news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
هل ستصمد روسيا وتواصل طريقها دولياً أم ستكتفي بلعب دور إقليمي؟ ... بقلم : الدكتور خيام محمد الزعبي

يعتبر التغيير هو السمة الأساسية الذي يطرأ على الأنظمة الدولية، فلا تكاد تمر حقبة زمنية إلا وتميزت بنظام دولي معين يهيمن فيه بعض القوى، وتتفاعل معه أخرى، إذ كشفت الأحداث الأخيرة على الساحة الدولية، عن بداية نهاية إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار الدولي وبداية تشكل نظام دولي متعدد الأقطاب.


ساهمت الأزمات الأخيرة والمتسارعة وعلى الأخص الأزمة السورية، والركود الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي وما عانته القوات الأمريكية من أعباء في العراق وأفغانستان وتحركات الأسطول والسفن الروسية الى مناطق لم تصلها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كل هذا يجعل العالم متاحاً لنظام عالمي جديد تكون فيه روسيا لاعباً أساسياً في المنطقة.

 

 لم تعد موسكو اليوم مجرد عاصمة كبرى، أو إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بل أصبحت عاصمة روسيا الاتحادية التي استطاعت أن تنافس واشنطن على مقعد رئاسة مجلس إدارة العالم.

 

تداولت النخب الثقافية والفكرية التحليلات السياسية ما بعد التراجع الأمريكي عن شن الهجوم العسكري على سورية، واتفاق جنيف الكيميائي بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، غير أن الثابت في كل ما جرى هو أن  الولايات المتحدة الامريكية لم تعد قادرة على اتخاذ القرارات الدولية بمفردها، لتعود روسيا بهذه القوة الى الشرق الأوسط من البوابة السورية، فالرئيس الروسي بوتين هو اليوم الشريك الأساسي في رسم المشهد السياسي والعسكري في المنطقة بما جعل الأحادية التي تمتعت بها الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة قد تراجعت.

 

لا شك بأنه أصبح هناك مؤشراً مهماً للتحولات التي قد تؤسس لواقع جديد للعلاقات الدولية والنظام العالمي المعاصر يتجسد في الكيفية التي نجح بها الرئيس الروسي بوتين مؤخراً من سحب البساط من الولايات المتحدة الأمريكية ، اللاعب الأهم والأكثر تأثير على المسرح الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدا هذا واضحاً من خلال مواقف روسيا وبوتين الذي يقودها للعودة الى المسرح الدولي بقوة مناوئة مقلقة للغرب، بأجندتها ومصالحها، وساعية لإنهاك الولايات المتحدة الامريكية أكثر في مسارح عمليات خارج مناطق نفوذ روسيا الاتحادية في القوقاز وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، الى درجة أن روسيا ترسل الآن مدمراتها وسفنها الحربية للمتوسط وتهدد بتسليح النظام السوري بأنظمة صاروخية دفاعية متطورة، بالإضافة الى تسليح إيران، الذي يهدد أمن حليفتها الاستراتيجي إسرائيل، فضلاً عن قدرتها عن تأمينها للغطاء والحماية ضد أي ضربة محتملة من الغرب وحلفائها للنظام السوري.

 

 فسوريا بالنسبة الى روسيا هي واحدة من أهم الدول في منطقة الشرق الأوسط، كما ترى أن سورية هي حجر الزاوية  للأمن في الشرق الأوسط وعدم الاستقرار أو الحرب سيؤدي الى زعزعة الاستقرار حتماً في الدول المجاورة، مما قد يؤدي الى فوضى حتمية في المنطقة بأسرها، ويشكل ذلك تهديداً حقيقياً للأمن الإقليمي ككل، لذلك من الواضح فأن الروس يعملون بقوة على ضمان استمرار النظام السياسي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد لضمان احتفاظهم المحصن المتبقي لهم قرب مياه البحر الأبيض المتوسط.

 

فالتردد الأمريكي ترك فراغاً كبيراً استطاعت من خلاله الدبلوماسية الروسية استغلاله وملئه بمبادرة غيرّت الموقف من التركيز على ضرب النظام  السوري  وإضعافه ثم إسقاطه الى قضية فرعية هي التخلص من السلاح الكيميائي السوري التي أعطت لإدارة أوباما مخرجاً من الاحراج والتردد، من خلال المبادرة الروسية التي ترتكز على وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت مراقبة دولية مقابل الامتناع عن الحرب التي كان أوباما على وشك شنها على سورية ، ومن الملفت للنظر هنا ملاحظة الكيفية التي حوّل بها بوتين روسيا الى لاعب مؤثر على مجريات الأوضاع الدولية عامة والشرق أوسطية خاصة.

 

بدت واشنطن مترددة في اتخاذ القرار رغم تهديدها بشن الحرب على سورية بينما بدت موسكو نشطة وقوية ومصرة على استعادة دور الاتحاد السوفيتي القديم كقطب فاعل ومؤثر في الساحة الدولية، فاستطاعت إعادة النظام السوري كعضو معاون مع الأمم المتحدة في نزع السلاح الكيمائي بعد انضمام سورية رسمياً الى معاهدة حظر الاسلحة الكيميائية، وشكل هذا القرار نقطة الانطلاق لاتفاق روسيا والولايات المتحدة حول الخطوات المشتركة التي ستتخذ للتعامل مع السلاح الكيميائي في سورية.

 

وبذلك أثبتت روسية بأنها قادرة على تعطيل أي قرار أمريكي في عدة ملفات وتوجيه مسارها نحو مصالحها ومن أهمها، الملف السوري الذي منعت فيه اتخاذ أي قرار دولي بالتدخل العسكري في سورية ومنع إدانة أو فرض عقوبات ضد مصر عقب ثورة 30 يونيو واستعدادها تقديم أي مساعدات اقتصادية أو عسكرية في حال محاولة الغرب فرض عقوبات على النظام الجديد فيها، بالإضافة الى رفض موسكو السماح  لواشنطن بتوجيه أي ضربة تجاه ايران او حيال كوريا الشمالية فضلاً عن منح اللجوء السياسي للعميل الأمريكي سنودن على الرغم من احتجاج واشنطن ومطالبتها بتسليمه لخرقه قوانين السرية التي أحرجت أميركا حتى مع حلفائها.

 

سعت روسيا إلى  استعادة مكانتها ووجودها على الساحة الدولية كقوة كبرى مناكفة لأمريكا في حكمها للعالم حيث تمكن قادة الكرملين من استعادة مكانة روسيا وبناء تحالفات مكنت القيادة الروسية من إعادة رسم خريطة العالم من جديد عبر تحالفات تمثلت في منظمة شنغهاي للدفاع والتعاون المشترك ومجموعة دول البريكس التي تضم في صفوفها غالبية سكان العالم والتحكم بإقتصادياته ، هاتان المجموعتان تقفان اليوم في وجه التوسع الأمريكي والتحكم والتفرد الأمريكي في حكم العالم ، أمريكا تعاني من وضع اقتصادي متردي ومن بطالة مستشرية بين صفوف مواطنيها كما أن اقتصادها لم يتعافى من الهزات التي تعرض لها، بالإضافة الى خسارتها في حروبها في افغانستان والعراق فضلاً أن هناك أصوات أمريكية تتعالى احتجاجا على السياسة الأمريكية الخارجية وهناك أصوات تعتبر إسرائيل عبئا أمنياً على الاقتصاد الأمريكي خاصة وان دافع الضرائب الأمريكي يدفع جزء من الضرائب المستحقة عليه لأجل تحقيق امن إسرائيل وان ما تقدمه الحكومة الأمريكية من دعم لا محدود لإسرائيل يكلف الخزينة الأمريكية مليارات الدولارات.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، بعد مجيء الرئيس الروسي بوتن الذي أراد استرجاع هيبة روسيا دولياً وتم ذلك بتحسين الأوضاع داخلياً ثم العودة تدريجياً من خلال مناطق النفوذ الإقليمية ثم الدولية، فهل ستصمد روسيا وتواصل شق طريقها دولياً أم ستكتفي بلعب دور إقليمي؟

 

في إطار ذلك هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وقضية سورية أحد تلك المؤشرات، وبالتالي فإن الصراع الروسي الأمريكي على سورية سوف يرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط.

 

 وأخيراً أرى أن الشرق الأوسط اليوم أصبح ساحة حرب للخلافات الدولية، حيث تتصادم مصالح دولتين عظميين، روسيا وأمريكا، وهذا العامل لا يمكن تجاهله أو نفيه، وإذا لم تستعد الولايات المتحدة الامريكية قوتها، لتساعد في حل وإدارة مشكلات المشتركات العالمية، فإن أي جهود في هذه القضايا لا تلبث أن تنهار لذا لا بد أن تحدد الولايات المتحدة الأمريكية رؤية جيوسياسية متكاملة طويلة الأمد، تتصدى لتحديات تغير التاريخ.

 

2013-09-21
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد