تشهد أسعار إيجار العقارات في
المناطق السورية "الآمنة" وخاصة دمشق ارتفاعا جنونيا, وفي ظل الأزمة الراهنة,
إذ أصبح تأمين المسكن يشكل هما ثقيلا وكابوس يؤرق حياة المواطنين وخصوصا ذوي الدخل
المحدود، ويضطر مئات آلاف المواطنين إلى البحث عن شقق للإيجار بعد أن فقدوا منازلهم
جراء دخول مسلحي المعارضة إليها وتعرضها للقصف العشوائي أو كونها في مناطق تشهد
اشتباكات ونزاعات مسلحة بين الأطراف المتعددة.
شكاوي كثيرة وصلت الى سيريانيوز حول ظاهرة ارتفاع
أجار الشقق السكنية. بشكل غير مسبوق، فعلى سبيل المثال اسعار الشقق المفروشة في
المناطق "الراقية" مثل ابو رمانة – القصور – التجارة – المهاجرين – القصاع – الخطيب
– المالكي- المزة- الشعلان – مشروع دمر - تصل ما بين 50 الى 100 الف ليرة سورية,
حسب موقع المنزل ومواصفاته.
كما تتراوح اسعار اجار الشقق في
الاحياء الشعبية مثل دويلعة – جرمانا – صحنايا – مزة 86 – من 20 الى 30 الف ليرة
سورية, ناهيك عن المنازل غير صالحة للسكن وبأسعار مرتفعة لا تتناسب مع دخل الفرد.
وبحسب ما تم رصده من تعليقات
فان المدن المستقرة والآمنة في باقي المحافظات مثل طرطوس والسويداء واللاذقية وبعض
احياء حمص تشهد ازدحام المهجّرين من مناطقهم إليها, فعلى سبيل المثال تبلغ قيمة
اجار الشقق السكنية في احياء حمص والسويداء من 15 ألفا ومافوق, وفي مناطق ريف حمص
مثل مشتى الحلو والكفرون وغيرها تتراوح الاسعار بين 25 ألف و 35 ألف ليرة.
وفي اللاذقية تبدأ قيمة إيجار
منزل سكني من 40 ألفاً وتصل إلى 70 ألفاً.حسب تجهيز المنزل وموقعه, فيما تتراوح
أسعار الإيجار في الضواحي القريبة من المدينة بين 20 ألفا و 30 ألف ليرة.
وفي طرطوس بعد أن كان أعلى سعر
إيجار 10 ليرة قبل الأحداث، أصبحت قيمة إيجار بعض الشقق بين 50 ألفا و75 الف حسب
موقع المنزل ومواصفاته وإن كان مفروشاً أم لا, وتستقر في أغلب الضواحي عند 25 ألف
ليرة, خاصة بعد ان شهدت اقبالا واسعاً قياساً ببقية المدن لأنها تعد من أكثر
المناطق استقراراً .
وبحسب متابعين للشأن العقاري،
فان معدلات تكاليف الإيجار في السنتين الأخيرتين تعادل 4 أضعاف ما كانت عليه خلال
السنوات العشرين الماضية.
منازل غير
صالحة للسكن .. وأجارها مرتفع
ومع الارتفاع المستمر في أسعار
شقق الإيجار أصبح الحصول على شقة ذات مواصفات جيدة تتناسب مع دخل الفرد المحدود
أمرا مستحيلا, ما اضطر اغلبهم إلى اللجوء لاستئجار شقق غير صالحة للسكن.
وهناك العديد من المنازل
المبنية من أسقف الباطون لا تصلح للسكن جراء "الرطوبة العالية وعدم وجود التهوية
الطبيعية المطلوبة، مما يؤدي إلى أمراض الربو وضيق التنفس", ناهيك عن ارتفاع أسعار
أجارها.. بحسب ما رصدنا من أحاديث مع الأهالي.
وتجاوزت أعداد النازحين داخليا
الفارين من أحداث العنف في مناطقهم وفق إحصاءات أممية الستة ملايين شخص، حيث يعاني
هؤلاء من ظروف إنسانية ومعيشية صعبة، في حين توقعت الأمم المتحدة مضاعفة أعدادهم في
حال استمرار العمليات العسكرية، بينما قالت الحكومة في شهر كانون الأول الماضي أن
عدد المهجرين في سوريا بلغ تقريباً 1.198 مليون عائلة، وشددت مرارا إن "جميع
الإمكانيات متوفرة لتلبية احتياجات المهجرين وتأمين أماكن الإقامة اللائقة لهم".
يقول فادي احد الطلاب النازحين
من مدينة حمص "منذ أكثر من سنة اضطررت للبحث عن مسكن رخيص في دمشق لأتابع دراستي
الجامعية في العاصمة، وبعد جهد كبير وجدت غرفة صغيرة غير مفروشة في منطقة جرمانا
سعر أجارها 10 الاف ليرة شهريا وهي غير صالحة للسكن, ولكن الوضع أصبح سيئ جدا خاصة
ان المالك طالب برفع الاجار بحجة غلاء المعيشة ولا اعلم ماذا افعل خصوصا ان اهلي
يتكفلون بدفع الايجار ووضعهم المعيشي في حمص شبه سيئ".
صعوبة تأمين
الأجور .. وجشع الملاك وأصحاب العقارات على حساب المستأجر
ويعاني المواطنون من صعوبات في
تأمين إيجار السكن, إذ يضطر الكثير من العائلات المستأجرة إلى الاستدانة من أقاربهم
أو سحب قروض من المصارف ولاسيما ذوي الدخل المحدود أو عن طريق المشاركة فيما يعرف
بين الجيران والأصدقاء بالجمعيات, كما أن تضاعف أسعار الإيجار دفع بالبعض إلى السكن
عند أقاربهم نظراً لعدم قدرتهم على تسديد قيمة الإيجار.
وخاصة أن ارتفاع أسعار الإيجار
والأسعار بشكل عام جراء انخفاض سعر صرف الليرة السورية بما يقدر بـ 5 أضعاف تقريبا
، لم يقابله ارتفاع في الدخل لأصحاب الدخل المحدود ، بل عل العكس فقد كثير من أصحاب
المهن والأعمال الحرة أعمالهم بسبب الصراع الممتد على كل الأراضي السورية.
ومع الدور الذي لعبته الأزمة
الاقتصادية في التحكم بأسعار إيجار الشقق السكنية، إلا أنه جعلت من المواطن ضحية
خصوصاً أن الأخير هو المتضرر من هذا الارتفاع, وسط مطالبات "بإيجاد نظام عقاري
لحماية المستأجرين من طمع المالك واستغلال صاحب العقار, أو إيجاد صيغة أو آلية
يلتزم بها المؤجر والمستأجر لضمان حقوق الطرفين".
ويعتبر المواطنون أن اللاعب
الأساسي والمستفيد الأكبر من عملية الإيجار "هم أصحاب المكاتب العقارية"، حيث يقبض
المكتب من الطرفين (المالك والمستأجر) مبلغاً يعادل نصف أجرة شهر كامل لقاء إبرام
العقد، كما أن معظم الارتفاعات في بعض المناطق "تأتي وفقا لأهواء المالك"، دون
مراعاة لظروف المواطن المعيشية, فكثيرا ما يحدث أن يطلب مالك المنزل من المستأجر
زيادة الأجرة أو الإخلاء فورا, "مستغلين غياب تام لدور الحكومة".
وفاء إحدى النازحات من ريف دمشق
ربة منزل تشكو معاناتها لسيريانيوز قائلة "منذ حوالي سنتين اضطررنا انا وزوجي
وأطفالي إلى مغادرة المنزل بعد توتر الأوضاع في منطقتنا .. واتجهنا إلى أحياء دمشق
لاستئجار شقة بمواصفات جيدة ولكن اصطدمنا بالأسعار التي تفوق الخيال, وبعد جهد كبير
وجدنا منزل قبو ليس بالمواصفات الجيدة في منطقة التجارة ونحن ندفع لممالك مبلغ قدره
150 ألف ليرة كل 3 شهور, وسط معاناة كبيرة في تامين هذا المبلغ, حيث أن زوجي وأخي
وأختي يتكفلان بالإيجار, عدا عن ذلك هناك تسديد فواتير المياه والكهرباء, وزاد
الأمر سوءا أن صاحب المنزل طلب منا تزويده بالإيجار وإلا سنضطر إلى مغادرة الشقة ..
وأحاول البحث عن إيجار لشقة بسعر أقل في أحياء دمشق ولكن دون جدوى".
بالمقابل, برر احد المؤجرين
لسيريانيوز رفع أسعار إيجار الشقق السكينة قائلا إن "رفع الإيجار أمر مبرر وطبيعي
في ظل الغلاء الفاحش لجميع السلع والمواد", مضيفا أن "تضاعف الأسعار والظروف
الاقتصادية السيئة يدفع إلى المطالبة بزيادة الأجرة كل فترة وأنا لست الوحيد الذي
يضاعف الإيجار".
وأشار إلى أن "أصحاب المكاتب أن
دورهم يقتصر على الوساطة.. ويوجد أصحاب عقارات مصدر رزقهم هو تأجير عقاراتهم مع
وجود بعض من استغل الأزمة".
من جهته, قال أحد أصحاب المكاتب
العقارية لسيريانيوز "نحن لا نستطيع فرض الأسعار, علماً أن ارتفاع أسعار الإيجار
أمر طبيعي, في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء وارتفاع أسعار الأراضي وأجور العمالة,
وغلاء المحروقات"..
ارتفاع أسعار الإيجار مرده لقلة
العرض مع استغلال وتحكم المؤجر
ويقول الخبير الاقتصادي في
سيريانيوز عن هذا الموضوع أن "هناك بعض العوامل التي أدت ارتفاع أسعار إيجار الشقق
السكنية في سوريا، كالهجرة الداخلية نحو المناطق الآمنة وخاصة دمشق، وكذلك ارتفاع
تكاليف مواد البناء الحديد والأسمنت".
وعن الحلول لهذه الظاهرة, اشار
الخبير لـ "ضرورة وجود رادع ديني وأخلاقي للمالك وأصحاب العقار لان حل أزمة ارتفاع
إيجار الشقق بيدهم, فضلا عن أهمية وجود رقابة من الحكومة ومعاقبة من يقوم بالتحكم
بالأسعار".
وأضاف قائلا "بحال تم اعتبار
الإيجار أو المسكن المعد للإيجار سلعة مثل باقي السلع، فإن ازدياد الطلب عليها، مع
انخفاض المعروض، أدى إلى ارتفاع سعرها، وحاليا هناك طلب كبير على المساكن المعدة
للإيجار، لاسيما مع انخفاض المناطق الآمنة، وتوسع العمليات العسكرية".
ويضيف "كما لا ننسى طبعا
الاستغلال الواضح من قبل مالكي المساكن، والعمل على رفع قيمة الإيجارات، دون مراعاة
أية اعتبارات، بذريعة ارتفاع تكاليف المعيشة، ووجود من يقبل بمثل هذه الأسعار، علما
أن القيمة الفعلية لا تكاد تصل إلى نصف المفروض حاليا، مع انعدام الدور الحكومي في
تنظيم قيمة الإيجارات".
وأردف الخبير أن "هناك العديد
من الحالات التي اضطرت إلى الرضوخ لرغبة المؤجر برفع قيمة الإيجار، خوفا من الطرد،
عند انتهاء فترة العقد، مع قيام المؤجرين، بكتابة عقود لا تتجاوز مدة السنة، كي
يتمكنوا من فرض رفع آخر لقيمة الإيجار، مع التهديد بالطرد".
هل يوجد قانون في سوريا يحدد مستوى الإيجار؟
يقول خبير قانوني لم يرغب في
الكشف عن اسمه ان أهم التجارات بالأزمة هي تجارة العقارات , حيث أصبحت تجارة مربحة
جدا , و خصوصا بعد لجوء الكثير من المهجرين الى المناطق الامنة .
وأضاف الخبير انه لا يوجد قانون
في سورية يحدد مستوى الإيجار, حيث ان تأجير العقارات المعدة للسكن بعد عام 2001
تخضع لإرادة المتعاقدين.
ونصت المادة الأولى من القانون
رقم /6/ لعام 2001 على ان تأجير العقارات المعدة للسكن أو الاصطياف أو السياحة أو
الاستجمام أو المأجورة من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أو من الدوائر الرسمية أو
المنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات أو الوحدات الإدارية
أو البلديات أو مؤسسات القطاع العام أو المشترك أو المؤسسات التعليمية و المدارس
تخضع لإرادة المتعاقدين.
كما نصت المادة السادسة من هذا
القانون على ان ادعاء المستأجر بالغبن او غلاء الإيجار لا يعفيه من دفع المبلغ
الواجب دفعه للمؤجر , كما يسمح القانون للمستأجر الذي يدعي الغبن بالأجرة التظلم
مرة واحدة كل 3 سنوات يسمح له بالادعاء بالفترة التي تبدأ من تاريخ العقد او من
تاريخ الاتفاق الخطي على تعديل الأجرة.
وأضاف الخبير انه "منذ 5 شهور
وتحديداً في يوم 10 من شهر آب عام 2014 أعدت وزارة العدل مشروع قانون الإيجار, لكنه
لا يتضمن أي تحديد جدي وفعلي للأسعار".
وأنهت وزارة العدل في عام 2014
صياغة مسودة مشروع قانون الإيجار الذي تعتزم رفعه إلى الحكومة لمناقشته ليصار
بالنهاية تقديمه إلى مجلس الشعب، بحسب مصدر مطلع في الوزارة، حيث أكد أن المشروع
سيسهل عملية الإيجار للطرفين المتعاقدين على حد سواء.
ورغم كل التخبطات التي تشهدها
سوق العقارات لم تستطع الجهات المعنية أن تسيطر على هذا السوق فلا ناظم ولا ضابط
لعملية الاستئجار... مع غياب أي ضابط إنساني أو أخلاقي يمنع من زيادة معاناة
المواطنين المتضررين من الأزمة.
ه – ن
سيريانيوز