محمد علي فرحات
تشكو واشنطن من عدم إقبال
الشبّان السوريين على التطوُّع في جيش يجري تدريبه في الأردن، قوامه المبدئي خمسة
آلاف، بعدما اكتملت موازنة إعداده وتسليحه ليكون نواة عسكرية معتدلة تحاول كسر
الاستقطاب الحاد بين جيش بشار الأسد والمعارضين المسلحين ذوي الأيديولوجيات
الإسلامية المتطرفة، حتى إذا استثنينا «داعش».
ويلاحظ الأميركي فريد زكريا أن
الشباب العراقي يمتنع هو الآخر عن التطوع في جيش دولته، فيما يقبل بحماسة على
الاندراج في الجماعات المسلّحة الكردية ذات الروح القومية، وتلك العربية (السنّية
والشيعية) ذات الروح المذهبية.
ما سبق يعني تراجع اعتقاد
كثيرين من السوريين والعراقيين بجدوى الجيش الوطني، وبالتالي الدولة الوطنية التي
يُعتبر الجيش أداتها لحفظ أمن الحدود أساساً، والعمل خلف الشرطة لتطبيق القانون،
والمحافظة على المجتمع المدني بدعم حقوق المواطنين ودفعهم إلى أداء الواجب.
الجيش السوري، ولنقل جيش
النظام، يشكو من نُدرة الإقبال على الخدمة العسكرية الإجبارية، التي لا تزال مدرجة
في القانون، وهو يبدو منهكاً بعد حروب استغرقت أربع سنوات وتبدو مفتوحة على مدى
زمني غير محدد، خصوصاً أنه يحارب في حوالى 450 نقطة اشتباك كما يقول مراقبون
عسكريون، كما أن ضباط هذا الجيش ورتباءه وجنوده يعانون من قلق اجتماعي، على الأقل،
فمعظم عائلاتهم في خطر أو أنها مشرّدة في أماكن تشرُّد السوريين في الداخل والخارج.
وما يُبقي على هذا الجيش كنواة
صلبة، على رغم تراجعاته الكثيرة، على امتداد الخريطة السورية، هو محافظته على
القيادة والسيطرة، إذ قلما تجد فِرَقاً أو كتائب أو مجموعات من هذا الجيش معزولة عن
أوامر القيادة، حتى أثناء تلقّي الضربات المفاجئة والأكثر صعوبة. هذه الحقيقة لفتت
وتلفت أنظار المعنيين في الشأن السوري إقليمياً ودولياً، وهي واردة في التداول داخل
الغرف المغلقة حول مستقبل سورية، إذ يلحظ الجميع دوراً ما، محدوداً أو واسعاً، لهذا
الجيش ما بعد الأسد، إذا استطاع السوريون التضامن لحفظ وحدة دولتهم أو تعرّضوا
لضغوط الكبار من أجل حفظها، ذلك أن المعارضة السورية و»الجيش الحر» المعبّر عنها،
سلّما شأنهما العسكري، أو اضطرا إلى تسليمه عمليّاً، لمجموعات مسلّحة متطرفة، بعضها
قليلُ العدد وبعضها كثيرُه مثل «جبهة النصرة». وأدى هوس المعارضة بالتطرف وسوء تصرف
قياداتها المدنية، إلى احتلال «داعش» معظم الأراضي السورية الخارجة على النظام، ما
دفع غالبية السكّان إلى نزوح مأسوي.
أما الجيش العراقي فيمكن إلحاقه
رابعاً في مستحيلات العرب الثلاثة «الغول والعنقاء والخلّ الوفي». لقد كان جيشاً
بعثياً صدامياً ذا سمعة حسنة يضجّ بها الإعلام العربي والفرنسي، فإذا به ينهار
بسرعة قياسية أمام الجيش الأميركي بعدما كان تخلى قبل فترة عن انتصاراته على إيران.
ولم ترحم واشنطن بقايا هذا الجيش حين احتلت العراق فأمرت بحلّه، ومنذ ذلك يعجز
العراقيون ومعهم الأميركيون عن إنشاء جيش حقيقي، ومن العلامات البارزة لفشل هذا
الجيش انسحابه من الموصل ونينوى وترك الآليات والأسلحة هدايا إلى «داعش»، وفي مرحلة
لاحقة انسحاب مماثل من الأنبار، ولكن، مع الاحتفاظ بالأسلحة هذه المرة (لعل الإبقاء
على الأسلحة هو الفارق الوحيد بين القائد الأعلى السابق للجيش نوري المالكي وقائده
الأعلى الحالي حيدر العبادي).
في مرآة الجيش يبدو الوضع
العراقي أسوأ بكثير من وضع سورية، على رغم اهتمام الأميركيين والإيرانيين، كلٌّ من
موقعه، بوجود دولة عراقية مستقرة، وهي لن تتحقق بالطبع في ظل قيادة مؤدلجة شيعياً
ومعارضة مؤدلجة سنّياً وشعب حائر يغمره اليأس.