على رئيس أمريكا المقبل تفادي عثرات وأخطاء إدارة بوش
جعل انهيار الإتحاد السوفييتي في القرن الماضي من الولايات المتحدة القوة الأكبر في
العالم لدرجة دعا فيها البعض القرن بأكمله بـ "القرن الأمريكي."
ورأى العالم فيها قيادة مطلعة وسياسات سباقة وأسلوب دبلوماسي
يتحلى بتعدد الجوانب. ورغم تلوث سمعة الرئيس كلينتون بقضية لوينسكي, ما يزال حتى
الآن يحظى باحترام العالم أجمع؛ وكان الرجاء أن يأتي الرئيس الخلف له ذا اطلاع
ودراية بالسياسة.
لكن وعلى مدى سبع سنوات قصيرة عمل بوش على تحويل نظرة وتفاؤل
العالم إلى محض خداع. إذ يستغرب العديد في الشرق الأوسط كيف قدر لرئيس واحد ارتكاب
حماقات عدة أساءت إلى السياسة الأمريكية وأخلاقية قيادتها!
ومما يعزى إلى سخرية القدر هو أنه رغم دعم سياسة بوش الشرق
أوسطية من قبل جهات الأمن القومي والاعتبارات والمصالح الإستراتيجية من جهة
المحافظين الجدد, كان للمسه بيده أي شيء أن يقوم بعكس ما نوي له, وبدل أن يصلح كان
يفسد.
وتشهد مغامراته بفداحة فشله في السياسة الخارجية, والتي لا بد
وأنها ستستغرق الولايات المتحدة سنينا عدة لتتعافى منها. وأخطاؤه العديدة تلك إنما
تنبع عن عدم إلمامه بالخلفية التاريخية لأي شيء, وكذلك توجهه الثقافي وتطرفه
الديني, إضافة إلى انحيازاته الاجتماعية والدينية والسياسية في أي بلد أقحم فيه
إدارته.
وبهدف إيراد بعض الأمثلة لا أكثر يمكننا القول: لم يكبح, أو
يروض, جماح أي سياسة أو حكومة انفصالية في عهده؛ ولا تمت السيطرة على المناطق
العشائرية في أفغانستان, والعداوة والارتياب بين السنة والشيعة والأكراد في العراق,
وهي الموجودة على مدى سنوات طويلة والتي من شأنها بعث الأمل في توطيد صداقة بينهم.
فما كان لإدارته تلك إلا أن تأتي إلى تلك البلدان وتقول لها: "نحن نعرف أي تكمن
مصلحتك؛" وهي الوصفة المكونة من التكبر الممزوج بالجهل والتي أثبتت سميتها.
هذا وقد كانت سياسة استعمار أفغانستان, من ناحية أولية, فكرة
جيدة ومقنعة. فالهدف كان طرد طالبان والقضاء على القاعدة بشكل كامل, ولهذا, دعم
المجتمع الدولي تلك الضربة. لكنه أخطأ في عدم طلب حلفائه لمساندته في القضاء على
فلول القاعدة وطالبان لمنعهم من الظهور مجددا وإعادتهما هيكلتهما من جديد, كما هم
عليه الآن.
ما السلام الفلسطيني-الإسرائيلي إلا وهم وخيال
وقد قرر في هذا الخصوص السيد بوش أن يخرج بفكرة الحرب على
الإرهاب وبذل المال والروح, وعلى حساب أبحاث الفلك, بدل أن يقوم بالتركيز على تلك
التشطيبات في حرب أفغانستان. فاختار الحرب في العراق التي لم تشكل أي خطر جوهري أو
تحز أية أسلحة دمار شامل.
وكانت هذه الحرب الزناد الذي أطلق الفتنة بين السنة والشيعة
متسببة بدمار هائل ونثر بذار التفرقة للأرض العراقية. فبات العراق منقسما على أهله
ومسلموه الأصوليون ضد الغرب. والأسوأ من ذلك تحول أرض العراق إلى ميدان لتدريب
وتأهيل كوادر الإرهابيين لكامل المنطقة.
وبالإضافة إلى ذلك, ترك السيد بوش المتقاتلين في حربهم لإيصال
حماس إلى مكانة سياسية تؤهلها للتفاوض مع حكومات, وذلك بدل أن يدفع بعجلة مفاوضات
كامب ديفيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين صيف عام 2000.
وما كان مؤتمر سلام بوش أنابولس إلا مسرحية هزلية بمعنى الكلمة.
وكان بعض أولئك المؤتمرين قد تعهد بضمان الهدف المعلن للتوصل إلى اتفاقية
إسرائيلية-فلسطينية بنهاية 2008, الشيء الذي يعرفه الآخرون باسم آخر ألا وهو
"الوهم."
وأي هوس تنعم به إدارة بوش لعزل سوريا وتهميشها؟ فقد دفعت بدمشق
فورا إلى حضن طهران, وهي النتيجة المؤكدة. وما كان من سوريا إلا أن تتحول إلى بلد
مخرب للإقليم الذي هي فيه, وذلك في رفض منها لسياسة تجاهلها وتهديدها بتغيير
النظام.
وقد أتاحت سياسة بوش لحزب الله فرصة التسلح حتى الأسنان
والمخالب واكتساب خبرة سياسية ودعم مادي يصله وحماس تباعا من إيران, في الوقت الذي
يغض فيه البعض الطرف عن الأسلحة والمتمردين المتسللين إلى العراق عبر الحدود.
ولم تكن عثرات الإدارة تلك في الشرق الأوسط بالفريدة. بل تحلت
الإدارة هذه بالتهور في التصرفات والأعمال اتجاه البيئة وإنكار حقوق الإنسان
الأساسية باسم الأمن القومي, وإرهاب وعزل العديد من الحلفاء, والإدمان والجشع اتجاه
النفط, والاستقلال بالسياسة الخارجية. ويسعنا القول هنا أن بوش هذا إما أنه غير
راغب أو أنه قادر على تغيير وإصلاح مشاكل إدارته قبل أن يغادر. والتحدي الأكبر يكمن
بالسؤال هنا: هل سيتمكن الرئيس الأمريكي المقبل من إنهاء هذه التحديات المتفاقمة
والواقفة أمام أمريكا؟
بقلم
: ألون بن مير - يديعوت أحرنوت
ترجمة
: طريف الحوري – سيريانيوز