الوطنيون
السوريون يثبتون أنهم قوميوا أفعال لا قوميوا أقوال ....
الرئيس شكري
القوتلي: 132 يوماً كلفتنا 23 مليون ليرة سورية، ولو كانت ستكلفنا مليار ليرة سنعيد
الكرة ....
لا تأتي المصائبُ فرادى، هكذا
هي الحال التي تعودناها في أقطارنا العربية، التي لطالما كانت ولا تزال تعاني من
مطامع الأجنبي في بلادها، فلم تزل تكافح وتحارب وتناضل ضد الاستعمار، حتى يأتيها
هذا الأخير بكل زمنٍ بشكل جديد لعله يستطيع من خلاله نهبها ونهب ثرواتها.
وعلى الرغم من أن العدو واحد لم
يتغير، ومطامعه في بلادنا واحدة لم تتغير، إلا أن الحال العربي والقومي هو الذي
تغير، وشكل القادة العرب هو الذي تغير، بين قائد منتخب يلتف الشعب من حوله، وبين
قائد مفروض على شعبه مرتهن بقراره بالكامل للخارج.
لقد تكشفت اليوم عورات هذا
الاستعمار الجديد، الذي حاول جاهداً الاختباء خلف أفكار الشعب والوطن والأمة، ولكن
أمام ماتمر به الأحداث اليوم، تعرى القادة العرب، وظهرت حقيقة الولاءات والتبعات،
واضحة الأثر كاشفة لأي دولة من دول الغرب ترتهن دولنا العربية.
وقد عرف عن رجالات سوريا منذ
استقلالها عن الدولة العثمانية في العام 1918 تعصبهم الشديد وتطرفهم في حب وطنهم
الغالي سوريا ... فتنادوا جميعاً بمختلف أديانهم ومذاهبهم في سبيل الزود عن الوطن
والدفاع عنه، ومن ثم في سبيل نهضته ورفع رايته عالياً بين دول العالم أجمع .
والحقيقة أن الوطنيين السوريين
على الرغم من وضع مصالح سوريا في أولوياتهم فوق مصلحة الجميع إلا أنهم كانوا يبذلون
كل ما يستطيعون في سبيل الدفاع والوقوف مع القضايا العربية فكانوا حقاً رجال قول
وفعل، الأمر الذي لانراه اليوم بكل الحكومات العربية التي تدعي انتهاجها للخط
القومي وإعلاء المصالح القومية على المصالح الوطنية .
وفي
أحد المقالات المنشورة بمجلة آخر ساعة ، تتحدث المقالة عن موقف سوريا القومي عندما
قامت بتدمير أنابيب النفط العراقية المارة عبر أراضيها كي لايصل إلى فرنسا
وبريطانيا اللتان شاركتا مع إسرائيل بالعدوان الثلاثي على مصر ...
وفي تفصيل المقال :
دمشق – من قدري قلعجي
في ليلة الثالث من نوفمبر،
تعالى من فرقة إعداد الأخبار الصراخ والهتاف، فهرعنا لمعرفة النبأ، وإذا بالموظفين
يتواثبون في الغرفة فرحين، ويقبلون الماكينة التي تنقل الأخبار.
وقال لنا الأستاذ عبد الله
بالخير، المدير العام للإذاعة السعودية والدموع في عينيه:
لقد حالت سوريا والحكومة
السعودية دون وصول البترول العراقي إلى الدولتين المعتديتين.
وقد اتهمت الأوساط البريطانية
يومذاك الجيش السوري كله بأنه هو الذي قام بعملية التخريب ...
والواقع أن هياج الجيش السوري
من جراء العدوان المجرم، كان شديداً إلى درجة أن كل مواطن كان على استعداد أن يقوم
بهذا العمل بنفسه.
وحتى الحكومة السورية كانت على
استعداد لتحمل الخسائر الكبيرة التي ستلحق بها من جراء تدمير أنابيب البترول، فما
الذي تكبدته سوريا من خسائر حين أوقفت مرور النفط من أراضيها ؟
لقد كانت سوريا تحصل على 64
مليون ليرة سورية في العام أي 175 ألف ليرة في اليوم ، لمرور النفط في أراضيها ...
وقد ركلت سوريا هذا المبلغ الكبير بقدمها وجعلت المصلحة القومية فوق جميع المكاسب
والاعتبارات .
وكانت سوريا عازمة عزماً أكيداً
عن التخلي عن هذا الربح. مادام المستعمرون والصهيونيون يحتلون شبراً من أرض مصر .
وإذ
ذكرنا أن توقف البترول قد استمر 129 يوماً من 3 نوفمبر 1956 إلى 12 مارس 1957 علمنا
أن المبلغ الذي خسرته سوريا خلال هذه المدة يبلغ 22 مليون و 750 ألف ليرة سورية .
وقد قال رئيس الجمهورية السورية
شكري بك القوتلي أن سوريا على استعداد لأن تتكبد أضعاف ذلك المبلغ بكثير في سبيل رد
يد العدوان الآثم على مصر.
إن هذه الوقفة القومية لسوريا
والسعودية، سيسجلها التاريخ العربي والعالم أن الدول العربية لن تسكت أبداً عن أي
اعتداء على أراضيها، وهذا سيكون حافزاً لتحرير فلسطين من الصهيونية الآثمة.
قدري قلعجي 22 آذار 1957
إن المواقف الوطنية لرجالات ذلك
الزمن، تجعلك تعيد الحساب ألف مرة بين رجالات الأفعال ورجالات الأقوال، بين رجالات
لم يغرهم منصب أو سلطة، وبين رجالات قالوا عكس ماضمروا، ففرقوا العرب، وحطموا كل
آمال بني الأمة الواحدة، بأن يكون دولةً قوية متحدة ذات نفوذ عالمي فاعل ....