حسان حيدر
عندما تضعف الدول وحكوماتها
المركزية نتيجة هزائم عسكرية أو نزاعات أهلية ناجمة عن انقسام سياسي أو طائفي أو
عرقي، تصبح التدخلات الخارجية ممكنة ومستسهلة. وهو ما حدث مراراً في العالم العربي
في التاريخ القريب، ولا سيما في لبنان والعراق والسودان والصومال واليم
ن.
وكان الاحتراب الأهلي اللبناني
الذي أذكته عوامل خارجية متعددة، أضعف كيانه إلى حد أغرى دولاً مجاورة (إسرائيل
وسورية) وأخرى بعيدة (إيران وأوروبا وأميركا)، بالتدخل العسكري المباشر على أرضه،
تحت شعار «الدفاع عن النفس» أو «إعادة الاستقرار»، تحول بعضها مع الوقت قوة احتلال
وسيطرة. أما العراق، فأفضت الحرب التي خاضها مع إيران وغزوه الكويت، إلى تدخل
أميركي وأطلسي صار مع الوقت احتلالاً ولم ينته تماماً بعد. وقسّم السودان إلى
دولتين بعد حرب عرقية دامت عقوداً وشهدت تدخلات خارجية متعددة، وما زال مهدداً
بإخراج مناطق أخرى من قبضة الخرطوم.
واليوم جاء دور سورية، فبعدما
ضعف نظامها إلى درجة لم يعد معها يسيطر سوى على ربع مساحتها، وتنوعت المعارضات
فكراً وولاء وتعددت سبل دعمها وارتباطاتها، بات التدخل العسكري الخارجي أمراً
مرجحاً، بل «مبرراً» في رأي دول الجوار السوري، التي ترى أن السلطة في دمشق لم تعد
قادرة على حماية الحدود المشتركة، ولا بد لها من القيام بذلك بنفسها.
ويكثر الكلام حالياً عن تدخلين
محتملين، تركي وأردني، في مناطق الشمال ذات الغالبية الكردية، وفي الجنوب حيث تحقق
جهات متطرفة تقدماً على حساب النظام والمعارضة المعتدلة على السواء، بعضه بموجب
اتفاقات مشبوهة.
وكانت إيران أول من تدخل
عسكرياً في سورية، فأرسلت في البداية خبراء من «الحرس الثوري» الذي كان يقيم أصلاً
معسكرات تدريب في مناطق سورية ولبنانية، وتوسع الأمر لاحقاً ليشمل وحدات من
«الحرس»، ثم أوعزت طهران إلى «حزب الله» اللبناني بإرسال قواته للمشاركة في الدفاع
عن نظام بشار الأسد، قبل أن تدفع بميليشيات شيعية عراقية إلى الداخل السوري للغرض
نفسه.
وإضافة إلى استضافتها أكثر من
مليون لاجئ سوري، قدمت تركيا مساعدات عسكرية إلى جهات في المعارضة، إضافة إلى بعض
عراضات مسلحة، مثل نقل رفات سليمان شاه، جد مؤسس السلطنة العثمانية. لكن التطور
الذي أشعل الحديث عن تدخل مباشر ودفع أنقرة إلى إرسال كتائب مقاتلة إلى حدودها
الجنوبية، كان التوسع المفاجئ الذي حققته وحدات كردية مشكوك في علاقتها بنظام دمشق
بعد انسحاب «داعش» من أمامها، ما مكَّنها من ربط مناطق كردية سورية ببعضها، وهو ما
رأى فيه الأتراك «تهديداً للأمن القومي»، لما ينطوي عليه من احتمال إقامة «دولة
كردية» في الشمال السوري قد تغري أكراد جنوب شرقي تركيا.
وفي حين اكتفت إسرائيل حتى الآن
بشن غارات متفرقة على مواقع سورية وأخرى «لبنانية» في سورية، هدفها على حد قولها
منع انتقال بعض الترسانة الصاروخية السورية إلى أيدي «حزب الله»، فإن «النعي» الذي
أصدره المستشار الدفاعي الإسرائيلي عاموس جلعاد وأعلن فيه أن «سورية انتهت، سورية
تموت، وسيعلن موعد الجنازة في الوقت المناسب»، يمهد ربما لتوسيع الاحتلال
الإسرائيلي في هضبة الجولان السورية الى مناطق جديدة بحجة «حماية أمن المستوطنات»،
والحصول على حصة من «الكعكة السورية».
وسواء حصلت تدخلات تركيا أو
الأردن أو إسرائيل قريباً، أو تأجلت لبعض الوقت، فإن الموانع أمامها ليست سورية
داخلية بالتأكيد، والأمر الوحيد الذي يمكنه الحيلولة دونها، هو توقف الحرب وتغيير
نظام الأسد، سواء بقوة المعارضة أو عبر اتفاق دولي، وهذان احتمالان مستبعدان،
حالياً على الأقل.