى".

و"البيوت البلاستيكية" ترد هنا في اشارة الى محافظة طرطوس، التي يوجد فيها أكثر من 96 ألف بيت بلاستيكي لزراعة البندورة وغيرها من الخضار، ولهذا فإن الحكومة تعمل على توفير الكهرباء لهذه المحافظة أكثر من سواها ناهيك من وجود نسبة كبيرة من قيادات الجيش من تلك المنطقة. و يعلق علي من حلب على هذا قائلا "شو يعني صار البيوت البلاستيكيه اهم من اطفالنا وبيوتنا هاده الملخص".

وكانت وزارة الكهرباء في سورية، كشفت في دراسة جديدة أجرتها مؤخرا أن حاجة سورية لتوليد ونقل الكهرباء تتراوح بين 114 و 124 مليار يورو حتى عام 2030 واعتمدت وزارة الكهرباء من خلال هذه الدراسة, سيناريوهين, حول تزايد الطلب على الطاقة الكهربائية لغاية العام 2030, وذلك بحسب صحيفة تشرين الرسمية.

ويشمل التقنين معظم المدن التي اللاذقية ايضا هناك تقنين لكنه يعتبر أقل من غيره بباقي المحافظات، وأيضا تختلف ساعاته بإختلاف سكان الأحياء، وتعرضت شبكة الكهرباء هناك لانهيارات عدة جراء العاصفة الثلجية الأخيرة، وأدت "سرعة الرياح في اللاذقية إلى حدوث أعطال على نحو 27 خط من خطوط التوتر 20 ك.ف"، وأفاد مصدر بوزارة الكهرباء،أن سبب الأعطال الحمولات الزائدة لحظة إعادة التيار الكهربائي بعد فترة التقنين وخاصة في مناطق السكن العشوائي تؤدي إلى فصل مراكز التحويل.

الكهرباء تقول ان برنامج التقنين تتوزع بالتساوي بين المناطق

اما رسميا فان وزارة الكهرباء دأبت على القول بان "برنامج التقنين يتوزع بالتساوي بين مناطق كل محافظة"، أما تفاوت ساعات التقنين الذي يحدث أحياناً بين منطقة وأخرى فهو "يعود إلى أسباب فنية وليس لها علاقة ببرنامج التقنين إضافة للمناطق المكتظة سكانياً حيث يكون هناك ارتفاع بالأحمال بسبب الاستهلاك الزائد للكهرباء"، وان "هذه الأعطال تترافق أحياناً مع فترات التقنين ولذلك يعتقد البعض بوجود زيادة في ساعات التقنين في مناطق أخرى، ولكن في حقيقة الأمر هي أعطال وليس زيادة تقنين أو تفاوتاً بالتقنين بين منطقة وأخرى".

وتضيف الجهات الرسمية انقطاع الكهرباء في تبرير زيادة عدد ساعات التقنين ايضا إلى أن قطاع الطاقة الكهربائية في سورية "تعرض لاعتداءات ممنهجة على أيدي التنظيمات الإرهابية المسلحة منذ بداية الازمة الامر الذي أدى إلى انخفاض كمية الطاقة الكهربائية المولدة وبالتالي زيادة ساعات التقنين"، وتشير بشكل متكرر بان "ورشات الصيانة والاصلاح في جميع المناطق تعمل على مدار الساعة لتلافي الاعطال الطارئة واصلاحها بشكل عاجل والتخفيف قدر الامكان من معاناة المواطنين"

كما تشير المصادر الرسمية الى مشكلة اخرى هي موضوع الاستجرار العشوائي للكهرباء في مكان سكن المهجرين الذين دمرت مناطق سكنهم ، واقترح وزير الكهرباء عماد خميس مؤخرا بهذا الصدد تركيب "عدادات جماعية" لهذه المناطق ، وذلك لضمان استمرار وصول التغذية الكهربائية الى جميع المناطق.

وكما في الاوضاع الطبيعية كذلك في الازمات يبقى لدى المواطن "العادي" اشارة استفهام للتميز الذي يتعرض له في اقتسام موارد "الوطن" الواحد ولا نملك الا ان نعيد طرح هذا السؤال مرارا وتكرار على الجهات الرسمية "لماذا"؟

ح . ج

سيريانيوز