عهد الانقلابات ... ثلاثة انقلابات في عام واحد
الشيشكلي: لا أقبل أن يكون وجودي في السلطة على حساب دماء أبناء
شعبي ... لذلك سأستقيل
سعيد اسحق: أول رئيس مسيحي لسوريا
بعد أن استقلت سوريا في 17 نيسان 1946، كان عليها أن تبرهن
للعالم أنها دولة قادرة على قيادة نفسها بنفسها، وبأن شعبها من النضوج والتقدم ما
يسمح له بأن يعيش في ركب الشعوب المتحضرة والمتقدمة.
كان الرئيس القوتلي وحكومته يبذلون قصارى جهدهم في سبيل تطوير
وتقدم بلادهم، واستعادة لواء اسكندرون السليب، وكان الرئيس القوتلي يرفض أي معاهدة
أو اتفاقية يشعر بأن فيها انتقاص أو امتهان لسيادة او استقلال بلاده، وانتهت الفترة
الرئاسية للرئيس القوتلي في 18 آب 1948، فما كان من أعضاء البرلمان وبالإجماع أن
وافقوا على تعديل المادة 68 من الدستور السوري لعام 1928 والذي كان ينص على أن "مدة
الفترة الرئاسية هي خمس سنوات ولا يحق للرئيس إعادة انتخابه لدورة ثانية إلا بعد
خمس سنوات من تاريخ انتهاء فترته الرئاسية الأولى ...." وأعطى التعديل للرئيس بأن
يرشح نفسه لولاية ثانية مباشرة بعد انتهاء فترة ولايته الأولى، ونتيجة لهذا التعديل
الذي تم الاتفاق عليه بالإجماع كما ذكرنا تم انتخاب الرئيس القوتلي لفترة رئاسية
ثانية، إلا أن فترة الهدوء والاستقرار هذه لم تدم لفترة طويلة، حيث قام حسني الزعيم
بسابقة هي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط والعالم العربي العالم العربي،
ففي 30 آذار 1949 نفذ حسني الزعيم انقلاباً عسكرياً على القيادة السياسية في سوريا،
واعتقل الرئيس القوتلي ورئيس وزرائه خالد العظم، ليجبر فيما بعد الرئيس شكري
القوتلي القابع في مشفى المزة العسكري على توقيع استقالته في 6 نيسان 1949 وليبدأ
عهد جديد في سوريا هو عهد فوضى الانقلابات .....
عهد فوضى الانقلابات:
كانت سوريا بالنسبة لأميركا وبريطانيا غنيمة كبرى عليهما أن
يتسابقا لقطف ثمارها، بعد أن خرجت فرنسا المحتلة منها وانشغلت بأمورها الداخلية بعد
الحرب العالمية الثانية، ولم يكن رئيس كالرئيس شكري القوتلي يلبي طموحات أي دولة
أجنبية على حساب دولته فهو الذي وضع منذ البدء شعار مصلحة سوريا أولاً، وعليه كان
يرفض كل المعاهدات المقدمة من بريطانيا وأميركا من أجل الاستثمار والتنقيب على
البترول في سوريا، فما كان من هاتين الدولتين المتنافستين على تحقيق أطماعهم في
سوريا، أن اختاروا طريقاً استعمارياً جديداً يتحكموا فيه بالشعوب، بدلاً من
الاستعمار العسكري التقليدي، ألا وهو أسلوب الانقلابات العسكرية والإتيان بحكومات
عسكرية دكتاتورية محسوبة على الدول الكبرى لتلبي مصالحها، وفي 30 آذار 1949 نفذ أول
انقلاب عسكري في الشرق الأوسط والوطن العربي بإيحاءات أمريكية، ألا وهو انقلاب حسني
الزعيم.
الانقلاب الأول – انقلاب حسني الزعيم 30 آذار 1949:
حسني الزعيم، الضابط السوري من أصل حلبي والمعروف بحبه الجامح
للسلطة، خلال الحرب العالمية الثانية قاتل إلى جانب قوات فيشي الفرنسية فتم اعتقاله
والحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتجريده من رتبه العسكرية، ثم عفا عنه
الرئيس القوتلي عام 1944 وأصدر مرسوماً فيما بعد بتسميته قائداً للجيش السوري عام
1948 ليحل محل قائد الجيش السابق عبد الله عطفة الذي صدر أمر بتسريحه من الجيش بعد
نكبة فلسطين عام 1948.
حبه للسلطة واندفاعه، ونقمته من السلطة السياسية التي كانت
تنتقد الجيش باستمرار من منابر البرلمان وخاصة بعد نكبة فلسطين، جعله يسعى للتخلص
من هذه السياسة والسياسسين القدامى من خلال تنفيذ انقلاب عسكري هو الأول من نوعه في
المنطقة كما ذكرنا، هذا الانقلاب الأرعن الذي فتح البلاد لسلسلة من الانقلابات دمرت
من خلالها الحياة الديمقراطية التي كانت تعيشها سوريا، ولم يكن خفياً على أحد دور
الأيادي الأمريكية في هذا الانقلاب، وخصوصاً أن أول عمل قام به الزعيم هو التوقيع
على اتفاقية التابلان بمد خط لأنابيب البترول من مناطق الإنتاج في السعودية إلى
موانئ البحر المتوسط في سوريا وذلك لمصلحة شركة (أرامكو) الأمريكية، ومن ثم قام
حسني الزعيم بتوقيع الهدنة مع إسرائيل تلك الاتفاقية والهدنة اللتين كانتا تحظيان
بمعارضة دائمة من المسؤولين في عهد الرئيس شكري القوتلي وقعهما ببساطة الزعيم حسني
الزعيم من أجل بقائه في السلطة، ولعل من أنكى الأمور التي قام بها الزعيم هي تسليم
زعيم الحزب السوري القومي انطون سعادة للسلطات اللبنانية التي قامت بإعدامه خلال 24
بعد محاكمة صورية، هذه الإجراءات التي قام بها الزعيم جعلته موضع سخط داخلي كبير
حتى داخل القوات المسلحة نفسها التي قاد الانقلاب لأجلها.
هذا على المستوى الخارجي أما على المستوى الداخلي، فقد نظم حسني
الزعيم في 25 حزيران 1949 استفتاءاً تم بموجبه انتخابه رئيساً للجمهورية، وعلى
الرغم من العلاقات الخارجية المشبوهة نوعاً ما لحسني الزعيم، إلا أنه داخلياً كان
نظيف اليد، يسعى بكل جهد لإعمار بلاده وإنعاش اقتصادها، وهو الذي دخل إلى السلطة
وخرج منها ولايملك سوى بيت وحيد في منطقة عين الكرش بدمشق اشتراه بالتقسيط ولم
يستطع إعمال تقسيطه.
نتيجة للتذمر من الوضع السياسي والتسلط العسكري لحسني الزعيم،
قام أقرب المقربين له وهو سامي الحناوي بتنفيذ انقلابه عليه في 14 آب 1949.
الانقلاب الثاني – انقلاب سامي الحناوي في 18 آب 1949:
لم
يستمر حكم الزعيم طويلاً حتى قام قائد اللواء الأول أحد أهم ألوية الجيش السوري
والصديق الشخصي لحسني الزعيم وهو الزعيم سامي الحناوي بتنفيذ انقلابه العسكري بحق
الزعيم وتم اعتقاله ورئيس وزرائه محسن البرازي ليتم إعدامهما رمياً بالرصاص فيما
بعد.
كان استئثار حسني الزعيم بالسلطة هو أحد الأسباب التي دفعت حتى
أقرب المقربين منه للقيام بالانقلاب، إلا أن أموراً أخرى خارجية كان لها دور بتنفيذ
هذا الانقلاب، فقد ثبت أن الأيادي البريطانيا كانت تقف خلف هذا الانقلاب وخصوصاً
بعد أن قام سامي الحناوي بإلغاء اتفاقية التابلان الممنوحة لشركة أرامكو الأمريكية،
ومنحها لشركة النفط الإنكليزية – العراقية.
داخلياً، حاول الحناوي إرجاع الأوضاع السياسية المدنية إلى ما
كانت عليه قبل انقلاب حسني الزعيم، واختار الرئيس هاشم الأتاسي ليتولى رئاسة
الحكومة التي ستشرف على إعادة الأحوال إلى ما كانت عليه إلا أن الوضع كان أعقد من
ذلك بكثير وخاصة للانفتاح الكبير الذي كان يبديه الحناوي للتحالف مع بغداد ففشل
الأتاسي في تشكيل وزارته واعتبرها خطيئة سياسية لا تغتفر بحقه، كما حاول الحناوي
تطوير الاقتصاد في سوريا ورفع مستوى معيشة الموطنين وفي عهده تم منح المرأة السورية
الحق في المشاركة بالانتخابات لتكون سورية من أوائل الدول في العالم التي تسمح
للمرأة بالمشاركة في الانتخابات، إلا أن أحلام الحناوي تبخرت وذهبت أدراج الرياح
بعد أن نفذ العقيد أديب الشيشكلي انقلابه في 19 كانون الأول 1949.