إبراهيم حميدي
رغم بلوغ الصراع في سورية مرحلة
«الجمود المكلف» وعدم قدرة النظام أو المعارضة أو «داعش» على الانتصار الساحق، فإن
الظروف «ليست ناضجة» لإنجاز حل سياسي وتطبيق بيان جنيف الاول الذي يتضمن تشكيل
حكومة انتقالية، ما يترك البلاد أمام خمسة بلاد بينها تشكيل «مناطق نفوذ» في سورية
للاعبين الاقليميين أو مزيد من «الفوضى» وتمترس «أمراء الحرب» في مناطقهم وإماراتهم
بما ذلك «تقشف» قوات النظام للتركيز على قدراتها الدفاعية لحماية الساحل غرب البلاد.
كانت هذه خلاصة ثلاثة أيام من
المناقشات بين أبرز الخبراء الغربيين والعرب في الشأن السوري، بدعوة من البروفيسور
ريموند هاينبوش مدير «مركز الدراسات السورية» في جامعة سانت أندروز الى مؤتمر حمل
عنوان «الذهاب الى ما وراء الجمود» السوري. وتناول برنامج المؤتمر الأبعاد
الاقتصادية والمدنية والإعلامية للصراع في سنته الخامسة، اضافة الى صعود «داعش»
والفصائل الاسلامية وابعاد الصراع الاقليمي والدولي مع تركيز على سيناريوات
المستقبل. وشارك حوالي مئة خبير وديبلوماسي يعكسون جميع اطراف الموقف السياسي
المعارض للنظام والمؤيد له، بينهم المدير السابق لـ «مشروع اليوم التالي» ستيف
هايدمان المنخرط في مفاوضات «المسار الثاني» مع قوى اقليمية وديفيد ليش مؤلف كتابي
«الاسد الجديد في دمشق» عن الرئيس بشار الاسد و «سقوط عائلة الأسد» ونيكولاس فاندام
مؤلف كتاب «الصراع على السلطة في سورية: الطائفية والإقليمية والعشائرية في
السياسة» الذي يعمل حالياً ممثلاً لهولندا للملف السوري، اضافة الى ايبرهارد كلينه
مدير «معهد افبو» الفرنسي في بيروت والباحث في جامعة ادنبرة توماس بيريه والدكتور
بسام حداد الخبير في الشان السوري من جامعة جورج ميسون الاميركية والى ممثل
«الائتلاف الوطني السوري» في نيويورك نجيب غضبان والباحث عمار وقاف وآخرين.
ولم تكن آراء المشاركين متطابقة
ازاء أسباب اندلاع الثورة بين كونها «انتفاضة ضد الديكتاتورية ضمن الربيع العربي»
واعتقاد أحد المشاركين بأنها «لم تعد فقط انتفاضة ضد الديكتاتورية، بل باتت صراعاً
بالوكالة بين اللاعبين الاقليميين والدوليين» وتركيز آخرين على «التحدي» الذي يمثله
صعود «داعش» واعلانه «الخلافة» في نهاية حزيران (يونيو) العام الماضي. كما ان النظر
الى احتمالات تطور الصراع، لم تكن «متطابقة» بين المشاركين، ما دفع هاينبوش الى
استخلاص سيناريوات خمسة من المناقشات.
السيناريو الاول، يتعلق بإمكان
تطبيق بيان جنيف، اذ ان رأي غالبية المشاركين كان أنه على وصول الصراع في بداية
2015 الى مرحلة «الجمود المؤلم» التي لا يمكن لأي طرف ان «يربح» فيه فإن الظروف
«ليست ناضجة « لمفاوضات ناجحة. وكان هناك «رأي اقلوي» بنجاح جهود المبعوث الدولي
ستيفان دي ميستورا ونشاطات موسكو وواشنطن والقاهرة في ضوء تصاعد تهديد «داعش» وان
النظام لم يقدم تنازلات في «جنيف - 2» لانه كان يملك «اليد العليا». اما الآن فان
ذلك «بدا ممكناً أنه مع تحول النظام الى الموقف الدفاعي وإمكان حض راعييه وإيران
وروسيا إلى خفض النفقات وقبول مرونة أكثر». وأشار أحد المشاركين الى إمكان حصول
«شرخ» في النظام بسبب خلافات في»النخبة النافذة» ما شجع دولاً على محاولة جدية
لاجراء مفاوضات لتحقيق انتقال سياسي بين «بقايا النظام من دون الرئيس الاسد
و»الحلقة الضيقة» والمعارضة ضمانات دولية تفرض على الارض»، بحسب خلاصة خطية.
وتناول السيناريو الثاني
استمرار الصراع ونشوء «مناطق نفوذ» كون ان كلاً من النظام والمعارضة و»داعش» يؤمن
بإمكان «النصر الحاسم» لم يعد أمراً واقعياً وان التوازن على الارض تغير من كونه
سابقاً لصالح النظام الى كونه حالياً لصالح المعارضة من دون قدرة فعلية على فرض
الهزيمة على الطرف الآخر. لذلك فان «هذه المرحلة هي تعميق الصراع ومن المرجح زيادة
نفوذ الجهات الإقليمية وزيادة تدخلها لتوطيد الأراضي آمنة وتطهيرها، إذ تسعى إيران
و»حزب الله» الى الامساك بالارض في دمشق والقلمون وحمص وطرطوس. فيما يدعم الاردن
والخليج المعارضة والجيش الحر في درعا والقنيطرة وتدعم تركيا وقطر الفصائل
الإسلامية في المناطق الريفية في إدلب وحلب التي تسعى إلى تجاوز الجزء الذي
يسيطرعليه النظام من مدينة حلب». وتضمنت خلاصات المؤتمر ايضاً ان يعزز «داعش»
سيطرته في شرق سورية ووسطها، مقابل سعي الاكراد الى تقوية الادارات الذاتية الخاصة
بهم وربط بين اقليم الجزيرة شرقاً واقليمي عفرين وعين العرب (كوباني) وسط معارضة
تركية عسكرية لهذا الامر.
ولم يتوقع المشاركون «سقوطاً
سريعاً» للنظام السوري، وان كان كثيرون لاحظوا زيادة «نقاط الضعف» فيه وزياد اعتقاد
المعارضة بإمكان «النصر»، ما دفع خبراء الى النظر في ثلاثة احتمالات أخرى، بينها
اختبار إمكان «التحول الديموقراطي». واشار هاينبوش الى ان «اولئك الذي وضعوا ثقتهم
بالاسلاميين المعتدليين وخصوصاً الاخوان المسلمين وخطاب الائتلاف الوطني في الخارج
الذي يدافع عن الدول المدنية، فانهم يأملون ان سقوط النظام سيؤدي الى الدمقرطة في
سورية بصفات اسلامية».
«دولة الخلافة» هو السيناريو
الرابع الذي اختبره مشاركون. اذ باتت «العناصر الاكثر تطرفاً» في المعارضة تملك
اليد العليا مثل «داعش» و «جبهة النصرة»، ما يجعل «الخلافة» أو أحد نسخها هو
الاحتمال الوارد كنتيجة انطلاقاً من توصل الفصائل الاسلامية المتشققة الى تقاسم
سلطة او قبول المجموعات الاسلامية الضعيفة الرضوخ الى تلك الفصائل الاكثر نفوذاً
وهيمنة.
أما السيناريو الخامس، هو
«الفوضى» باعتباره أحد الطرق الذي يمكن ان يسلكه الصراع في سورية، على اساس «تعميق
التشرذم» ما يتضمن إمكان خسارة النظام «كل او بعض» دمشق وتعميق اللامركزية
والميليشاوية مع بقاء قدراته القتالية المحلية نشطة في الصراع على السلطة مع التقشف
والتركيز على «القدرات الدفاعية غرب البلاد» في الساحل. في المقابل، سيسقط «داعش» و
«النصرة» في صراع في ما بينهما للهيمنة. أما «أمراء الحرب» وقادة الميليشيا
سيحاولون «الدفاع عن أراضيهم»، في مقابل بقاء تجربة «الاتحاد الديموقراطي الكردي»
الأكثر «نجاحاً» شمال البلاد وشمالها الشرقي.
وان زيادة كبيرة في تدفق
اللاجئين و»التطهير العرقي» وتدمير سورية وخرابها سترافق الصراع على السلطة
والسيناريوات الخمسة، غير ان «وزن الأدلة والآراء لا يسمح بالجزم في مصلحة واحد فقط
من هذه السيناريوات»... اذ انه وارد ايضاً «حصول مزيج منها»، بحسب هينبوش.