أحد الحكام يأمر حراسه بإغلاق الأبواب عدة شهور كي لا يصاب أهل
دمشق بالأمراض والأوبئة .....
كل ملوك الدنيا وأمرائها وسلاطينها وأباطرتها ومغامريها كانوا
يتوقون إلى الاستيلاء على مدينة دمشق، وجعلها جزءاً من سلطانهم وممالكهم، وكان كل
واحد منهم يغلف دمشق بسور عازل عن العالم الخارجي، كي يحظى وحده بشرف التأمل إلى
تلك المدينة التي شغلت العالم من قبل التاريخ.
سبعة أبواب، وقصة طويلة من قصص العشق التي كانت بين دمشق ومختلف
الملوك والأمراء الذين حكموها، من منا لايذكر خروج هرقل ملك الروم من دمشق بعد أن
دخلها المسلمون وعينيه ذارفتان من البكاء وهو يقول: وداعاً يادمشق وداعاً لا لقاءَ
بعدهُ ....
ذرفت الدموع والدماء من الملوك والأمراء لأجل دمشق، ولاتزال قصص
خروجهم من أبوابها قصصٌ تحتكرها الأبواب نفسها لترويها لكل الأجيال الذين يعيشون في
دمشق.
جاء في مجلة سورية العربية الصادرة في العام 1965 مقال جميل عن
تاريخ أبواب دمشق، جاء فيه:
يبدو أن المخططين الذين وضعوا مشروع سور دمشق منذ القديم كانوا
قد قرروا لأسباب اقتصادية وعسكرية أن يكون لدمشق أكثر من 12 باباً، ولكن الملوك
والأمراء لم يأخذوا برأي هؤلاء المخططين لمصالحهم الخاصة ... فهم يرون أن كثرة
الأبواب من شأنها أن تزيد الضغط على المدينة من الغزاة والفاتحين والطامعين وما
أكثرهم.
لذلك وافقوا على عدد قليل من الأبواب، ثم استقر الرأي أخيراً أن
يكون هذا العدد سبعة أبواب فقط وهي:
باب توما، والباب الشرقي، وباب السلام، والباب الصغير، وباب
الفرج، وباب الجابية، وباب الفراديس.
وقد تم وضع نظام حراسة مشدد لهذه الأبواب، لدرجة أنه قد وصلت
عقوبة الخارج والداخل من هذه الأبواب في غير الأوقات المحددة الإعدام خلال فترات
الحرب.
وقيل
أن الذي بنى دمشق بناها على الكواكب السبعة، وجعل لها سبعة أبواب وصور على كل باب
أحد الكواكب السبعة.
فبباب توما تم ينسب لكوكب الزهرة، وينسب باب توما إلى كاهن من
كبار الرومان يدعى توما، وقد دخل من هذا الباب عمرو بن العاص خلال الفتوحات
الإسلامية، وأعاد بناءه الملك الناصر داوود، ومازالت قاعدته من الأحجار الرومانية
الكبيرة قائمة، وهو يقع في شرقي دمشق إلى جهة الشمال.
أما باب شرقي فينسب لكوكب الشمس، وقد سمي بهذا الاسم لأنه يقع
شرقي مدينة دمشق، وقد بني بعهد الرومان في أواخر القرن الثاني للميلاد، ودخل من هذا
الباب القائد خالد بن الوليد خلال الفتوحات الإسلامية، كما دخل منه عبد الله بن علي
العباس عندما سقطت الدولة الأموية وهو يتألف من ثلاثة أبواب كبير في الوسط وصغيران
على جانبيه.
وباب السلام فينسب لكوكب زحل، وقد سمي بباب السلام تفاؤلاً لأن
القتال مع الأعداء كان صعباً جداً فوراؤه يقع الكثير من الأشجار والأنهار والحقول،
ويقال أن نور الدين محمود هو الذي بنى هذا الباب من جديد بعد أن هدم في حروب
متعددة، ويقع هذا الباب في الجنوب الشرقي لمدينة.
باب صغير وينسب لكوكب المشتري، ويسمى كذلك لأنه أصغر الأبواب،
وقد نزل عليه يزيد بن أبي سفيان بعد أن حاصر دمشق أياماً طويلة، كما دخل منه تيمور
لنكك منذ حوالي 1200 سنة حيث قام بإحراق دمشق ونهب مساكنها.
باب الفرج ينسب لكوكب القمر، ويقع في الجهة الشمالية من دمشق،
وسمي بباب الفرج لنه فتح دمشق وأنقذ سكانها من الغزاة والدخلاء، حيث وجد أهل دمشق
بفتحه فرجاً كثيراً.
ويتألف من بابين باب داخلي وآخر خارجي بينهما تقع مطحنة لاتزال
آثارها بادية إلى اليوم.
باب الجابية ينسب لكوكب المريخ، وهو ملاصق لقبر السيدة جابية،
وينسب إلى قرية جابية لأن الخارج إليها كان يخرج منه، وقد دخل من هذا الباب أبي
عبيدة الجراح عند فتح دمشق وهو كباب شرقي مؤلف من ثلاثة أبواب ويتصل به بثلاث طرق.
باب الفراديس وينسب لكوكب عطارد، ويقع في الجهة الشمالية من
مدينة دمشق وهو نفسه باب العمارة، ويعتبر من أسوأ أبواب دمشق وأكثرها تهدماً وقد
بنيت فوقه المساكن المتلاصقة وطمست معظم معالمه.
اما الحرس والرصد فإن كلمة باب التي تستخدم في الوقت الحاضر
لاتنطبق على الأبواب السبعة لمدينة دمشق، فقد كان كل باب من هذه الأبواب يشكل حصناً
ضخماً قائماً بذاته يحميه عدد كبير من الحراس، وتحيط به الدوريات المسلحة، بالإضافة
إلى بعض الراصدين الذين كانوا يقبعون بالأبراج طيلة اليوم، وكان "الحارس الكبير"
الذي يحمل معه مفاتيح الباب يحاط بالعدد الكافي من الحراس الأشداء الأقوياء خشية
الخداع او التواطؤ أو المؤامرات التي قد تؤدي إلى انتزاع المفاتيح وتسليمها للأعداء
أو الفاتحين، وكان انهيار أحد الأبواب معناه انهيار بقية الأبواب على الغالب،
وانتشار الفوضى في المدينة.
بعد الغروب إن الملك أو الأمير أو السلطان كان على اتصال دائم
بحامية أبواب المدينة يتلقى منها تحركات الجيوش أو الغزاة الذين كانوا يبتغون دخول
المدينة، وكان عمل الحامية يضعف إلى حد ما في الليل بعد الغروب.
أحكام
التموين ولعل من أطرف مايذكر عن أبواب دمشق هو أن إغلاقها يتم بمراسم وتفتح صباحاً
بمراسم مماثلة تتجلى في الأوامر الرسمية التي يتلقاها الحراس من السلطات العليا لأن
هذه السلطات قد تقرر استمرار اغلاق الأبواب لأسباب تتعلق بأمن المدينة أو بسلامة
سكانها وفي إحدى الروايات ذكرت حادثة طريفة وهي أن أحد الأمراء الذين حكموا دمشق
منذ حوالي ألف وخمسمائة عام قد استمر بإغلاق الأبواب خشية انتشار الأمراض والاوبئة،
كما حاول أحد السلاطنة من الشعوبيين تجويع مدينة دمشق فحكم بإغلاق أبوابها عدة
أسابيع، وإذا به يتفاجأ بأن أبناء هذه المدينة لم يتأثروا كما كان يتوقع، وتبين له
بعد التدقيق والبحث أن أبناء دمش استطاعوا أن يؤمنوا احتياجاتهم من طريق باب السلام
حيث دفعوا لحراسه شيئاً من المال لقاء إدخال المواد الغذائية إليهم خارج الأسوار.
ثراء الحراس أما موعد فتح الأبواب فهو بعد طلوع الفجر، وبعد أن
تصدر الأوامر العليا حيث تصل تأكيدات بعدم وجود عدو او فاتح على بعد عشرات
الكيلومترات عن المدينة، وكان "الحارس الكبير" لأحد الأبواب يتمتع بنفوذ واسع، وقد
تبين أن حراس الأبواب وخاصة هؤلاء الذين كانوا يحملون المفاتيح يثرون بسرعة، كما
أنهم كانوا يتلقون الهدايا الثمينة والتحف النفيسة باستمرار، ويبدو أن لذلك علاقة
بالوصول لأسواق دمشق بسرعة لاحتلال المكان الملائم فيها.
سورية العربية – تشرين الثاني – 1965
بعد هذا التوسع العمراني الكبير الذي شهدته دمشق خارج أسوارها،
ذهبت الغاية الرئيسية التي تأسست أبواب دمشق لأجلها، وبقيت هذه الأبواب كرمز شامخ
على عراقة هذه المدينة التي مهما حاول السلاطين والأمراء والرؤساء على احتكارها
لأنفسهم، ستبقى هي شامخة وسيذهبون هم بأعمالهم، فإما أن تذكر سيرهم مع سير عظماء
التاريخ، وإما أن يذهبون مع أعمالهم إلى مزابل التاريخ.