عندما تعمل نخبة السيدات في حلب بمضافات اللاجئين دون كلل أو
ملل
أكبر دار للتوليد في حلب أسستها جمعية كل أعضائها من النساء
يغدو القارئ لتاريخ مدينة حلب، كالممسك بتاريخ البشرية مقلباً
لصفحات رائعة في حضارتها وتقدمها وتطورها.
فالإرث الحضاري والبصمة التاريخية هما سمتان رئيستيان بتاريخ
هذه المدينة، التي قدمت للبشرية جمعاء مالم تقدمه مدينة أخرى، وتركت اليوم حزينة
وحيدة تُراقب دمار تاريخها وإرثها وحضارتها أمام أعين العالم أجمع ولكن دونما مغيث.
يذكر التاريخ أن أرسطو عندما خيره الاسكندر الكبير أن يختار
مدينة للاستشفاء فيها بعد مرض طويل ألم به، كان خياره مدينة حلب نظراً لجودة مناخها
وهوائها.
ومن هذه البيئة والمناخ خَرج من مدينة حلب العديد العديد من
السياسيين والمفكرين والممثلين، ولم تكن هذه الأدوار حكراً على الرجال فلقد كانت
المرأة الحلبية شريكاً حقيقياً للرجال في بناء وطنهم السوري وخاصة في زمن الثورة
السورية على الاستعمار الفرنسي وبدأ حقبة جديدة بتاريخ سورية هي حقبة الاستقلال.
وفي مقال هام عن دور المرأة الحلبية في تاريخ الحضارة السورية،
تذكر مجلة الشرطة والأمن العام الصادرة في العام 1953 مايلي:
" تساهم المرأة السورية مع الرجل في بناء النهضة الحديثة وقد
استطاعت المرأة السورية منذ اشرقت شمس الاستقلال على البلاد القيام بأعمال جبارة
دلت على ما للسيدة السورية من مقدرة وذكاء، ودليلنا على ذلك جمعية المشاريع الخيرية
النسائية في حلب، تلك الجمعية الغراء التي قامت بأعمال مبرورة في عالم الخير
والإحسان، كان آخرها بناء دار التوليد الكبرى المشادة على أرض تبلغ مساحتها بضعة
آلاف من الأمتار المربعة في بقعة السبيل بالجميلية.
وبناء دار التوليد اليوم من الأبنية الكبرى التي تفاخر بها
البلاد، وقد وعد رئيس الدولة الزعيم فوزي سلو بمد هذه الجمعية الكريمة بالمساعدة
اللازمة حتى تؤدي مهمتها على أحسن وجه.
لقد
أنشئت جمعية المشاريع النسائية في تشرين الأول عام 1945 بمساعي السيدة الفاضلة
الحاجة خيرية مرعش، شقيقة المجاهد الكبير الحاج فاتح مرعش، وبمؤازرة سيدات حلب
وآنساتها الفضليات، واحتفلت في 13 حزيران 1947 بوضع حجر الأساس لبناء دار التوليد،
الذي يتألف من ثلاث طبقات، وإلى جانب هذا المشروع العظيم تؤوي الجمعية في شغلها فئة
من التلميذات الفقيرات لتعلمهن حرفة يكسبن بها حياتهن الشريفة.
وتقوم في نفس الوقت بإعداد الألبسة الداخلية وخياطة البطانيات
لجنودنا الأشاوس.
وفي العيد الماضي صنعت الجمعية 4023 كيساً من الخام حوى كل واحد
منها مختلف الهدايا وأرسلت إلى أبناء الجنود.
وتعمل لجان الجمعية في مضافات إخواننا اللاجئين فتوزع المواد
الغذائية وتراقبن النظافة وتعتنين بالصحة، وفي يوم فلسطين تجمع سيدات الجمعية
الألبسة المستعملة من أحياء الشهباء وبعد إصلاحها توزعها على فقراء اللاجئين.
هذه خلاصة لأعمال الجمعية وهي أعمال مشكورة تستحق التقدير
والتشجيع، ولا غرو فإن السيدة السورية الراقية ذات ذكاء أصيل زهي تستطيع النهوض
بالأعباء المفروضة عليها كسيدة تعيش في دولة متحضرة وقد صدق من قال: أن المرأة التي
تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها".
مجلة الشرطة والأمن العام – 1953.
هذا جزء يسير قدمناه من إنجازات ودور المرأة الحلبية على الخصوص
والسورية على العموم في سبيل حرية واستقلال ونهضة وطنها، وبالتالي ليس من المستغرب
اليوم أن نسمع الكثير من القصص اليوم عن سيدات سوريات قدمنَ الغالي والرخيص في سبيل
أن ينعم وطنهم بالهدوء والأمان والسلام.