دمشق، هذه العاصمة التي يعلم العالم بأسره بأنها أقدم مدينة مأهولة بالسكان في العالم، تستوعب اليوم الغرباء على أرضها، أو يتم الاستيلاء عليها منذ زمن بعيد. دمشق قائمة منذ زمن العموريين اللذين استقروا في شبه الجزيرة العربية عام 2000 قبل الميلاد وتلاهم المصريون بعد خمس مائة عام،

وبعدهم الحيثيون، ثم الآراميون، وبعدهم الأشوريون، وفي عام 572 قبل الميلاد كان البابليون اللذين تبعهم الفرس ثمّ الإغريق، وبعدهم الأنباط، ومن بعدهم الرومان والبيزنطيين ومن ثمّ الصليبيين والمغول. وهكذا فإن دمشق مدينة مغرقة وغنية بالتاريخ والحضارات، ولكنها اليوم تواجه تحدياً من نوع أخر.

منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وسوريا تستوعب يوماً بيوم المزيد من العراقيين حتى أضحى عددهم نحو 1.5 مليون عراقي. لقد تحول 1/8 من تعداد سكان العراق إلى لاجئين بسبب حمامات الدماء التي أغرمت بإيقادها كل من أمريكا وبريطانيا. وكان أنطونيو غيتيرز، رئيس المفوضية العليا للاجئين، قد وصف هذه الأزمة بأنه أكبر أزمة لاجئين مرت منذ أزمة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948.

وتشير التخمينات إلى أن هناك 2000 إلى 3000 يتشردون من العراق شهرياً ويتوقع أن يتقاطروا إلى سوريا يومياً وفقاً للمتحدث باسم السفارة السورية في لندن. إن سخاء هذه البلد التي يعتبر اقتصادها أقل من قوي، يبدو استثنائياً فعلاً. 

لقد تمركز 8% من العراقيين في دمشق التي يبلغ تعداد سكانها أصلاً خمسة ملايين نسمة. وقد سمحت لهم الحكومة بدخول مدارسها والاستفادة من مرافقها في الرعاية الصحية.

إن ثلاثين ألف طالب عراقي كلفوا الدولة 18 مليون دولار، في الوقت الذي يكلف في دعم الحكومة للخبز أكثر من 34 مليون دولار.  وفي المدارس السورية ارتفع عدد الطلاب إلى 60 طالب في الصف الواحد وتضاعف عدد ساعات التدريس بالنسبة للمعلمين من أجل معالجة الوضع.

والطامة الكبرى هي ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية وتضاعف معدلات أسعار الإيجار ثلاث مرات عن ما كانت عليه. وازدادت تكاليف الكهرباء بنسبة 27%، والمياه 20%، والكيروسين 17% وفقاً لما ذكرته وكالة ايرين في 28 حزيران 2007. ومع ذلك ما تزال الحكومة تتحمل العبء طالما أن هناك إعانات لسد الحاجات الضرورية.

في الوقت الذي قام فيه العراقيين الأغنياء ببيع ممتلكاتهم وأصولهم الثمينة وجلب أموالهم معهم إلى سوريا وتمكنوا من شراء عقارات وإطلاق أعمال فيها، هناك الكثير من الفقراء اللذين هربوا إلى البلد المجاور الذي يعاني من اقتصاد  غير مستقر بالنسبة للسوريين اللذين يدفعون ثمناً باهظاً بسبب سخائهم وفتح أبوابهم لجيرانهم المنكوبين، رغم كل الضغوطات التي تحاصرهم من جميع الجهات من تركيا في الشمال، إسرائيل، ومن العراق. وبالطبع لا يمكن أن ننسى بأن سوريا متهمة من قبل رواة كتاب أليس في بلاد العجائب بأنها تخبئ أسلحة التدمير الشامل العراقية التي لم يعثر لها على أثر.

ومن جهة أخرى تحاول سوريا بكل شجاعة معالجة مشكلة أخرى وهي خرق احد المحرمات في العالم الإسلامي: إنها مشكلة العاهرات التي تطال حتى الفتيات الصغيرات.

لقد حاولت الحكومة السورية مرات عديدة طلب معونات مالية من المجتمع الدولي من أجل حل هذه المشكلة مع غيرها من المشاكل. وقد أصدرت المفوضية العليا للاجئين تقريراً في أيار الماضي ذكرت فيه أن برنامج اليونيسيف وبرنامج الغذاء العالمي (الفاو) طالبوا بـ (بشبكات منظمة تعالج مشكلة تجارة الجنس في سوريا). وقد أشار التقرير إلى وجود علاقة بين أوضاع العراقيين المتدهورة وارتفاع نسبة الدعارة ونسبة العراقيين العاملين في تجارة الجنس.

قالت آن ميميان التي تعمل في المفوضية "لا يمكننا تحديد مدى ضخامة هذه المشكلة التي تسببها العراق لسوريا ولكن يمكننا أن نقول بأنها موجودة". وأضافت "إن هذه المشكلة بقيت مخفية لأن الناس يخشون التحدث عنها".  

الناشطون المحليون في سوريا تحدثوا كثيراً عن الأساسيات التي يجب القيام بها لحماية هذه الشريحة الضعيفة والمستغلة بشكل متزايد.  وفي أيلول الماضي تعاونت منظمة اللاجئين العالمية مع وزارة الداخلية في إطلاق ورشة عمل لزيادة الوعي بشأن مكافحة التجارة الغير مشروعة.

قالت ماريا رومان، مديرة بعثة منظمة اللاجئين العالمية في دمشق إن المنظمة كانت تساعد لجنة شكلتها الحكومة السورية لوضع قانون لمكافحة التجارة الغير مشروعة، وكانت تنتظر التبرعات المالية الدولية لمساعدة ضحايا هذه التجارة وإيوائهم. وتقول السيدة ماريا أنه دون هذه الإجراءات من المستحيل سبر عدد الأشخاص المتورطين بهذه التجارة في سوريا.

وأضافت رومان "لقد وافقت الحكومة السورية على أن هناك حاجة لسن تشريع جديد وإجراءات حماية جديدة. ولكننا ومنذ عام كامل لم نتلق أية ردود من المتبرعين بما فيهم الولايات المتحدة. وحالما نحصل على أي تعهد بتقديم التبرعات سنبدأ بالعمل". ومن الجدير بالذكر أن القوادين ومستهلكي هذه التجارة يأتون من الإمارات ومن عصابات منظمة شبيهة بعصابات المافيا.

إن الحكومة السورية تحمل على عاتقها عبئاً هائلاً وكل ما طالبت به هو 60 مليون دولار أي ما يعادل (ثمن قذيفة واحدة). والاتحاد الأوربي وعد بتقديم المساعدة ولكن عبر سنوات وهو يقول (غداً، غداً).   كما أن المفوضية العليا للاجئين منحت مليون ونصف دولار أمريكي، وفقاً لما ذكره أحد المحامين الدوليين، وقد صرفت على مكاتبهم في دمشق. وقد تطابق كلام الناطق باسم السفارة السورية مع هذا، ولكن المفوضية تقدم تأكيداً أو نفياً في ذلك الوقت.

بقلم : فيليستي أربوثنوت - غلوبال ريسيرش

ترجمة هدى شبطا - سيريانيوز