|
أوباما ومغازلة إيران! .. صحيفة الاتحاد الاماراتية |
صحافة وإعلام |
دانيل بليتكا*
لعل جريمة حرق الطيار الأردني حياً ليست سوى واحد من مؤشرات كثيرة على انهيار الشرق
الأوسط وتحوله إلى فوضى عارمة، واندلاع حروب أهلية فيه، وانتشار الإرهاب، وهو ما قد
يجعل البعض في الدول غير المستقرة يحن إلى الأمن النسبي الذي كان سائداً على الأقل
فيما مضى من سنوات، عندما كانت النظم السابقة تحافظ على المنطقة هادئة، ويسعى إلى
البحث عن مرشح آخر للاضطلاع بهذا الدور.
وبالطبع، فإن ما يشاع عن الشرق الأوسط القديم
المستقر هو أسطورة أكثر منه حقيقة، لأن نصف القرن الذي سبق ما سمي «الربيع العربي»
شهد سقوط عدد من النظم، وظهور إرهاب بعض الحركات الإسلاموية، واندلاع ثلاث حروب
عربية- إسرائيلية، وحروب أهلية في اليمن ولبنان. غير أن إغراء البحث عن «الرجل
القوي» ما زال موجوداً لدى البعض في واشنطن، ولعل أحدث مثال على ذلك هو ما قد يبدو
جهوداً من إدارة أوباما لخلق نظام إقليمي متمحور حول القوة الإيرانية!
والواقع أن قلة هم من يطعنون في الفكرة القائلة إن
لدى إيران مخططات بخصوص الشرق الأوسط. فحتى قبل الثورة الإيرانية، لطالما هدف زعماء
فارس، عبثاً، إلى إعادة بناء الإمبراطورية القديمة، وخلال الـ36 عاماً الماضية قام
نظام رجال الدين ببناء جيش من الوكلاء الذي أعاق حكومات وبسط هيمنته السياسية
والعسكرية في دول عبر المنطقة.
فمنذ أن خلقت «حزب الله» في 1982، سعت إيران إلى
فرض سياستها في لبنان. واليوم، بات الديكتاتور السوري بشار الأسد تابعاً تماماً
لطهران، فيما تبدو «حماس» في طريقها إلى المصير نفسه. ومع انسحاب الولايات المتحدة
من العراق وانهيار «الربيع العربي»، انتشرت الإملاءات الإيرانية أكثر وأكثر في دول
غير مستقرة يوجد فيها وكلاء لها. وفي العراق، أضحى قادة الحرس الثوري والمليشيات
المدربة من قبل إيران بمثابة رأس حربة في القتال ضد «داعش». أما في اليمن، فقد قام
المتمردون الحوثيون المدعومون من قبل إيران بإسقاط حكومة يمنية تُعتبر أساسية
بالنسبة للقتال ضد تنظيم «القاعدة» هناك.
وعندما بدأت المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، شدد أوباما وزعماء إيران على
أن تقتصر على النزاع النووي، غير أنه سرعان ما اتضح أن لدى الرئيس الأميركي آمالًا
أكبر وأصبح ينظر إلى المفاوضات باعتبارها زاوية يمكن النظر منها إلى مشاكل المنطقة،
بل وحلها. ولعل أوضح مؤشر على موقف واشنطن الجديد هو التنسيق المتزايد، وإنْ كان
ضمنياً، بين واشنطن وطهران في العراق!
وعلاوة على ذلك، قامت الإدارة الأميركية خلال الأيام الأخيرة بالتواصل مع الحوثيين
المدعومين من طرف إيران في اليمن، سعياً وراء التعاون ضد «تنظيم القاعدة في جزيرة
العرب». وإذا كان هذا الأمر يبدو منطقياً من الناحية الجيواستراتيجية، فإن الضرر
الجانبي الناجم عن التعاون مع إيران في اليمن سيكون كبيراً جداً.
ثم هناك الرضوخ التدريجي لشروط إيران في المحادثات حول برنامجها النووي. فإذا كان
تهديد الرئيس الأميركي في خطابه حول «حالة الاتحاد» باستعمال «الفيتو» ضد فرض
عقوبات جديدة على إيران غير كافٍ، فإن التقارير التي تفيد بأن واشنطن لم تعد ترى
الآن مانعاً في أن تحافظ إيران على معظم ترسانتها الحالية من أجهزة الطرد المركزي
الـ10 آلاف المستعملة لتخصيب اليورانيوم، تمثل مؤشراً واضحاً على أن التغيير جار
على قدم وساق.
وخلاصة القول إن ما تغفل عنه إدارة أوباما، مثلما غفلت عنه من قبلها إدارة بوش، هو
أن المعركة على مستقبل الشرق الأوسط هي حرب أفكار. فالانحياز إلى طرف معين في الحرب
الطائفية السُنية- الشيعية لن يعيد الاستقرار المتوهَّم القديم. وفي المقابل، فإن
الطريق إلى الاستقرار طويل المدى إنما يعني العمل مع مجموعات تنبذ العنف، واحترام
الاختلافات الدينية من دون التضحية بالأقليات، والتقدم نحو اقتصادات السوق التي
تقوي الأفراد وتمكّنهم. فليس ثمة طريق سري نحو السلام، ليس عبر طهران، وليس عبر
غيرها!
* نائبة رئيس الدراسات في معهد المشروع الأميركي بواشنطن
خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
|
|
2015-02-10 16:36:41 |
شاركنا على مواقع التواصل الاجتماعي:
|
|
|
|
شارك بالتعليق
|
|
|