يحبس العالم أنفاسه في انتظار ما ستؤول إليه الأزمة المفتوحة في سورية بعد استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في 21 آب في منطقة غوطة دمشق، وهو الاستخدام الذي لم يتم إثباته من خلال فريق التفتيش الدولي الذي أرسلته منظمة الأمم المتحدة، إذ انتهى الفريق من جمع العينات والدلائل ولم يعلن بعد عن توصله لأي استنتاج نهائي لتقديمه للأمين العام للأمم المتحدة، كما تتداول النخب السياسية والفكرية الأثر المحتمل لهذا النزاع على العديد من أزمات العالم وقضاياه المشتعلة، والتي طرحت على سطح الأحداث السياسية العالمية وبذلك أصبحت في مقدمة الأزمات والمشكلات التي تعرض لها الوطن العربي الكبير.
في جولة دبلوماسية جديدة في أوروبا سعى الرئيس الأمريكي أوباما الى محاولة توسيع الدعم الدولي لخطة واشنطن لتوجيه ضربات الى سورية غداة الانقسام السياسي الحاد الذي شهدته مجموعة العشرين في هذا الشأن.
في إطار ذلك فإن إدارة الرئيس الأمريكي ما يبدو مصممة على انتزاع موافقة من الكونغرس تسمح لها بتوجيه ضربة عسكرية لدمشق من دون تحديد زمنها أو حجمها، بالمقابل أكد الرئيس السوري بشار الأسد بأن بلاده سترد على الهجمات وحذر من خطر إندلاع حرب اقليمية في المنطقة.
وبالتالي سعت أمريكا الى تكوين تحالف دولي يضم حلفائها الرئيسيين بريطانيا وفرنسا، ولكن هذا التحالف قوض بعد تراجع رئيس الوزراء البريطاني من المشاركة في الحرب على سورية إثر تصويت البرلمان البريطاني برفض أية مشاركة في الحرب على سورية وهو ما مثل انتكاسة كبيرة للرئيس الأمريكي الذي كان يعوّل على الدعم البريطاني، ولذلك سعى بالحصول على شرعية من الكونغرس كي لا يقع عليه اللوم مستقبلاً في أي انتكاسة خطيرة كالتي حصلت بنظيره السابق جورج بوش من خلال إعلانه الحرب على العراق وأفغانستان.
فأمريكا تهدف من وراء عدوانها على سورية تركيعها والتخلص من ترسانتها العسكرية وإضعاف مقدرة الجيش العربي السوري ضمن محاولات فك التحالف الاستراتيجي الذي يربط سورية مع ايران وحزب الله ضمن مخطط يضمن لأمريكا تأمين أمن اسرائيل وتأمين مرور الغاز الخليجي عبر الأراضي السورية الى أوروبا وتمرير خط المياه من تركيا الى إسرائيل، مع رغبته بعقد اتفاقية سلام تربط سورية بإسرائيل والتوصل لحلول يضمن بقاء الجولان السوري تحت الهيمنة والقبضة الإسرائيلية، وهو بهذا يضمن أمن حليفه الاستراتيجي إسرائيل ويمكنّها من بسط هيمنتها وسيطرتها على المنطقة.
يتفق معظم المحللين السياسيين أن الأزمة السورية لم تعد نزاعاً داخلياً بين الحكومة والمعارضة بل أصبحت حرباً بالوكالة وصراع على سورية وفقاً للمصالح الاستراتيجية للقوى الإقليمية والدولية، وضمن الصراع على النفوذ في المنطقة لحصد المكاسب والمصالح يظهر اصطفافاً للقوى فهناك محوران اساسيان معنيان بالأزمة السورية فالمحور الأول، يضم الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا ومعهم بعض الأنظمة العربية التي تدعم المعارضة بالمال والسلاح كقطر والسعودية، فأمريكا تنطلق من سياسة استراتيجية هدفها الهيمنة على المنطقة للهيمنة على العالم استراتيجياً واقتصادياً وضرورة تفكيك المنطقة لتلافي خطر مستقبلي يمكن ان يهدد إسرائيل الركيزة الأساسية الموثوق بها في المنطقة، كما تهدف من هذه الحرب جر حزب الله الى مواجهة في الداخل السوري لإبعاده عن جبهة إسرائيل، لإنها تثق بأن حزب الله لن يترك الأسد يسقط لتسقط رهاناته معه وبذلك سيكون أفضل مكان لتصفية عناصر حزب الله، فضلاً عن إبعاد ايران عن البحر الأبيض المتوسط وكلاهما حليف استراتيجي لدمشق، يضاف الى ذلك إضعاف المقاومة العراقية التي يتمركز كثير من مقراتها في دمشق، وكذلك تنفيذ سيناريو سورية المعد مسبقاً لتقسيمها وحل القضية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية.
أما المحور الثاني فيضم روسيا وإيران وحزب الله والصين، فروسية ترى أن سورية هي حجر الزاوية للأمن في الشرق الأوسط وعدم الاستقرار أو الحرب سيؤدي الى زعزعة الاستقرار حتماً في الدول المجاورة، مما قد يؤدي الى فوضى حتمية في المنطقة بأسرها، ويشكل ذلك تهديداً حقيقياً للأمن الإقليمي ككل، لذلك من الواضح فأن الروس يعملون بقوة على ضمان استمرار النظام السياسي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد لضمان احتفاظهم المحصن المتبقي لهم قرب مياه البحر الأبيض المتوسط.
إن الوضع في المنطقة خطير للغاية بعد فشل كل الوساطة للتوصل لحل سلمي يحول دون العدوان الأمريكي على سورية وأن المنطقة جميعها تتهيأ للحرب التي قد تبدأ في أية لحظة لكن لا يمكن التنبؤ في نهايتها، ولا أحد يملك كيفية امتداد هذه الحرب وتأثيراتها ونتائجها، وإن المنطقة برمتها ستدفع ضريبة الصراع الأممي وهو صراع المصالح بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والذي سيرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط في المرحلة القادمة.
ففي إطار ذلك فان الروس والأميركيين يستغلون الأحداث الجارية في سوريا بهدف تشديد قبضة الغرب على واحدة من آخر الدول التي لا ترتبط مع حلف الناتو بأي نوع من الاتفاقيات أو التعاون، وتنصيب حكومة موالية للغرب، وربما حكومة تحالف الإخوان المسلمين تحت مظلة تركيا، بالإضافة إلى كسر التحالف بين إيران وسوريا، وتقديم إيران الشيعية كعدو جديد في المنطقة بدلا من إسرائيل الصهيونية، والأهم من ذلك، تشديد الحصار على روسيا وعزلها عن المتنفس الأخير لها في منطقة الشرق المتوسط والأدنى.
ما يجري في سورية الآن مرده عاملان أولهما، خارجي يتمثل في تقاطع مصالح دول عدة، وثانيهما داخلي ناجم عن تراكمات وتصفية حسابات، وما يجري له خصوصية بالغة لا تشبه ما في مصر أو ليبيا أو اليمن وما من سيناريو قادر على تحديد الخواتيم.
إن توجيه ضربة عسكرية غربية ضد سورية سيجر المنطقة بأسرها الى مواجهات كارثية فأمريكا لا تريد خيراً للمنطقة العربية، كما إنها لا تنتصر لدماء السوريين ولن تمكنهم من اختيار مستقبلهم على النحو الذي يحلمون به في تعزيز الحرية والديمقراطية.
إن الدول الغربية لا تتدخل في الشئون الداخلية الخاصة بالدول العربية من اجل عيون العرب، وإنما للقضاء على قوة هذه الشعوب لمصلحة إسرائيل، وأن التدخل الأمريكي أو الغربي عسكرياً في سورية لن ينتج إلا الفوضى التي انتهجتها في كل مكان حل فيه، كما ستؤثر بشكل مباشر على الدول المجاورة ليشمل العراق ومصر والأردن وإيران وإسرائيل ودول الخليج وتركيا وقوى المقاومة فهما حاضران في الأزمة السورية باستمرار، بمعنى أن هناك خطر وقوع حرب إقليمية تفضي للتغيير الجذري في المنطقة وهذا يعود إلى التهور الأمريكي وانعدام الضوابط الأمريكية وإملاء إرادتها على دول المنطقة.
وانهي مقالتي بالقول إن الحرب على سورية لها آثار مدمرة متى اشتعلت واستعرت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، وأن هذا العدوان سيكون كارثياً على مستقبل الأمة العربية وعلى سورية التي لن يغيب عن أذهان أبنائها أن من يعدون الحرب على فلسطين والعراق ومصر و.....هم أنفسهم من عادوا الإرادة الوطنية في سورية، وأن سياسة التخبط والتردد التي اتبعتها الولايات المتحدة الامريكية فشلت في هزيمة الشعب السوري من خلا ل توجيه بوصلة حب الوطن ضد كل ما تقوم به واشنطن ومحاصرة كل مغامرة تؤدي الى ضرب هذه الوحدة وزعزعة السلم الأهلي