في الرابع من شهر تموز الحالي قام انتوني كوردسمان، وتوماس
ساندرسون، وجون ألترمان من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي وذلك من
أجل لقاء الرئيس السوري بشار الأسد وزير الخارجية السوري وليد المعلم. ولدى عودته
إلى واشنطن كتب كوردسمان التقرير التالي:
قمت مؤخرا بزيارة إلى سوريا مع اثنين من زملائي في مركز
الدراسات الإستراتيجية والدولية. وقد جاءت زيارتنا هذه بناءً على دعوة من مركز
الشرق (اورينت سينتر) في دمشق لمناقشة العلاقات السورية الأمريكية ولقاء مجموعة من
السوريين المعنيين بالخلافات والتوترات بين البلدين. والتقينا أيضا بالرئيس بشار
الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم.
وكما هو متوقع سمعنا الكثير من السوريين حول آرائهم بالأخطاء
التي ارتكبتها أمريكا في المنطقة وبعلاقاتها مع سوريا. وسمع السوريون الكثير عن
أراء الأمريكيين حول أخطاء سوريا في المنطقة وبعلاقاتها مع أمريكا. لم يكن هناك أي
تطورات هامة أو رسائل دراماتيكية أو وعود بتطورات فجائية بالعلاقات السورية
الأمريكية.
ويرى السوريون أن إدارة بوش ليس لديها أي نية حقيقية بالتحدث مع
سوريا، وأن أي تطور في العلاقات لن يتم إلى بعد مغادرة هذه الإدارة. وبرأيي نحن
نواجه مشكلة خطيرة في علاقاتنا بشأن سياسات سوريا تجاه لبنان، حزب الله، وإيران.
ولكن في الوقت نفسه كنت مذهولاً من حقيقة أن سوريا ما تزال أحد
أكثر المجتمعات علمانية وحداثة في الشرق الأوسط. فشعوبها كان وما يزال على درجة
عالية من الثقافة، وهو شعب لطيف وودود، وليس لديهم مشاعر عداء تجاه الأمريكيين بكل
ما تعنيه الكلمة. والأشخاص اللذين تحدثنا إليهم أظهروا الكثير من المذهبية
البراغماتية (العملية) والمرونة في التعبير عن وجهات نظرهم، والسوريون عموماً شعب
يسلس الحديث معه ويمكن إجراء حوار حقيقي معهم.
وهناك أمر أخر أثار دهشتي وهو أن سوريا وأمريكا لديهما مصلحة
مشتركة في المثير من النقاط ويمكن السير بها قدماً دون حدوث أي تطور رسمي في
العلاقات بينهما. وليس من الضروري حدوث أي تطور هام أو انتظار قدوم إدارة جديدة.
وفي الحقيقة انتظار عامين كاملين لحين انتهاء هذه الإدارة وقدوم إدارة جديدة لا
يبدو في صالح أي من الدولتين. فالمنطقة تعيش عدم استقرار كبير، وهناك الكثير من
النقاط التي لن نجني من إهمالها سوى زيادة الوضع سوءاً.
لن يكون هناك
تطورات هامة رسمية وتركيز على خطوات عملية.
إن منطقة الشرق الأوسط يبدو تذكر الماضي فيها إعادة له وتكرار
جميع الأخطاء التي ارتكبت. إن العلاقات السورية الأمريكية علاقات صعبة وتعكس
اختلافات واقعية. والمشاكل بينهما ببساطة لم تأت نتيجة عدم التواصل، ولن تقوم أياً
منهما بتغيير مفاجئ لسياستها الحالية ورأيها بمصالحها الوطنية. والأكثر من ذلك أن
كلاً منهما صنعت ما يكفي من الأخطاء مع الأخرى وفي المنطقة، لذا فإن أي تركيز على
الأخطاء سينتهي ببساطة إلى عملية من الرد والصد بالاتهامات تجاه بعضهما البعض.
كما أن أياً منهما لن تقوم بأي تنازل جديّ للأخرى، أو التضحية
بأولوياتها وأرائها المتعلقة بمصالحها الوطنية. والضغوط الممارسة حالياً على كل من
سوريا والولايات المتحدة لن تجدي نفعاً في تقصير المسافة بينهما والتوصل إلى أي
مقارب دراماتيكي جديد لبناء العلاقات بينهما أو لتقديم إحداهما للتنازلات للأخرى.
والأكثر من ذلك أن بناء ثقة مشتركة بينهما من أجل إمكانية تحسين العلاقات وخلق
وسائل حيوية لمتابعة المصالح المشتركة سيستغرق وقتاً طويلاً.
باختصار، بدلاً من السعي وراء ما هو غير عملي يجب سبر النقاط
التي يمكن للدولتين العمل عليهما بتواز والسبل التي تخدم مصلحتهما دون تقديم إحداهن
التنازلات للأخرى.
قضية مرتفعات
الجولان
هذه القضية الهامة لا تتطلب أي تصرف رسمي من طرف الولايات
المتحدة، وببساطة ستعزز الخطوات التي اتخذها الرئيس الأسد أصلاً. إن التعبير السوري
الصريح والراسخ عن الرغبة بإقامة سلام حقيقي مع إسرائيل مقابل استعادة مرتفعات
الجولان لا يتطلب تنازلات من قبل أي من الطرفين. إنه يتطلب في الحقيقة صبراً،
إصراراً، شفافيةً، ومرونة.
إن الخلاف الإسرائيلي السوري مختلف تماماً عن الخلاف السوري
الأمريكي. فإسرائيل ترى في سوريا تهديداً مستمراً وترى أنها كانت لاعباً رئيساً في
حربها التي شنتها ضد حزب الله الصيف الماضي. وسوريا ترى في إسرائيل غاصباً ومحتلاً
تترأسه حكومة منقسمة وضعيفة، ولا ترغب بفتح محادثات مع سوريا بسبب ضغوطات إدارة
بوش. وستأخذ إسرائيل وقتاً كي تستجيب لأي مبادرة سورية وتسبر مدى مصداقيتها. وفي
الوقت نفسه ليس لدى سوريا أي أفق باستعادة الجولان من خلال الحرب، ولديها أسباب
جيدة لتعزيز استعدادها لإبرام اتفاق.
التركيز على التطور الاقتصادي العلماني
إن الولايات المتحدة لا يمكنها القيام بأي خطوة عملية تجاه
تغيير النظام في سوريا، وسوريا لن تقدم أي تنازل في المنطقة. ولكن هناك نقاط يمكن
لسوريا أن تبعث بإشارات للولايات المتحدة تظهر فيها أن هناك تطوراً في نظامها أخذاً
مجراه، وأن الحكومة تخطو خطوات جيدة لمساعدة الشعب.
إن سوريا لديها ما يكفي من الأسباب للسعي وراء تحقيق الإصلاح
الاقتصادي والحداثة. ومما شك أن وجود الأمن والنمو الاقتصادي سيدعم النظام.
والأكثر من ذلك أنه كلما اتسمت سوريا بمزيد من الحداثة
الاقتصادية والأمن كلما توفرت لإسرائيل الأسباب التي تجعلها تشعر بأنها قادرة على
التعامل مع دولة مستقرة.
بقلم
انتوني كوردسمان - موقع سيريا كومينت جشوا لانديز
ترجمة
هدى شبطا - سيريانيوز