إن كان هنالك من شيء ملحوظ في الأسابيع الماضية فلا بد أنه بدء
أمريكا لعهد جديد من الحوار. فحتى في حال عدم القيام بانتخابات في تشرين الثاني
القادم والتي قد تبدأ إدارة جديدة لأمريكا, فالأمة ستدخل في حوار جديد مع الآخرين.
وسبع سنوات من عهد بوش وسياسته التي تقضي بـ (عدم التكلم مع الأشرار) ستنتهي حتى في
ظل الخوذة التي صنعتها إدارته.
فمسؤولونا اليوم يتعاملون مع سوريا بلطف وطيب بل ويقومون بجولة
محادثات إثر أخرى مع إيران حول موضوع العراق, حتى وزيرة الخارجية رايس تخطط لزيارة
ليبيا. حتى الرئيس بوش قام هو الآخر بالإدلاء بدلوه فقد كتب رسالة شخصية "مفعمة"
كما وصفها البيت الأبيض إلى الدكتاتور الكوري الشمالي كيم-يونغ إيل والتي من شأنها
مد أواصر علاقات تطبيع دبلوماسية.
وتركيبة البيت الأبيض والمفترض أنها تحمي الإمبراطورية من
خصومها قامت بإرسال معايدة بمناسبة عيد الميلاد إلى الكوريين الشماليين؛ وهذا ما
سيدع الأمور معقدة لتقرير الرئيس أو الرئيسة الأمريكين القادمين ما إذا كانوا
سيقطعون مسافة قدم واحدة بينهم وبين خصوم أمريكا, على رأي بعض الخبراء السياسيين.
ومن ضمن هؤلاء الخبراء ديمقراطيون وجمهوريون ممن هم في معترك السياسة الحالي أو من
سابقيهم منذ العام 1977.
يقول روبرت جي آينهورن, الباحث في مركز الدراسات الدولية
والاستراتيجية: "هل سنتكلم مع أعدائنا أم لا؟" ويجيب أننا سنتكلم. ويقول هورن أيضا:
"إن النظرة التي أخذتها إدارة بوش مؤخرا تجعل من احتمال انخراط الرئيس المقبل في
ذات المجال الذي بدأه بوش مؤخرا." وبالرغم من أن إدارة جمهورية جديدة ستكون "أكثر
حذرا من لو كانت ديمقراطية," ستقوم أية إدارة (جمهورية كانت أم ديمقراطية بمتابعة
نهج مخاطبة الأعداء.
ويأتي ربما رودي جولياني الجمهوري قريبا من مسار إدارة بوش في
الحفاظ على البلدان الصديقة لأمريكا والعلاقات الدبلوماسية وامتيازاتها. لكن هنالك
من يقول أن جولياني سيتخذ منحى إدارة بوش الجديد. أما على الجانب الديمقراطي فتأتي
هيلري كلينتن بموقفها المتصلب حيال الأمن القومي. فقد أولت باراك أوباما مهمة
اللقاء بالإيرانيين منذ شهور قليلة مضت.
إلا أن السيد كينث إم بولك, مدير البحث في مركز سابان لبحوث
الشرق الأوسط: "قد ترغب أي إدارة ديمقراطية معتدلة بإرسال وزير خارجيتها للاجتماع
بالإيرانيين ضمن شروط محددة." ورغم تصريح كلينتن بأنها لن تلتقي بأي من قادة إيران
أو سوريا أو كوبا أو كوريا الشمالية في عام حكمها الأول مالم تعرف نواياهم, لم
تستبعد لقاء مسؤول أدنى مستوى منها كوزير الخارجية لإجراء محادثات معهم. حيث يقول
لي فاينستاين, مدير أمن حملة هيلري الانتخابية: "إنها تؤيد إجراء مفاوضات مع
الإيرانيين بأسرع وقت ممكن."
وهنالك الكثير ممن يعتمدون على الأشياء المتعلقة بالرئاسة
الإيرانية. فالرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد سيرشح نفسه لولاية أخرى ربيع 2009؛ وهو
الشيء الذي لا تأمله أمريكا بل تتمنى وصول رئيس آخر أكثر اعتدالا كالرئيس السابق
علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
والواضح في الأمر أن قرار التكلم أو عدم التكلم مع الخصوم ليس
بالأمر الهين. فبالنظر إلى القائمة التي تطول وتضم أسماء البلدان والمنظمات
الإرهابية في البيت الأبيض, يتوقع للرئيس الأمريكي الجديد تخصيص وقت كاف لتقرير من
سيتحدث معه ومتى. فعلى سبيل المثال:
هل ستدعى كوريا الشمالية لإجراء محادثات ودية؟ لكن إدارة بوش
كانت قد بدأت بالفعل العمل على إنهاء اتفاقية تطبيع للعلاقات معها كبديل لنزع سلاح
شبه الجزيرة الكورية النووي. إلا أن هذه الإتفاقية لا تزال بعيدة المنال بعض الشيء,
والمتوقع لها أن تنهى على يد وزير الخارجية القادم.
أما فيما يخص إيران فقد صدر هذا الشهر تقرير المخابرات الوطنية
والذي أفاد بأن إيران قد توقفت عن العمل على الأسلحة النووية منذ 2003؛ مما يجعل
الأمر أسهل على الرئيس الجديد لإيجاد علاقات دبلوماسية مع طهران خاصة أن بوش كان قد
بدأها بالفعل. إلا أنه من المتوقع للأشهر الأولى أن تشهد تريثا على أمل أن يخسر
أحمدي نجاد الانتخابات الرئاسية مطلع 2009. والجدير بالذكر هو أن المفتاح الحقيقي
للوصول إلى إيران هو الوصول إلى القائد والحاكم الحقيقي لها إلا وهو آية الله
خامنئي.
ومن ناحية سوريا فقد اجتمعت رايس بنظيرها السوري مرتين هذا
العام, بل ودعيت سوريا إلى مؤتمر السلام للشرق الأوسط الكبير في أنابولس الشهر
الماضي. ويقول خبراء أن أمريكا بانتظار رئيس جديد يتمكن من إرسال سفير لبلده إلى
دمشق.
وحماس الأخرى والتي تعتبر منظمة إسلامية مسلحة إرهابية والتي
أيضا ربحت الانتخابات الفلسطينية وسيطرت على غزة؛ لذا, ففتح مجال الحوار معها لن
يكون أمرا سهلا. لكن ما سيجعله سهلا هو قيام الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس,
حبيب أمريكا ومدللها, بإقناع حماس بالاعتراف بإسرائيل. لكن الخبراء يقولون عن هذه
الفرصة بأنها صغيرة جدا.
ويأتي اسم حزب الله على القائمة الإرهابية أيضا مدعوما من قبل
سوريا؛ لكنه ليس بتعقيد حماس, فباستخدام العلاقات الأمريكية-السورية والتي هي في
تحسن الآن, قد يكون الأمر أكثر سهولة للتعامل معه. يقول دانييل ليفي مفاوض إسرائيلي
سابق للسلام: "الأمريكيون يتحادثون مع بري," مشيرا إلى شخصية لبنانية شيعية على
علاقة جيدة مع كل من سوريا وحزب الله.
وتبقى كوبا الخيار السيء ما دام فيديل كاسترو على قيد الحياة.
إلا أن وصول ديمقراطي إلى الحكم قد يساعد على إعادة مناقشة موضوع التجارة المعتدلة
والتي كانت قد أوقفت بوصول بوش إلى سدة الحكم.
وفي هذا الوقت يتطلع القذافي في ليبيا بحرقة إلى زيارة من رايس
والتي على الأغلب سيستضيفها قريبا. ومثل ذلك يتوقع من الإدارة المقبلة.
أما بالنسبة لهوغو شافيز رئيس فنزويلا فقد لا يدعى لتناول غداء
رسمي في البيت الأبيض بغض النظر عمن سيسد كرسي الرئاسة الأمريكي. لكن بذهاب بوش من
الرئاسة, سيتعين على شافيز, الرجل الفنزويلي القوي المستعر, أن يجد لقبا جديدا
براقا للرئيس المقبل, بعد أن كان قد وصف بوش بـ "الشيطان" أمام الجمعية العامة
التابعة للأمم المتحدة عام 2006. القوي الفينزويلي الناري سَيَكُونُ الذي يمرّ
بصعوبات للمَجيء بa اسم أكثر تلويناً لوَصْف الرئيسِ
القادمِ.
ترجمة طريف الحوري - سيريانيوز
بقلم هلين كوبر - نقلا عن نيويورك تايمز