لإعتبارات عدة، ربما يمكن القول إن إيران أصبحت رقماً صعباً في معظم الملفات الإقليمية إن لم يكن في مجملها، سواء لجهة محاولتها تبوء مكانة إقليمية عبر مد نفوذها داخل دول الجوار أو لجهة إستنفار قوى دولية وإقليمية عدة لمنع إيران من تحقيق هذا الهدف، فضلاً من أن برنامجها النووي يمكن أن يشكل على المدى الطويل تهديداً لإسرائيل الحليفة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية والموثوق بها في المنطقة.
واليوم تنهال الاستراتيجيات على الرئيس الأمريكي باراك أوباما بهدف التأثير في التغيير الذي وعد به كعنوان لسياسته الخارجية ، وهذه الدعوات تأتي من هؤلاء الذين عملوا في إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون ، فيعطون بنصائح بعضها بعيد كل البعد عن التغيير الضروري في السياسة الأمريكية الخارجية وخاصة نحو منطقة الشرق الأوسط ، فبعضهم يروّجون للمكافأة كأداة من أدوات الترغيب بإعادة صوغ تحالفات استراتيجية جديدة، والبعض الآخر يدعون إلى المحاسبة وتصعيد اللهجة تجاهها خاصة مع سورية التي وجدت أمريكا في أزمتها فرصة لولادة شرق أوسط جديد خال من طموحات إيران النووية وربما من النظامين السوري والإيراني نفسهما.
كثيراً ما يستغل رؤوساء وزعماء العالم خلال شهر سبتمبر الإجتماعات واللقاءات السنوية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لإلقاء الخطابات المهمة أمامها، كما يتم في إطارها عقد اللقاءات الجانبية على هامش الاجتماعات بين العديد من أولئك القادة والزعماء لمناقشة طبيعة العلاقات بين دولهم ومستويات إرتقاءها وتطورها، وخاصة تلك الدول التي تشهد علاقاتها فتوراً أو توترات أو قطيعة مع الدول الأخرى.
كما يحددون في نطاق هذه الجمعية أسس ومرتكزات السياسة الخارجية والداخلية لبلدانهم، ويتطرقون فيها للنظام العالمي الذي تنطوي تحته العلاقات الدولية من حيث إيجابياته وسلبياته ومزاياه والطرق التي من شأنها تطوير وتفعيل آلياته بما يخدم الأمن والسلم الدوليين فضلاً عن تنشيط الإقتصاد والإستثمار والتجارة في مختلف أنحاء العالم.
ذكرت الصحيفة الأمريكية _" لوس أنجلس تايمز _" عن تقارب وجهات النظر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ذاكرة بأنه يتوقع بأن يعقد لقاء جانبي بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما ورئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني خاصة أن الرئيس الإيراني روحاني يعد رئيساً جديداً لإيران والذي يوصف بالانفتاح والاعتدال، بالإضافة الى تأييد إيران المبادرة الامريكية الروسية التي تتعلق بإخضاع الأسلحة الكيميائية السورية للإشراف الدولي وانضمام دمشق رسمياً الى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، وشكل هذا القرار نقطة الانطلاق لاتفاق روسيا والولايات المتحدة حول الخطوات المشتركة التي ستتخذ للتعامل مع السلاح النووي الإيراني، كون أن الولايات المتحدة لا ترغب بالإنجرار وراء حروب في الشرق الأوسط بعد خسارتها في حروبها في العراق وأفغانستان فضلاً أن هناك أصوات أمريكية تتعالى إحتجاجاً على السياسة الأمريكية الخارجية.
فالولايات المتحدة الأمريكية وضعت الملف الإيراني على نار هادئة رغبة منها في حل يكون إنجازاً ومهماً لإدارة الرئيس الأمريكي أوباما في إدارته الثانية، من خلال تفاهم الولايات المتحدة مع حلفائها الدوليين والإقليميين بفتح الطريق أمام الجهود الدبلوماسية التي ستبذل لإقناع إيران بممارسة الليونة المطلوبة وتقديمها الضمانات الكافية لطمأنة العالم بسلمية برنامجها النووي، وعلى رأس تلك الدول حليفتها الاستراتيجي إسرائيل، في إطار ذلك فإن الدول العربية الحليفة لواشنطن خاصة الدول الخليجية قد وضعت في الصورة، ومن غير المستبعد أن تكون خطوة المملكة العربية السعودية بدعوة الرئيس الإيراني روحاني لتأدية فريضة الحج كضيف على الملك عبدالله بن عبد العزيز أولى خطوات التقارب الذي تباركه واشنطن، وبالتالي فإن هذا المناخ سيعزز اللقاء المرتقب بين الرئيسين أوباما وروحاني على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بعدما أعطى روحاني إشارات عدة بعدم نيّته بمعاداة الغرب على النحو الذي كان يتبعه سلفه الرئيس أحمد نجاد، إنطلاقاً من أن عدم الاستقرار أو الحرب سيؤدي الى زعزعة الاستقرار حتماً في الدول المجاورة، مما قد يؤدي الى فوضى حتمية في المنطقة بأسرها، ويشكل ذلك تهديداً حقيقياً للأمن الإقليمي ككل.
كما أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تخفيف اللهجة حيال إيران وعدم إستفزازها بالتصريحات أو التهديدات بضربها كي يتسنى إشاعة أجواء مواتية بين جميع الدول المعنية بالملف النووي الإيراني وخاصة الدول المتضررة أو المتخوفة من هذا المجال، وفي هذا الإطار أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتياهو أن مباحثاته مع الرئيس الأمريكي أوباما في واشنطن نهاية الشهر ستتناول بالأساس سبل وقف البرنامج النووي الإيراني، مقترحاً أربعة شروط لوضعها أمام إيران لمواجهة تسلحها النووي هي، وقف عمليات تخصيب اليورانيوم بشكل تام، وإخراج اليورانيوم المخصب من إيران، وإغلاق المفاعل النووي في مدينة قم ثم وقف انتاج مادة البلوتونيوم، كما رأى رئيس الحكومة أن التهديد بقيام ضربة عسكرية هو الكفيل الوحيد لضمان نجاح أي عملية دبلوماسية ترمي لوقف التسلح بأسلحة غير تقليدية، إذ تبدي إسرائيل قلقها ومخاوفها من مآل البرنامج النووي الإيراني الذي تؤكده تقارير الاستخبارات الإسرائيلية بأنه يخطو وبشكل متصاعد نحو مراحل تصنيع وامتلاك الأسلحة النووية.
ساهمت الأزمات الأخيرة والمتسارعة وعلى الأخص الأزمة السورية في جعل الرئيس بوتين لاعب مؤثر على مجريات الأوضاع الدولية عامة والشرق أوسطية خاصة، بعد أن نجح في سحب البساط من الولايات المتحدة الأمريكية، اللاعب الأهم والأكثر تأثيراً على المسرح الدولي، من خلال اقتراحه بمبادرة غيرت الموقف الأمريكي من التركيز على ضرب النظام السوري وإضعافه الى قضية فرعية هي التخلص من السلاح الكيميائي السوري التي أعطت لإدارة أوباما مخرجاً من الاحراج والتردد بشن الحرب على سورية، وهذا ما دفع بوتين الى تطبيق النموذج السوري لحل الأزمة النووية الإيرانية، حيث طرحت الولايات المتحدة بالتنسيق مع روسيا تمكين الأمم المتحدة من القيام بزيارة مراقبة للمنشآت النووية في ايران، ليتسنى التثبت من أهداف مشروعها النووي، وفي شكل لا يستفز طهران ويحضّها على الموافقة.
كما إنه تم مؤخراً عن زيارة سيجريها الرئيس الروسي بوتين لإيران قريباً، إذ سيلتقي قيادات النظام الإيراني، وربما يكون اللقاء نقطة البداية لتسوية الملف الإيراني، خاصة بعد ترحيب واشنطن وقبولها بالمبادرة الروسية حيال الكيمائي السوري، وهذه الزيارة سوف تكون الأولى لطهران منذ ستة سنوات والتي ستعكس الرغبة الروسية الجادة في حل قضية النووي الإيراني سياسياً ومنع أي عملية عسكرية ضد طهران بسبب برنامجها النووي.
وفي إطار ذلك أعتقد أن الروس سيكون لهم دور هام ومؤثر في ترتيب اللقاء المرتقب بين أوباما وروحاني في نيويورك، والذي سوف يتناول العديد من الملفات واهمها العلاقات الإيرانية الأمريكية والملف النووي الايراني والعلاقات الإيرانية الإسرائيلية بالإضافة الى حزب الله في لبنان، وإشراك إيران في الحلول السلمية المتعلقة بالأزمة السورية التي سوف تحمل اسم جنيف 2 والتي سترعاها كل من أمريكيا وروسيا.
وأخيراً يمكنني القول بأنه لا بد للاعبين الإقليميين والدوليين البحث عن حلول أو أنصاف الحلول لإيجاد أرض مشتركة يلتقون عليها في إدارة أزماتهم والحد منها وإيجاد المخارج المناسبة لها، وإن الفترة المقبلة ستشهد إنفراجة في القضية النووية الإيرانية وربما يتم تسوية القضية سياسياً عبر وساطة ومبادرة روسية على غرار التي طرحتها فيما يخص الكيميائي السوري وهذا يتوقف على البعد الشخصي للرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الايراني روحاني الذي سوف يكون له أثر بالغ على صعيد تلطيف الأجواء بين الدولتين، كما أن التعاطي الجديد مع الملف النووي الإيراني خريطة طريق جديد تدفع باتجاه حل الأزمة السورية أيضاً.