news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
السياسة الخارجية السعودية: هل تشهد تبدلاً في مواجهة التحديات الجديدة؟ ... بقلم : الدكتور خيام محمد الزعبي

الدكتور خيام محمد الزعبي-كاتب وباحث أكاديمي سوري

 

اليوم نرى عالماً عربيّاً مفككاً، والقوى الأساسية المحرّكة لعمل عربي جماعي مشغولة بمشاكلها الخاصة من جهة، ومنقسمة على نفسها من جهة أخرى، كما تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة مفصلية في تاريخها، وتشهد تغييرات وتحولات سياسية متسارعة، وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية وهيكلة التحالفات للمنطقة، بالإضافة الى إستبدال الحلفاء القدماء بآخرين جدد، وفقاً لإعتبارات ترسمها القوى العظمى والمؤثرة وفق مصالحها وأهدافها في المنطقة، فضلاً عن أن الإتفاق النووي الإيراني كرّس واقعاً دولياً جديداً إسمه تعدد الأقطاب ولم يعد هناك دولة واحدة تقرر وتحسم وتأخذ العالم باتجاه معين.


تبنت المملكة السعودية نمطاً جديداً من السياسة الخارجية، يجمع بين رفض سياسات الدول الغربية في المنطقة، وتشكيل التحالفات المرنة مع دول الإقليم، على نحو يضمن تحقيق مصالحها الإستراتيجية، والسبب الرئيسي وراء تحول السياسة الخارجية السعودية، هو تغير السياسات الأمريكية في المنطقة، وإنكشاف محدودية النفوذ الذي تحظى به واشنطن، خاصة بعد إندلاع الثورات العربية، لا سيما النزاع في سورية وثورة 30 يونيو في مصر، فضلاً عن اتجاه واشنطن لتسوية مجموعة من الأزمات التي تؤثر على مصالحها في المنطقة دون الإهتمام بإشراك السعودية فيها، أو مراعاة مصالحها الإستراتيجية.

 

وفي إطار ذلك سعت السعودية إلى ترجمة رفضها للسياسات الغربية، من خلال إعادة ترتيبها للأوضاع في المنطقة، على نحو يخدم مصالحها، ودول الخليج، من خلال التوجه إلى تأسيس تحالفات إقليمية مرنة، بإعتبارها الدولة المؤثرة في إعادة تشكل المنطقة، وممارسة مزيد من النفوذ في القضايا التي تهمها، وعلى نحو يوفر بديلاً للترتيبات الغربية للبلاد.

 

أن الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني خلق توترات جديدة في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد إضطرابات منذ بدء موجة الربيع العربي في عام 2011 ، كما إن قرار تهميش واشنطن حلفائها ( إسرائيل والسعودية) من خلال المفاوضات الثنائية السرية التي أجرتها مع إيران منذ شهر آب، يعد أمراً مهماً أسوة بالتوصل إلى الإتفاق في شأن البرنامج النووي الإيراني ومن تداعياته مع الدول الكبرى هو إعادة تشكيل العلاقة بين أمريكا والسعودية ودول الخليج، فالرياض لا تخشى فقط من تأثير إيران، بل هي غاضبة من تجاوز واشنطن لها.

 

في الآونة الاخيرة تلقت السياسة الخارجية السعودية ضربات قاسية من المجتمع الدولي قد يصعب عليها أن تتجاوز تبعاتها وتداعياتها، ويرجع ذلك الى عدم قدرة النظام السعودي على قراءة الوضع الإقليمي والدولي الذي بدأت ملامحه تتضح منذ إندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي، وتعاملت السعودية مع هذا الواقع الجديد من منطلق محاربة التغيير فعادت جميع القوى الشعبية الساعية  للتغيير واندمجت في مشاريع إعادة الوضع القديم ولو بوجوه جديدة، وبالمقابل رحب المجتمع الدولي بهذا التغيير لعله يحقق الأمن والاستقرار ويقضي على التسلط والاستبداد في المنطقة، والنتيجة إصطدام السياسة الخارجية السعودية مع هذه المعطيات الجديدة، وجاءت الضربة الأخيرة لهذه السياسة من الدول المؤثرة إقليمياً ودولياً عندما فشلت السعودية في الضغط على هذا المجتمع لتفعيل رؤيتها التي تمثلت بجر القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية للصراع العسكري في سورية  وايران.

 

وعلى صعيد متصل، تبدلت الكثير من المعطيات في الفترة الأخيرة التي لم تصب لصالح الدور السعودي، لا سيما بعد الإتفاق الروسي الأميركي حول السلاح الكيميائي السوري الذي أدى إلى إلغاء فكرة توجيه الضربة العسكرية، بالإضافة إلى التقارب الأميركي الإيراني الذي فتح المجال واسعاً أمام تسويات من النوع الكبير، وفي هذا الإطار، بدأ الجانب السعودي بالإضطراب منذ ذلك الوقت، حيث كان لديه رهان كبير على الضربة العسكرية لسوريا من أجل مساعدته في تغيير موازين القوى على الأرض، إلا أنها تعتبر أن التقارب الأميركي الإيراني كان بمثابة الضربة الكبرى التي تعرض لها، خصوصاً أن نجاح هذا التقارب في الوصول إلى نتائج ملموسة سوف يؤدي إلى تراجع الإعتماد عليها على أكثر من صعيد.

 

فلم يعد سراً على الإطلاق إنزعاج المملكة السعودية من تقارب حليفتها الكبرى واشنطن مع غريمتها الإقليمية إيران، فهذا التقارب قد يأتي على حسابها وخصوصاً في الساحات التي صادر فيها النفوذ الإيراني مواقع مؤثرة على حساب النفوذ السعودي-العربي، ولا سيما منها سوريا بعد العراق ومصر ولبنان واليمن والبحرين، ويصبح إحتمال الخسارة أكبر إذا ما فك الإرتباط النفطي بين المملكة السعودية والولايات المتحدة.

 

وفي سياق متصل إن السعوديون يشعرون بالإحباط جراء عدم قدرتهم على حجب ما يرونه عودة إيران إلى الساحة الدبلوماسية والدولية، ونهج واشنطن التوافقي والتصالحي تجاه طهران، كما ينتابهم القلق من بقاء نظام الأسد في سوريا، الأمر الذي يمنح إيران إنتصاراً إستراتيجياً بدلاً من الإنتكاسة التي تحاول الرياض تعزيزها وتحقيقها من خلال دعمها لمقاتلي المعارضة في سورية.

 

وفي سياق ذلك وبعد ان غضبت الرياض من الولايات المتحدة لمح مسؤولون سعوديون كبار الى عدد من الإحتمالات بدءاً بإقامة علاقات إستراتيجية مع قوى عالمية أخرى وإنتهاءاً بتبني موقف أكثر حزماً تجاه حلفاء إيران في العالم العربي، بل ذهبوا الى حد التلويح بالسعي لإمتلاك قنبلة نووية إذا فشلت القوى العالمية في إحباط طموحات طهران النووية، كما بحث السعوديين سبل تقليص إعتماد الرياض على الولايات المتحدة الأمريكية على المدى الطويل، وفرنسا أحد الخيارات وإن كانت لاتزال متمسكة بالمعسكر الغربي على الرغم من الخلافات السابقة مع الشركاء في حلف شمال الأطلسي، وعملت الرياض مع باريس عن كثب في الفترة الماضية في ملفي سوريا وإيران وكافأتها بعقود كبيرة للقوات البحرية، لكن على كل حال فإن القوات المسلحة السعودية وإقتصاد المملكة يرتبطان إرتباطا ًوثيقاً بالولايات المتحدة بحيث إن اي محاولة جادة لفك الإرتباط على المدى الطويل ستكون صعبة وباهظة الثمن، ولاتزال واشنطن أقرب الى الرياض في جميع قضايا الشرق الأوسط من أي قوة عالمية أخرى في الوقت الحالي بإستثناء فرنسا التي اتخذت موقفاً متشدداً من إيران، كما سعت السعودية الى التقارب مع اسرائيل بسبب القلق البالغ لدى كل منهما من دور فاعل لإيران في المنطقة إثر الاتفاق الإيراني الغربي حول الملف النووي الإيراني، ولا شك أن مصلحة إسرائيل الآن كبيرة بإعلان التقارب مع السعودية فهذا يخدمها ليس فقط ضد إيران وحزب الله وإنما أيضاً لتمرير صفقة مجحفة مع الفلسطينيين بغطاء عربي، كما حاولت أنقرة أن تلتحق بالتغيرات الإقليمية التي بدأت تتضح معالمها عبر تقارب غربي من إيران، كي لا تجد نفسها خارج المعادلات السياسية .

 

يبدو أن الخيارات القابلة للتنفيذ المتاحة للسعودية من أجل إنتهاج سياسة خارجية أكثر إستقلالية وصرامة محدودة على الرغم من عدم إرتياحها الكبير إزاء تقارب الغرب مع إيران، لكن يصعب على دولة إحتفظت بتحالف قوي مع الولايات المتحدة لعشرات السنين التفكير في قوى بديلة، وتتبنى روسيا موقفا يتناقض تماما مع موقف الرياض من الحرب السورية كما أن النفوذ العسكري الصيني لايزال متواضعا بالمقارنة بنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، وقال روبرت غوردان السفير الأميركي السابق لدى الرياض  " إن اي تحالفات سعودية مع قوى أخرى ستكون لها حدود  "، وأكد بأنه لا توجد دولة في العالم قادرة على توفير الحماية لحقولهم النفطية وإقتصادهم أكثر من الولايات المتحدة والسعوديون يدركون هذا، لذلك  لن نراهم يخرجون من فلكه  "، كما أن الرياض ليس لديها استعداد لمواجهة العزلة التي أجبرت طهران على الجلوس الى طاولة التفاوض، وأكد محللون في الخليج إن المملكة وعلى الرغم من إنها لم تحسم أمرها بعد لن تجازف بإحداث خلل في علاقاتها مع حليفتها الرئيسية خارج العالم العربي لكنها ستبحث بحذر عن رد دبلوماسي على الإستراتيجية الإيرانية.

 

أن إيران اليوم تتجه للإنفتاح والعرب يتجهون وبعضهم يتسابقون للتقرب إليها، وإنشاء علاقات معها بما فيهم دول الخليج العربي، وتحديداً الإمارات التي تعتبر صاحبة ملف خلافي معها، كما رحبت سلطنة عمان بالإتفاق النووي الإيراني بل ولعبت دوراً مهماً وسعت الى ثقافة الحوار وعدم المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران، وبالتالي فمن غير المعقول أن يتجه الجميع لتطوير علاقاتهم بطهران، وأن تبقى السعودية بعيدة عنها حرصاً على العلاقات الخليجية، كونها بقيت وحيدة في موقفها من إيران لا يساندها فيه سوى إسرائيل.

 

وبالتالي لا بد للسعودية من عملية إصلاح واسعة، وتجديد مرتكزاتها ومؤسساتها الفكرية والسياسية، وذلك انطلاقاً من أن تغيّر المجتمعات يفرض على الدول أن تتأقلم مع هذا التغيّر وأن تستجيب له بقوة، وإذا لم تفعل، فإن ذلك سيؤدي الى وجود هوة كبيرة بين المجتمع من جهة، والمجتمع السياسي أو الدولة من جهة أخرى، فالسعوديون يدركون أنهم في حاجة لإعادة هيكلة مؤسستي السياسة الخارجية والأمن القومي، حتى يتحركوا دولياً على نحو يتناسب مع الأهمية والتأثير السياسي والإقتصادي والديني، الذي تتمتع به المملكة.

 

وأخيراً أختم مقالتي بالقول إنه لا بد من إعادة النظر في العلاقات الإيرانية العربية، والنظر لإيران كقوة لا يمكن تجاهلها، وأن تحول نقاط الخلاف معها لنقاط إتفاق، ففي السياسة لا يوجد ثوابت سوى المصالح المشتركة، ويجب على الجميع التحرك بإتجاهها، وهذا ما يجب أن تدركه الرياض بشكل جيد مع إعطائها الأولوية للعلاقات العربية، كما يجب على العرب الآن، وأكثر من اي وقت مضى، حماية السعودية من إسرائيل، وتصحيح بعض الخلل في السياسة الخارجية وخصوصاً حيال إيران وسورية والعراق، وكحاصل نهائي، فإن السعودية تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود طويلة ودفعت فيها مئات المليارات من الدولارات، ولم تحصل على سوى القليل منها في زمن الأزمات.

2013-12-09
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد