يعتبر مؤتمر جنيف2 للسلام المزمع عقده في أواسط تشرين الثاني بارقة الأمل الأولى في سورية، وواحد من أبرز المحاور السياسية المهمة، وخطوة ضرورية باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية، فضلاً عن جدية المجتمع الدولي في حل الأزمة السورية، أو المساعدة في حلها على الأقل.
في وقت سابق اتفقت كل من موسكو وواشنطن على استئناف عملية مؤتمر جنيف الذي عقد في 30 حزيران من السنة المنصرمة، الذي دعا الى الانتقال السياسي للسلطة وذلك بتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية، وتعيين ممثلين من النظام السوري والمعارضة معاً، إضافة الى عدة نقاط تتعلق بوقف إطلاق النار من قبل الأطراف المتصارعة، وإطلاق سراح المعتقلين وتخصيص موارد مالية لإعادة إعمار البلاد، ووصول الإمدادات الإنسانية الى مختلف المحافظات السورية بأسرع وقت ممكن، وأثناء افتتاح جلسة مؤتمر جنيف الأول، أكد المبعوث الأممي العربي الى سورية كوفي عنان إن الأزمة السورية تفاقمت، وقد تشمل المنطقة بأكملها إذا لم يتوصلوا الى حل، ودعا اللاعبين الإقليميين والدوليين للتقارب والاتفاق حول الآليات التي تؤدي الى الخروج من تلك الازمة، إلا أن المؤتمر تأجل عدة مرات بسبب الانقسامات داخل المعارضة السورية وفقدان مصداقيتها في كثير من الأوقات، فضلاً عن الخلافات حول المشاركين في المؤتمر على الصعيد الإقليمي والدولي.
واليوم اتفقت موسكو وواشنطن على استصدار إعلان دولي بعقد مؤتمر (جنيف2) للتسوية السياسية للأزمة السورية، بمباركة وزراء خارجية الخمس الكبار في مجلس الأمن في اجتماعهم النيويوركي، وقد تبنى هذا المجلس قراراً ينص على تفكيك ترسانة الأسلحة الكيميائية في سورية، والسماح لخبراء دوليين بالوصول الى مواقع هذه الأسلحة، بعدما تمكنت الدول العظمى من تفادي ضربة عسكرية ضد نظام الأسد، أي بمعنى أن هناك حاجة الى أن تتحرك جميع الأطراف بسرعة للتوصل لحل سياسي لإنهاء الصراع الدائر في سورية، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أمام مؤتمر أصدقاء سورية في نيويورك بقوله " أن سورية ستنهار قبل أن يمكن لأي طرف أن يزعم تحقيق أي نصر عسكري ".
كما يبذل الآن الكثير من الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإنجاح هذا المؤتمر المنتظر لتعزيز الحل التفاوضي السياسي بين النظام وقوى المعارضة، وقد قدمت موسكو للولايات المتحدة الأمريكية في سبيل إنجاح هذا المؤتمر سلة عروض متكاملة تسبق الذهاب الى جنيف تشمل تلازم المسارات بين العملية السياسية والحكومة الانتقالية وأفضلية عملية نزع السلاح الكيميائي السوري، وضمان مشاركة جميع قوى المعارضة السورية في هذا المؤتمر، إضافة لمشاركة دول الجوار السوري واللاعبين الإقليميين وخاصة إيران وعلى ما عداها.
أكد مصدر أممي يعمل على تنظيم مؤتمر (جنيف)2، إن الأمم المتحدة أعلمت عرابي جنيف، من الروس والامريكيين، أن التحضيرات لانعقاده تتطلب 30 يوماً على الأقل، قبل دعوة جميع الأطراف الى الطاولة السويسرية، كما أوضح إن مبعوث الأمم المتحدة الى سورية الأخضر الإبراهيمي سيكشف عما آلت إليه التحضيرات لعقد المؤتمر في نهاية تشرين الأول، وبهذا الخصوص أشار وزير الخارجية الفرنسية فابيوس الى أن كلا من النظام والائتلاف الوطني للمعارضة السورية أبديا استعدادهما لإرسال ممثلين عنهما الى (جنيف 2)، كما أكد أن إيران يمكن أن يكون لها مكان حين يوافق هذا البلد صراحةً على هدف هذا المؤتمر وقال " لقد طرحت المسألة على وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف وكان الرد معقداً إلا أن فابيوس أوضح تأكيد ظريف له بأن الإيرانيين سواء كانوا مدعوين أم لا، سيبذلون كل ما بوسعهم لضمان نجاح هذا المؤتمر، وبصدد ذلك أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني ن بلاده ترغب في المشاركة بشكل فاعل ومؤثر في مؤتمر سلام قد تتم الدعوة إليه لوقف الحرب في سورية، وقال " إن إيران إذا شاركت في مؤتمر جنيف أو أي اجتماع دولي آخر ستلبي الدعوة بشكل فاعل بما فيه مصلحة الشعب السوري ".
وفي إطار ذلك أكد وزير الخارجية والمغتربين السوري وليد المعلم أن الحكومة السورية جاهزة للذهاب إلى جنيف من أجل الحوار مع المعارضة الوطنية، ونقلت «سانا» عن المعلم قوله في حديث لقناة "سكاي نيوز عربية ": إن مؤتمر جنيف يستطيع التوصل إلى برنامج سياسي ووثيقة عمل سياسية تعرض على الاستفتاء الشعبي حتى يكون الشعب السوري هو صاحب القرار في تقرير مستقبله، وشدد المعلم على أن أي حل يأتي من مؤتمر جنيف ولا يقبل به الشعب السوري هو حل غير قابل للتطبيق، لافتاً إلى أن قدرة المؤتمر على إيجاد الحل تتوقف على المشاركين فيه ومن يريد حلاً حقيقياً لمستقبل سورية، وقال: الحكومة مستعدة للحوار مع كل الأحزاب المعارضة المرخصة في سورية فالمعارضة الوطنية هي التي تختلف مع الحكومة على قضايا محددة وتريد إيجاد حل لها عبر حوار يؤدي إلى حلها وإلى مشاركة المعارضة في حكومة وحدة وطنية وفي الانتخابات البرلمانية.
وبالمقابل رحبت أطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج بالاتفاق الأميركي الروسي على مشروع قرار حول سورية معتبرة ذلك خطوة باتجاه الحل الشامل للأزمة السورية عبر مؤتمر (جنيف2)، حيث أكد رئيس الائتلاف أحمد جربا مؤخراً في رسالة الى مجلس الامن الدولي، إن الائتلاف سيحضر المؤتمر أذا كان يهدف الى تأسيس حكومة انتقالية بسلطات كاملة، فيما أعلنت السلطات السورية سابقاً موافقتها الحضور دون شرط مسبقة.
لقد شهدت البلاد منذ نحو عامين ونصف، أعمال عنف وقصف، فضلاً عن معارك بين مسلحين ومعارضين والجيش النظامي في حيث تغيب الحلول السياسية، وتتبادل كل من السلطات والمعارضة المسؤولية عن الأحداث وعرقلة الحل السياسي في وقت يسقط المزيد من الضحايا يومياً.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل سيعقد المؤتمر في الموعد المؤتمر؟
ليست هناك إمكانية لوضع حد للنزاع إلا من خلال إنعاش عملية التسوية السياسية للأزمة السورية عبر عقد مؤتمر سلام يعتمد على مرجعية بيان جنيف الصادر في 30 حزيران عام 2012م.
وبتقديري هناك تفاؤل كبير بارتفاع احتمالات انعقاد المؤتمر الدولي للسلام (جنيف2) في الموعد المقرر الجديد، إذ أن أي تأخر في انعقاد هذا المؤتمر سيصبح عاملاً مهدداً لقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على حشد الائتلاف في المفاوضات إزاء النظام السوري والروسي، هذا إذا ما تبقى شيء من الائتلاف والجيش الحر في المواجهة الجارية مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام "(داعش) وفصائل أخرى، فضلاً عن تراجع القدرة الروسية الامريكية على إجبار النظام السوري على تقديم أي تنازلات للائتلاف الذي يواجه منذ اسابيع عملية استنزاف سياسي وعسكري من داعش، هذا مما قد يؤدي الى انقلاب في ترتيب القوى والموازين الأساسية في سورية بسبب المواجهات الجارية بين الجهاديين والجيش الحر.
وبالتالي هناك العديد من العوائق التي يمكن ان تعرقل مجريات المؤتمر الدولي المنتظر (جنيف2) أهمها، الاختلافات في وجهات الرأي، فالنظام لا يقبل التفاوض على السيادة الوطنية وقسم من المعارضة ترفض الحوار بوجود الأسد، بالإضافة الى عدم احتمال التزام المعارضة بالآليات والقرارات التي ستتخذ ما لم يكن هناك حل سياسي حقيقي يضمن حقن الدماء في سورية، فمظاهر القتل والعنف فيها وصلت الى أعلى درجاتها حيث تجاوزت كل الأعراف وتقاليد الحروب في المجتمعات الإنسانية.
وأخيراً انهي مقالتي بالقول إن مؤتمر جنيف لا يحل محل الحوار الداخلي، وهو بالتأكيد لا يحل محل رأي الشعب، وإذا توفرت شروط الحل السياسي الحقيقي سيكون مؤتمر جنيف الثاني خطوة تمهيدية وناجحة لتجاوز الأزمة السورية وحماية التراث والمقدرات الوطنية من السلب والنهب، لذا يجب على جميع الأطياف السورية أن تشارك في مسار التفاوض السياسي من خلال المشاركة الفعالة في المؤتمر المزمع عقده "جنيف 2 " بغض النظر عن حجمها أو موقفها لإيصال سورية الى بر الأمان، ووقف إراقة الدماء والحفاظ على وحدة سورية وتعددية مجتمعها، وتحقيق الطموحات المشروعة للشعب السوري.