بداية العام 2011 كانت كل 46 ليرة سورية تساوي دولاراً أمريكياً
واحداً, ثم توالت الإنخفاضات لليرة لتصل قيمتها إلى 54 ليرة للدولار الواحد في عام
2011 وإلى أكثر من 85 ليرة للدولار في عام 2012 وأكثر من 275 ليرة للدولار عام 2013
يوم هددت الولايات المتحدة بقصف جوي يستهدف مواقع للنظام السوري على خلفية "مجزرة
الكيماوي" في غوطة دمشق الشرقية, وظلّ المؤشر في قيمة الليرة السورية بين صعود
وهبوط, حيث وصلت قيمتها إلى 218 ليرة أواخر عام 2014.
بالطبع فان هذا التراجع جاء نتيجة الأحداث الدموية والصراع
المسلح الذي أفنى البشر والحجر في سوريا وكان كفيلاً بتحويل الاقتصاد السوري
متمثّلاً بعملة الدولة "الليرة السورية" إلى اقتصاد مترنح وضعيف وسط كل هذه الأحداث
والتجاذبات والتصريحات على الساحات المحلية والإقليمية والدولية. حيث تجاوزت في
شباط الحالي عتبة الـ 250 ليرة للدولار الواحد.
الليرة والدولار ومعيشة المواطن..
الوضع المعيشي للمواطنين مرآة تعكس وضع ليرتهم المتدهور خاصة أن
الحياة اليومية ارتبطت كلياً بسعر صرف الليرة أمام الدولار بما فيها أسعار المواد
المستوردة أو المنتجة محلياً وآجارات المنازل والمواصلات، المستثنى الوحيد من كل
هذا الارتباط بالدولار هو رواتب الموظفين التي لا تكفي اليوم لتلبية الاحتياجات
الأساسية للأسرة السورية لعدة أيام وذلك بحسب ما قاله عدنان دخاخني رئيس جمعية
حماية المستهلك في دمشق وريفها بأن "راتب الموظف الذي يصل إلى 20 ألف ليرة يجب أن
يكون 90 ألف ليرة اليوم بالحد الأدنى حتى يكون قادراً على تأمين معيشته اليومية،
"سمير" مدير قسم في مؤسسة حكومية ووالد لثلاثة أطفال يقول:
"راتبي الشهري لا يكفي لشراء المواد الغذائية لعائلتي المكونة من خمسة أفراد.
الأسعار مرتبطة بالدولار والراتب لا يكفي لعشرة أيام، حتى جرزة البقدونس ارتبطت
اليوم بالدولار"
التعويض المعيشي لمواجهة رفع الدعم "لايكفي ثمن 20ليتر مازوت"..
مرسوم تشريعي قضى بمنح "تعويض معيشي" قدره 4000 ليرة شهريا على
الرواتب أتى بعد قرارات الحكومة برفع سعر لتر المازوت إلى 125 ليرة، وأسطوانة الغاز
المنزلي إلى 1500 ليرة، وربطة الخبز إلى 35 ليرة. تعويض
يقول عنه البعض بأنه لا يُكفي لمساعدة السوريين في تأمين لقمة عيشهم بعد قرارات
الحكومة.
تقول "فاتن" موظفة في إحدى شركات القطاع العام بأنّ "رفع سعر
المازوت رفع معه أسعار باقي المواد في الأسواق، ومبلغ التعويض لا يكفي لشراء 20 لتر
مازوت في السوق السوداء, فكيف الحال لباقي المواد ؟".
مسكِّنات لانخفاض قيمة الليرة المستمر..
الإجراءات الحكومية تكون بشكل رئيسي عبر تدخل المصرف المركزي في
الأسواق كإعلانه مؤخراً نيته التدخل في الأسواق اللبنانية لسحب الليرة السورية
منها، على الساحة الداخلية المصرف بصفته المضارب الأقوى يتدخل في السوق بضخ كميات
من القطع الأجنبي في السوق للتأثير في سعر الليرة أمام الدولار وتوفير العرض أمام
الطلب الكبير الذي أبدته احتياجات السوق من القطع الأجنبي متمثّلة بالدولار.
وهذه المبالغ التي تحتاجها الأسواق
لتمويل المستوردات وحاجة الناس إليها في سفرهم تضخ عبر شركات الصيرفة المرخصة لدى
المصرف من خلال ما يسميه المصرف عمليات بيع بالمزاد العلني لشرائح القطع الأجنبي
وكان آخرها رصد المركزي لمبلغ 65 مليون دولار ليتم ضخها في الأسواق خلال شهر شباط
الحالي. الإجراءات الأخرى تكون بإصدار المركزي لقوائم مستمرة للمخالفين الذين
أقدموا على شراء القطع الاجنبي أو حيازته.
السلطات تقوم "بكبسات" على المتعاملين "الصغار" بالسوق
السوداء..
في الأسواق يقول التجار أنّ الجهات الأمنية تقوم بحملات "كبسات"
على الأسواق فتوقف المارة وتفتشهم وتصادر ما في جيوبهم من الدولار وتعتقلهم في
أحيانٍ كثيرة.
يقول "أبو علي" صراف في أحد أسواق دمشق القديمة أن "الأمن
بتوجيه من المركزي يقوم بـ "كبسات" على الصرافين الصغار لمصادرة الدولار ولكن من
باب آخر فهم يغضون الأبصار عن التجار الكبار المدعومين من جهات معروفة للجميع"
تدخّل المركزي إلى جيوبٍ مثقوبة..
كل هذه التدخلات لم تنفع إلى الآن ولم تلبي الطموحات بضبط سعر
الصرف وهذا ما عزاه اقتصاديون إلى خطأ المركزي في الإعلان عن كمية الأموال التي
ستضخ فيأخذ تجار السوق السوداء والمضاربين احتياطاتهم ويستعدون لابتلاع الكمية التي
سيتدخل بها المصرف ويمتصونها من الأسواق ليعاود الدولار ارتفاعه أو بالأحرى لتعاود
الليرة انخفاضها بعد أيام قليلة وكأن المركزي يضخ الأموال في ثقبٍ أسود.
لا دخان بلا نار..
من ناحية أخرى فإن شائعات ظهرت تقول بأنّ شركات الصرافة المكلفة
بعملية بيع القطع الأجنبي لطوابير الناس الذين يقفون أمام مكاتبها لا تبيع منه سوى
جزء بسيط للمواطنين بأسعار المركزي أما بقية القطع فتباع في السوق السوداء تحت
حماية مسؤولين كبار في الحكومة والأجهزة الأمنية.
"يامن" شاب يقف في طابور أمام إحدى مكاتب الصرافة يقول: " أتيت
في الساعة السابعة لأحجز دورا متقدماً في طابور يقف فيه 100 شخص حتى أحصل على مبلغ
400 دولار للسفر إلى لبنان إلا أنهم خفّضوا المبلغ إلى 200 دولار للشخص الواحد ومع
ذلك لم يعطوني ما أحتاج لو أن لي قريب في المخابرات أو اللجان الشعبية لأخذت ما
أريد. !!
آراء خبراء..
جملة من الأسباب أدت إلى انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام
الدولار, بحسب المحرر الإقتصادي في موقع سيريانيوز, منها, زيادة الطلب على الدولار
نتيجة الاعتماد على الاستيراد لتغطية احتياجات السوق المحلية من السلع الاساسية
بسبب تاثر عجلة الانتاج بشكل كبير, وخاصة السماح للتجار باستيراد المشتقات النفطية,
بالإضافة إلى السياسية النقدية لمصرف سورية المركزي وتراجع احتياطاته من العملة
الاجنبية بشكل كبير في السنوات الاخيرة جراء تراجع إنتاج سورية من النفط بنحو 97 %
وتراجع السياحة وتراجع الإنتاج الصناعي بشكل كبير.
كما أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد بسبب الأزمة
والتطورات الميدانية التي شهدناها في الأيام الأخيرة وفضلا عن العقوبات المفروضة
على دول داعمة للسلطات السورية كروسيا وإيران وتراجع عائدات هذه الدول النفطية أدى
بشكل أو بآخر إلى تراجع سعر الصرف.
ولفت المحرر الاقتصادي إلى أن المركزي عمد خلال الايام الاخيرة
على رفع سعر صرف الدولار أمام الليرة رسمياً مواصلاً سياسته بـ (تعويم الليرة) حيث
وصل السعر الرسمي إلى 202 ليرة وهذا بدوره أدى إلى زيادة الطلب على الدولار, لافتاً
إلى أن سياسة المركزي في التدخل بسوق القطع أثبتت أنها غير ناجعة, وكل مرة يتم
الاعلان فيها الاعلان عن التدخل أصبح لها تاثير سلبي على الليرة.
ومن اهم العوامل ايضا في ارتفاع سعر الدولار يبقى تجار السوق
السوداء والمضاربين, بحسب المحرر الإقتصادي.
ليس في قديم الزمان... إنما في حديثه !
قبل بدء الازمة كانت الليرة السورية مدعومة بالاقتصاد المعتمد على الزراعة والتي
كانت تغطي نسبة الأراضي الزراعية 30 % من مساحة البلاد وتسهم بـ 17% من إجمالي
الناتج القومي والصادرات بمختلف أنواعها والتي بلغت 8.8 مليار دولار عام 2010
والسياحة التي تجاوز عدد سياحها 6 ملايين سائح أدخلوا أكثر من 2.5 مليار دولار
والترانزيت للبضائع المتوجهة نحو دول الجوار ولاسيما العراق والنفط الذي صدّرت منه
سوريا 380 ألف برميل يومياً أوائل عام 2011 وكانت عائداته تصل إلى 4 مليارات دولار
سنوياً كل هذه الموارد وفرت احتياطياً قدّر بـ 18 مليار دولار لدى المصرف المركزي.
فهل في الأفق حل ينقذ
السوريين من ليرتهم التي أصبحت حبل مشنقة جديد يلف على رقابهم وينشلهم من العوز قبل
فوات الأوان؟ أم ستصل الأمور بهم إلى شراء 20ليتر مازوت براتبهم الكامل؟؟؟.. سؤال
ربما لن يجيب عليه أحد سوا المسؤولين الذين قرؤوا السطور السابقة بجانب "الشوفاج"
أو "الشومنيه" (مدفأة الحطب من القرميد وزجاج) في منازلهم ومع عائلاتهم!!!
م.ع
سيريانيوز