news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
ليلة ... بقلم : ريم الأتاسي

السعادة .. لماذا غالباً ما تنتهي بالدموع، مع أنها مجرد لحظات إلا أنها دائماً ما تخلف وراءها حزناً قد لا يستطيع الزمن معالجة ندوبه رغم عمليات التجميل التي نقدم على المخاطرة والتعرض لها كي نخفيها!


دعاني عبر الهاتف من مكان عمله للذهاب والتنزه في الخارج، قضينا ليلة رومانسية تاريخية بالنسبة لزوجين مضى على زواجهما أكثر من سبعة سنوات..

تناولنا العشاء في مطعم فاخر، تحدثنا حتى مل التكلم منا، واضطررنا في النهاية لقطعه مكرهين حينما فرغ المطعم، واستأذننا النادل بالمغادرة..

لم أذكر بأنني ضحكت كذلك اليوم، أو شعرت بسعادة كتلك التي شعرت فيها ذلك اليوم، كان الجو لطيفاً والشارع يعمه الهدوء، رغم الازدحام الذي خلفته استعدادات العيد..

 

دعاني للسير معه أمام الشاطئ الذي غدا بحره بعيداً بسبب السور العالي الذي بني قبالته، مشينا بصمت، كنا نستمع إلى أمواج البحر المتضاربة، خلع معطفه وضعه على كتفي، ثم أخذ بيدي ورحنا نسير كعاشقين التقيا للتو..

 

-         لقد كانت امسية رائعة حقاً، لقد كنت بأمس الحاجة لها .. شكراً لك..

-         إنك تتعبين كثيراً بعملك، رغم أن من يقرأ يشعر بأن الكلمات تخطها دقات قلبك لا أناملك..

-         شكراً لك .. لكنها حقاً تخرج من قلبي .. عندما يصل الكاتب إلى درجة الشهرة يصبح من الصعب عليه أن يقدم مشروعاً أدبياً فاشلاً ألا تعتقد ذلك؟

-         أجل .. أعتقد ذلك..

-         لكن لم تطلعني بعد على سر هذه الدعوة المفاجئة..

 

يتوقف عند أحد بائعي القهوة يشتري كوبين، يقدم لي واحداً ثم يتابع سيره بصمت، نتوقف عند نهاية السور، ننظر إلى المنحدر الرملي، ينظر إلي مبتسماً..

-         ماذا .. مستحيل هل تريد منا أن نجري كالأطفال إلى الأسفل، لا .. لن أقوم بمثل هذا العمل الجنوني، سنصطدم بالصخور وربما نسقط في البحر..

-         ولم لا.. دعينا نعيش اللحظة، لن يرانا أحد، سنعود قبل صعود الشمس، الجو دافئ لن تشعري بالبرد .. ثم أن مياه البحر دافئة .. هيا..

يمسك بيدي تجذبنا الرمال نحو الأسفل، نجري ونحن نصيح ونضحك، نصل إلى الشاطئ نتزحلق بأحد الصخور الرطبة.. نسقط في المياه..

-         ألم أقل لك بأننا سنسقط..

 

يضحك بصوت مرتفع، يقترب مني يضمني إلى صدره، أرشه بالماء يرشني، أجري مبتعدة لكنه يلحق بي ويمسكني من طرف ثوبي..

نقف للحظات متقابلين كما في فيلم سينمائي، أقترب مني، اعتقدت بأنه سيقبلني، لمحت دمعة فضية تلمع في عينيه على ضوء القمر..

-         ما الأمر؟

-         اليوم قرأت الإهداء في روايتك الجديدة، لقد طعنتني الكلمات، أودت بروحي إلى عالم الضياع، أنا آسف يا زوجتي العزيزة لكنك هذه المرة لم تبصري في عيني الحقيقة، وأنا لست بالرجل المخلص الذي تتمنين البقاء معه حتى الأبد..

 

-         عن ماذا تتحدث؟

-         عن روايتك    " الإخلاص   ".. هذا ما أتحدث عنه، لقد كنت تكتبين عني يا زوجتي دون أن تشعري، فأنا أشبه البطل في كل شيء إلا في الملامح..

-         لكن..

 

-         أرجوك دعيني أكمل كلامي، دعي هذا العبء الذي يطبق على قلبي يسقط عنه.. أنا خنتك ثلاث مرات وكما كانت حال البطل مع امرأة تعرف عليها واعتقد أنه أحبها واقتبس عنك قوله:   " اعتقدت أنني واقع في غرامها، لم استطع مقاومة إغراءاتها وسريرها المشتعل، ذهبت إلى بيتها وأنا مستعد لكل شيء، ذهبت ولا خوف في نفسي يمنعني من تقبيلها، ولا مياه في العالم تستطيع إطفاء نارنا.. ولو كان هذا الحب على حساب أسرتي فأنا مستعد لأن أدفع الثمن.. لكنني في المرة الثالثة والأخيرة اكتشفت وأنا في السرير معها أنها مجرد عاهرة اختلطت على جسدها رائحة الذكورة حتى تحولت إلى زهرة بالية نتنة الرائحة.. عيونها جامدة.. وجسدها بارد لكثرة ما مرت فيه تيارات الخطيئة.. إنها زانية .. وأنا زاني وقصاصي أستحقه وهو أن أرشق بالحجارة حتى الموت..   "..

سقطت الدموع من عيني لدى سماع كلماته، سبحت مبتعدة عنه، صاح باسمي لكنني لم أجب، ثم راح يتكلم معي من مكانه..

 

-         لكن البطلة استطاعت أن تسامح البطل لأنه أحبته، ولأنها تعلم بأنه لا رجل في العالم لا يخون، سواء في الفراش أو بنظرة عين..

 

صعدنا إلى السيارة، جلسنا قليلاً نحدق بالأفق، نراقب شروق الشمس، أحسست بجسدي يرتعش من البرد، أدار محرك السيارة أشعل سيجارة، لكنه لم يبرح مكانه..

-         لقد كتبت هذه الرواية عنك..

-         ماذا؟

-         أصعب ما تعانيه المرأة الكاتبة هي أنها لا تستطيع فصل عاطفتها عن كلماتها، لذا غالباً ما تراها تكتب عن العواطف، إنها تكتب عن الدين، عن الوطن، لكنها تبرع في التحدث عن الحب والخيانة، والأسرة ..

-         لماذا لم تحدثيني بالموضوع قط؟

-         لأنني لم أشأ أن أرى تلك النظرة المثيرة للشفقة ترتسم على وجهك..

-         أقسى ما فيك يا زوجتي العزيزة أنك تصفعين بالكلمة، تطعنين بالشعر خنجراً، وتقتلين بالنثر..

 

-         في نهاية الرواية تحزم البطلة حقيبتها وترحل إلى العاشق الذي هربت من حبه كي لا تقع في شرك الخيانة، ترحل لأنها علمت بأنها حتى لو سامحت زوجها فهي لن تنسى وستبقى حتى آخر لحظة في حياتها تنتظر الفرصة المواتية للانتقام منه..

-         لكنك من المستحيل أن تقدمي على مثل هذا الفعل..

-         ولم لا؟

-         لأنك أطهر من أن تقومي بكذا شيء..

-         وكنت بفعلتك أقذر من الشيطان لتقوم بكذا شيء.. فعلى ما تراهن يا عزيز.. على أن يتحقق حلم ابليس في الجنة.. اطمئن لن أرحل فروايتي الجديدة ستعيد لي حقي..

-         ماذا تقصدين؟

-         إنها الرواية الأخيرة، بعدها لن أكتب شيء..

-         لم أفهم..

 

-         كنت في جميع رواياتي السابقة أتحدث عنك، كنت أهديك تعب قلبي وقلمي لكنك برهنت بعد كل هذا العناء أنك لا تستحق شيئاً من هذا الكلام، لقد استمتعت بهذه الأمسية، واستمتعت معه أيضاً بكثير من الأمسيات، إننا متعادلين يا عزيز، وأقتبس أول جملة من روايتي الجديدة:   " الرجل يخون بجسده أما المرأة فتخون بروحها، وجسد قذر مع روح قذرة هذا ما يريده العالم ليحقق قذارته، ليبرهن مدى شروره وسوئه .. إننا نستحق الحروب، والدمار شيء لا يقارن أمام الانهيارات التي تحدث في داخلنا، والزلازل ماهي إلا رياح صاخبة، والتلوث ما هو إلا ردة فعل نستشفه ونزفره، إننا نستحق كل لحظة معاناة، لهذا لا توجد السعادة في حياتنا إلا للحظات!   "..

2013-11-09
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد