news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
افتتاحية الأوبزرفر:الاتفاق مع إيران ـــ تحية لقوة الدبلوماسية المتأنية .. ترجمة : محمد نجدة شهيد

في الأسبوع الماضي قال ولي نصر ، عميد كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية العليا في واشنطن ، لصحيفة نيويورك تايمز واصفاً الاتفاق المرحلي في جنيف مع إيران بشأن برنامجها النووي ،   " بغض النظر عن رأيك في الاتفاق ، فهو يُشكل اتفاق تاريخي بكل معنى الكلمة . إنه تحول اشبه ما يكون بزلزال كبير في المنطقة يُعيد ترتيب رقعة الشطرنج بالكامل   "


وعلى هذا الأساس ربما تكون خريطة الشرق الأوسط قد تغيرت نتيجة لذلك . كما وأن هناك مغزى كبير من الاتفاق وهو أن التوصل إلى أي اتفاق بين إيران والدول الست المعنية بملفها النووي ، وبعد ثلاثة عقود من المماحكات الشديدة ، يُعـد في حد ذاته إنجازاً كبيراً للدبلوماسية في نهاية مرحلة كانت فيها الحالة الافتراضية لفترة طويلة هي استخدام القوة العسكرية الأمريكية لحل المشاكل الدولية .

 

وها نحن بعد سنوات من الحروب والمفاوضات العقيمة ، نجد أن الدبلوماسية الدولية تظهر من جديد على   القائمة . وعلى حد تعبير أحد مستشاري السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الأسبوع الماضي   " لقد تحولنا من وجه عسكري للغاية في سياستنا الخارجية إلى وجه دبلوماسي للغاية   " . وعلى الرغم من أن باراك أوباما قد تعرض لانتقادات كثيرة في بعض الدوائر بسبب استخدامه لحرب الطائرات بدون طيار ، فإن الرغبة في التقارب مع خصوم أمريكا كانت منذ فترة طويلة عاملاً محفزاً حتى ولو أنها لم تأتي بالكثير حتى الآن .

 

لقد تعهد أوباما في حملته منذ العام 2008 بالانفتاح على خصوم أمريكا والتحدث إلى أي زعيم أجنبي بدون شروط مسبقة ، وهذا ما أعاده في خطابه في جامعة الأزهر في عام 2009 عندما تعهد بعلاقة جديدة مع العالم الإسلامي والتي تعثرت على صخور الربيع العربي ، واستمرار الحرب على الإرهاب ، وتحت سيل من المشاكل الاقتصادية المحلية والعالمية . وقد وعد أوباما أيضاً البدء بإعادة العلاقات مع روسيا على اسس جديدة ، وسبب الفشل في تحقيق ذلك الطموح واضح كل الوضوح وهو الانطباع السائد بأن واشنطن وحلفائها لم يتعاملوا باستقامة كما يجب لحمل روسيا على الانضمام إلى قرار مجلس الأمن يجيز التدخل العسكري في ليبيا لأسباب إنسانية ، والذي قاموا بتحويله إلى مبرر لتغيير النظام هناك ، وشكل بذلك لعنة لبوتين ولروسيا . ومما ساعد على تفاقم هذه المشكلة هو تنامي الخلافات بشأن الحرب في سورية ، ونفور موسكو من أسلوب التفاوض المتعالي لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون

 

ونظراً لهذه السوابق ــــــــ ولمعارضة حليفين للولايات المتحدة هما إسرائيل والسعودية ــــــــ كان الشك في امكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران أمر ، ربما ، لا مفر منه . ولكن الآن وقد تم التوصل إلى اتفاق ، ماذا يخبرنا ذلك حول هذه اللحظة الدبلوماسية الجديدة ؟ الواقع هو أن هناك دروساً ينبغي تعلمها بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها على حد سواء ، وليس أقلها السياسة الخارجية لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون .

 

إن الدبلوماسية ، التي يُوجد حولها الكثير من الكتابات الأكثر تشاؤماً من أي مهنة أخرى باستثناء ، ربما ، الصحافة ، تتصف منذ زمن طويل بكونها عاصفة ، ومحفوفة بالمخاطر، ومليئة بالتسويات ، ومُرهقة ، وغالباً ما تفتقر إلى التألق . وهي غالباً ما تتطلب ، في التعامل مع المشاكل التي تبدو مستعصية ، إلى أكثر من قليل من الحظ ـــــــ توافق بحكم الصدفة البحتة بين الشخصيات والظروف والاستعداد للاستفادة من تلك الفرص .


وقد جاءت هذه الظروف مجتمعة بشأن إيران مع انتخاب حسن روحاني رئيساً للبلاد ، وظهور ضجر في الغرب من جديد بعد سنوات من الحروب ، وفي شكل المفاوضة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي البارونة أشتون التي لا تعرف الكلل كما أنها في نفس الوقت متواضعة وحصيفة . ومن الجدير بالذكر هنا ، أيضاً ، أن سياسة نتنياهو الخارجية الخرقاء والمتعنتة
سهلت من امكانية التوصل إلى الاتفاق ، ومن عدم أخذ الاعتراضات التي أعلن عنها بعين الاعتبار .

 

وبينما نحن نشهد حتى الآن مجرد لمحة عن بوادر انفراج كامل مع إيران في المستقبل ، والذي قد لا يحدث نظراً للصعوبات المعنية ، فإن الاتفاق المرحلي يُغير نغمة الموسيقى في الشؤون الدولية إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط . إن الانخراط مع إيران يؤكد وجود جدية حول المفاوضات الغائبة منذ وقت طويل والتي يُمكن أن تُقدم مفتاح لمحادثات السلام السورية في صراع يُزعزع الاستقرار في المنطقة بأسرها . وهذا الانفراج يُحدد عملية شفافة أيضاً تثير الاهتمام ، وتتيح الفرصة لواشنطن ولموسكو للعمل معاً بشكل بناء  .

 

وإذا كان هناك درس للسياسة الخارجية البريطانية ، المشوشة والباهتة ويغلب عليها النزعة الميركنتالية بشكل كبير جداً ، والتي تبدو أكثر اهتماماً في التطبيل والتذمير بأي ثمن ، ومُجردة من أي بعد أخلاقي في كثير من الأحيان ، فهو أن هناك قضايا تستحق المصارعة معها في حد ذاتها حيث أن العمل الشاق على المدى الطويل ، وليس اللجوء غير المحسوب لقاذفات القنابل ، يُمكن أن يُسفر عن نتائج ايجابية . في الواقع ، تُظهر تصريحات ديفيد كاميرون حول السياسة الخارجية في كثير من الأحيان بأنها تتأرجح بين قطبين : بين قضايا متسرعة وفارغة قائمة منذ فترة طويلة حول مدى التكامل الاقتصادي بين بلدان الاتحاد ، وحول سورية ، وبين السعي لتجنب القضايا الصعبة بما في ذلك قضايا حقوق الانسان في سري لانكا والصين والتيبت . وهنا ليس التوصل إلى طريق وسط أمر ضروري فقط ، بل ينبغي أيضاً أن يكون هذا الطريق في نفس الوقت ذو مضمون موضوعي وجوهري .

 

إن نمط الدبلوماسية الإيرانية ، وليس أقلها الكشف في الأسبوع الماضي على أن الاتفاق كان أيضاً في جزء منه نتيجة لفتح خط اتصال سري بين واشنطن وطهران منذ شهر أب الماضي ، يُؤكد القول المأثور لجيفري هاو قاصداً به مارغريت تاتشر في عام 1985 من أن   " دبلوماسية الصوت العالي لا تؤدي إلا إلى حوار الطرشان   " . وهكذا نجد أنه بعد عشر سنوات من الحروب والتهديدات العنترية وعدم الثقة المتبادلة بين الطرفين ، تم إحراز خطوة صغيرة إلى الأمام من خلال المحادثات .

 

وقال أوباما في الاسبوع الماضي في معرض دفاعه عن الاتفاق مع إيران   " نحن نختبر الطريق الدبلوماسي ، ولا نعتزم اللجوء فوراً إلى الصراع العسكري   " . وجاء هذا القول ليبني على موضوع كان قد أعرب عنه أوباما في يوم سابق وهو أن   " النقاش بشكل حاد ، والتهديد قد يكون بالأمر السهل القيام به سياسياً ، ولكن هذا ليس بالشيء الصحيح فعله من أجل أمن الولايات المتحدة   " .

 

وهذه هي في نهاية المطاف القضية الأهم . إن إرث الفترة السابقة من الحروب الاختيارية المُصممة لتحقيق الاستقرار قد نجم عنها حروب وعدم استقرار أكثر من أي وقت  مضى . وفي الوقت الذي فشلت فيه الحروب ، أصبحت الدبلوماسية احتمال يُمكن اللجوء إليه مرة أخرى . وقد أكدت أحداث الأسبوع الماضي بشكل أكثر على مبدأ هام في العلاقات الدولية وهو أن المفاوضات ، حتى ولو كانت من النوع المضنى والأكثر إشكالية ويستهلك الكثير من الوقت ، يُمكن أن تُحقق تقدم تدريجي لحل المشاكل المستعصية .

دعونا نتذكر هنا بأن مفاوضات نزع السلاح هي دائماً عملية مستمرة ، ونادراَ ما تكون غاية في حد ذاتها ، وهي الأفضل بكل الأحوال من العمل العسكري . ولهذا السبب وحده  يجب أن نهنأ جميع الأطراف في هـذه العملية .

 

 

الاثنين 2-12-2013 ..

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2013-12-12
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد