نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً مطولاً استعرضت فيه سياسة أوباما حيال الوضع الراهن في سورية منذ أذار 2011 ، والتطورات اللاحقة التي جرت عليها منذ ذلك الحين خلال المداولات التي كان يُجريها الرئيس أوباما مع فريق الأمن القومي في غرفة متابعة الموقف بالبيت الأبيض ، والتي بلغت ذروتها بالتهديد بتوجيه ضربة عسكرية بعد استخدام الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق يوم 21 آب الماضي ، ومعظم الأحداث التي تضمنها التقرير سبق وأن نشرتها الصحيفة نفسها ، وربما غيرها . وفيما يلي ملخص لأبرز ما جاء في التقرير
1- ساد اجتماع أصدقاء سورية في لندن يوم الثلاثاء الماضي حقيقة أن موقف الرئيس الأسد بات اليوم أقوى من المعارضة التي أصبحت ضعيفة ، ومنقسمة أكثر على نفسها ، وتهيمن عليها بشكل أكبر المجموعات الجهادية ، في حين أن مستقبل سورية في بداية الأحداث لم يكن يبدو مُعقداً ، فلم يكن أحد يعتقد بأن الرئيس الأسد يُمكن أن ينجو منها . فثورات الربيع العربي بدا كما لو أنها تكتسح كل ما أمامها في ليبيا ومصر وتونس . وكانت وكالات الاستخبارات الامريكية تقدم إلى البيت الأبيض والخارجية تقارير دورية تفيد بأن أيام الرئيس الأسد باتت معدودة ، وهذا ما حدا بالرئيس أوباما إلى إصدار بيان يوم 18 آب 2011 قال فيه " لقد حان الوقت لكي يتنحى الرئيس الأسد " . البعض في الإدارة ساورهم القلق من إصدار مثل هذا البيان في غياب أي استراتيجية تساعد على تحقيق ذلك ، ولكن هؤلاء كانوا قلة قليلة . وكان موقف أوباما منذ البدء عدم تصوره لأي تدخل عسكري حتى في الوقت الذي تصاعدت فيه الدعوات لإنشاء منطقة حظر جوي في سورية لحماية المدنيين من عمليات القصف .
2- وفي أواخر صيف العام 2012 بدأت وكالات الاستخبارات الأمريكية بالتقاط اتصالات تتضمن إشارات تنذر بالسوء بأن القوات الحكومية تقوم بتحريك الأسلحة الكيماوية ، وربما تقوم بإعدادها تحضيراً لاستخدامها . وعقد أوباما إثر ذلك عدة اجتماعات عاجلة ، وفي يوم 20 آب 2012 أدلى بتصريح في مؤتمر صحفي كان من شأنه أن يُلاحقه في المستقبل وهو أن استخدام الأسلحة الكيماوية خط أحمر لا يُمكن تجاوزه ، وإذا ما حصل ذلك فسيؤدي إلى تغيير حساباته ، وإلى تغير المعادلة .
3- وفي بداية العام الحالي صدرت تقديرات استخباراتية أمريكية جديدة ، وبشكل يُخالف كل ما كان المسؤولين في الإدارة يقوُلونه منذ أكثر من سنة ، أنعشت المناقشات السابقة حول تزويد المعارضة بالأسلحة والتي شهدت انقسام حاد بين مؤيد ومعارض يعتبرها عديمة الفائدة ولن تؤثر على مجريات الحرب في سورية . وقد قال بنيامين رودس نائب مستشار الأمن القومي " نحتاج لأن نكون واقعيين بخصوص قدرتنا على فرض الأحداث في سورية . وفي غياب أي خيارات أخرى جيده ، عمد البعض إلى الدعوة لتقديم الدعم العسكري للمعارضة بوصفة الحل النافع للوضع ، ولكن يتعين النظر إلى ذلك كتكتيك ، وليس كاستراتيجية "
. وقد أدى تدهور وضع المعارضة ، وشعور البعض من المسؤولين في الإدارة ، الذين كانوا يُعارضون تزويدها بالسلاح مثل دونيلون مستشار الأمن القومي الأسبق ، والسيدة رايس مستشارة الأمن القومي الحالية ، إلى تغيير مواقفهم المؤيدة لتزويد المعارضة بالسلاح . في حين بقي السيد دنيس ماكدونوف ، والذي ربما يُعتبر من أقرب المساعدين لأوباما بصفته رئيس موظفي البيت الأبيض ، من المشككين حيال المسألة ، وكثيراً ما كان يتساءل عن مقدار مصلحة الولايات المتحدة في إخماد العنف في سورية . وخلال زيارة قام بها خلال شهر حزيران مع عدد من أعضاء الكونغرس إلى القاعدة البحرية في خليج غوانتانامو ، قال ماكدونوف أن الوضع الراهن في سورية يُمكن أن يُثبت إيران في موقعها لعدة سنوات قادمة . كما أشار في مناقشات جرت لاحقاً إلى أن حدوث قتال في سورية بين القاعدة وحزب الله سيكون في مصلحة الولايات المتحدة ، وذلك وفق مسؤولين في الكونغرس .
4- وقد أكدت هذه التقديرات الاستخباراتية الجديدة بأن الحكومة السورية ليست في خطر الانهيار، وبأن القوات الحكومية بدأت تستعيد المبادرة في الحرب الأهلية ، كما أن وتيرة الانشقاقات في الجيش قد تباطأت ، وشحنات الذخيرة من إيران قد سدت النقص الموجود في مخزونات وحدات الجيش التي كانت تشتكي في فترة من الفترات بوجود نقص لديها في السلاح والذخيرة . وهذا الوضع لا ينطبق على المعارضة التي كانت تشتكي بدورها من نفاذ الذخيرة والتجهيزات لديها . كما أن مستوى معنويات أفرادها كان منخفضاً . وقد خلصت تقارير الاستخبارات هذه إلى أن المجموعات المرتبطة بالقاعدة مثل النصرة قد أصبحت على نحو متزايد القوة المهيمنة في صفوف المعارضة المسلحة .
5- وبالإضافة إلى هذه المكاسب التي تحققها القوات الحكومية ، كانت هناك أدلة متزايدة على أن القوات الحكومية قد قامت عدة مرات باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين . وقد أدى ذلك إلى إعطاء مناقشة تزويد المعارضة بالسلاح صفة العُجالة من جديد . ومع ذلك نادراً ما كان الرئيس أوباما يُعّبر عن رأي قوي حول ذلك خلال اجتماعاته مع كبار مستشاريه . ويقول هؤلاء بأن لغة الجسد لأوباما خلال هذه الاجتماعات كانت مُعبَرة ، فهو في بعض الأحيان كان يبدو قليل الصبر، وفي أحيان أخرى يبدو وهو يستمع للمناقشات بأنه غير مُتابع لها ، وأحيانا كان يتلهى باستعراض الرسائل الواردة على هاتفه بلاك بيري ، أو يقوم بالتراخي في مقعده ، وبمضغ اللبان .
6- وفي بعض أحاديثه كان أوباما يُعبّر عما يُفكر فيه لمساعديه ، وقد وصف الوضع في سورية في إحدى المرات بأنه أحد المشاكل الجهنمية التي يُواجهها كل رئيس حيث تكون المخاطر لا حدود لها ، والخيارات قليلة وسيئة في نفس الوقت . وقد تغيرت سياسة أوباما نتيجة للضغوط في اعقاب الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل والأردن خلال شهر آذار الماضي حيث حذره نتنياهو من وقوع الأسلحة الكيماوية السورية في أيادي حزب الله . ولكن الضغوط كانت أكبر في اليوم التالي خلال الزيارة إلى الأردن حيث تناول أوباما العشاء في وقت متأخر من الليل مع الملك عبد الله وكيري حيث كان الأردن يُعاني من تحمل أعباء أكثر من مئة ألف من اللاجئين السوريين ، وقام الملك بحّث السيد أوباما على القيام بدور أكثر نشاطاَ في محاولة وضع نهاية للحرب . أما المسؤولون الأردنيون فقد عرضوا على أوباما حتى السماح لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية باستخدام الأردن كقاعدة لتنفيذ الهجمات بالطائرات بدون طيار في سورية ، وهو عرض كانت ترفضه الإدارة الأمريكية باستمرار .
7- وحدث تحول في مداولات فريق الأمن القومي حول تسليح وتدريب المعارضة أو عدمه إلى حول كيفيه تنفيذ ذلك . وكان هناك خيار بأن يقوم البنتاغون بذلك ويتم الإعلان عنه ، أو أن تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويبقى طي الكتمان . واستقر الرأي على الخيار الثاني لثلاثة أسباب . الأول وجود عراقيل قانونية كثيرة تقف أمام دعم الولايات المتحدة بشكل علني للجهود الرامية إلى الإطاحة بحكومة أجنبية . والثاني تمكين البيت الأبيض من إنكار قيامه بشكل رسمي بتقديم مساعدات قتالية للمعارضة . والثالث المخاوف من وقوع هذه الأسلحة في أيادي المجموعات الجهادية ، وكما قال أحد المسؤولين السابقين في الإدارة " نحتاج إلى وسيلة إنكار معقولة في حال وصلت الأسلحة الى أيادي جبهة النصرة " .
8- وخلال فصل الربيع ، استمرت إيران في دعمها للقوات الحكومية ، وقام مقاتلو حزب الله بالمشاركة في الهجمات التي تقوم بها هذه القوات ضد قوات المعارضة . وكانت المعارضة تنهار . وفي العاشر من شهر حزيران الماضي كان معروضاً أمام الرئيس أوباما مذكرة سرية تعطي صورة قاتمة عن الوضع ، وتضمنت ذكر لقائد قوات المعارضة اللواء سليم إدريس . وجاء في المذكرة " نحن نسير نحو أسوأ حالات السيناريو لدينا : تبخر المكاسب التي حققتها المعارضة ، وانهيار المعارضة المعتدلة ومن ضمنها سليم إدريس ، ووجود مناطق جغرافية واسعة غير محكومة ، وصمود الأسد في موقعة إلى الأبد ، وبلدان الجوار في خطر ، وإيران وحزب الله والميليشيات العراقية ترسخ وجودها هناك " .
9- وجرى إثر ذلك اجتماع في غرفة متابعة الموقف بالبيت الأبيض لكبار مستشاري الرئيس أوباما ، وكان معروضاً أمام الاجتماع ورقة تتضمن نقاط للحديث أُُعدت لكيري لعرضها في الاجتماع ، جاء فيها " يتعين علينا أن نتمهل بخصوص انعقاد مؤتمر جنيف بسبب الفوضى الحاصلة ضمن الائتلاف ، وبسبب سوء الوضع الميداني " . وواجهت الإدارة مشكلة أخرى وهي أنه لم تعد هناك شكوك لدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية بقيام القوات الحكومية باستخدام الأسلحة الكيماوية عدة مرات ضد المدنيين مما يُشكل انتهاك للخط الأحمر الذي وضعه الرئيس أوباما ، وبات الأمر يتطلب من البيت الأبيض اصدار بيان علني يُظهر فيه استعداده لاتخاذ خطوات ملموسة نتيجة لذلك .
ولكن الذي حدث بعد ذلك شكل مفاجأة للجميع من البنتاغون إلى الخارجية وحتى إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حيث خرج السيد رودوس في مؤتمر صحفي ليعلن أن الرئيس أوباما قرر تقديم مساعدات عسكرية إضافية للمعارضة ، وبأن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ستتولى القيام بذلك . ولكن لم يُدلي الرئيس أوباما بنفسه بأي تصريح علني حول ذلك . والإدارة التي كانت طيلة سنتين ماضيتين تقول لأعضاء الكونغرس بأنها مصممة على تجنب القيام بتدخل عسكري في سورية تجد نفسها أنه بات يتعين عليها الآن اقناع هؤلاء الأعضاء بالموافقة على تخصيص الأموال لبرنامج تسليح وتدريب المعارضة . وبدأت الإدارة القيام بحملة مكثفة في اللجان الاستخباراتية في الكونغرس بمجلسيه ، وتطلب الأمر عدة أسابيع للتغلب على مخاوف بعض المتشككين حول إمكانية وقوع الأسلحة ، والتي لا تتضمن صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف ، في أيادي المتشددين ، إلى أن جاء خبر وقوع الهجوم بالأسلحة الكيماوية في ريف دمشق التي أصبحت على رأس أولويات جدول أعمال الرئيس أوباما .
10- وخلال ساعات قليلة من نشر هذا الخبر بدأ المسؤولون في الإدارة يُطلقون إشارات مختلفة تفيد بأنهم يستعدون لتوجيه ضربة عسكرية انتقامية ضد الحكومة السورية لقيامها بهذا الهجوم . وهي فكرة كانت ترفضها الإدارة باستمرار. وفهم أعضاء الكونغرس من سعي الرئيس أوباما إلى الحصول على موافقتهم على تنفيذ الضربة بأنها إشارة على أنه لا يزال غير مقتنع بأن التدخل هو فكرة صائبة . في حين أوضح أحد كبار المسؤولين في الإدارة أن ذلك كان مرده الرغبة في عدم تنفيرأعضاء الكونغرس من أوباما الأمر الذي يُمكن أن يُقوض من تأييديهم لمسائل خارجية أخرى أصعب وخاصة مثل إيران .
11- وفي اعقاب استلام السيدة رايس منصب مستشارة الأمن القومي ، طلب منها أوباما القيام بمراجعة عامة للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ، وبجعل سورية جزء مـن سياسة أوسع تضم كل من إيران ومسيرة السلام في المنطقة . وقد اجتمع أوباما مع مكين وليندسي في البيت الأبيض ، واتفق معها في الرأي بأن جهود تزويد المعارضة بالأسلحة كانت بطيئة ، لكنه أخبرهما بأن المجموعة الأولى المؤلفة من 50 من مقاتلي المعارضة الذين انهت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تدريبهم في الأردن سوف يعودون قريباً إلى سورية ، وذلك وفق مسؤولين مطلعين على وقائع الاجتماع .
12- وكان الهدف من عودة هذه المجموعة هو للقيام بتدريب مجموعات أخرى أكبر في داخل سورية بحيث يتم بذلك توسيع نطاق جهود الوكالة المحدودة لبرنامج التدريب في الأردن . وقد أوضح بعض المسؤولين في الادارة عدم وجود خطة لتوسيع هذا البرنامج من خلال تكليف البنتاغون به عوضاً عن الوكالة خشية أن يؤثر ذلك على الجهود الجارية حالياً لإزالة ترسانة الأسلحة الكيماوية في سورية ، ولعقد مؤتمر جنيف . الصحفيون : مارك مازاتي ، روبرت وورث ، مايكل غوردون . نيويورك تايمز . الأربعـاء 23-10-2013 .