مع إستمرار معاناة اللاجئين السوريين، وإطلاق المنظمات الدولية نداءات من أجل هذه المأساة والكارثة الإنسانية، فإنه لا حياة لمن تنادي، بين عرب بقلوب متحجرة لا يهمهم إلا مصالحهم الشخصية أمام إحدى مآسي العالم، وبين مجتمع دولي تحركه مصالح وعلاقات متنوعة، والذي أكد في مناسبات عدة أنه سيتحمل المسؤولية في إغاثة هؤلاء المنكوبين، ولكن يبدو أن الأمر ليس بهذه السهولة، فقد أعلنت عدة منظمات دولية أن المساعدات الموعودة لا تتلاءم مع حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بالشعب السوري.
فالصراع في سوريا يعد أخطر أزمة تهدد الأمن العالمي منذ قرابة سبعة عقود، حيث تسبب بمعاناة إنسانية خطيرة على مدى ثلاث سنوات تقريباً، وقد شكلت هذه المعاناة المتصاعدة مأساة راح ضحيتها الآلاف من المدنيين، الذين هربوا من بيوتهم جراء ويلات الحرب المدمرة، وتتعاظم هذه المأساة يوم بعد يوم، حيث يبحث مئات الآلاف من العوائل السورية عن ملجأ آمن في إحدى دول الجوار، إضافة إلى النزوح الجماعي لمناطق كاملة بسبب ما لحقها من تدمير، وهو أمر سبق أن تم التحذير منه من جانب منظمات إنسانية دولية وإقليمية، خصوصاً بعد فشل أو تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بمسؤوليته إزاء اللجوء والنزوح الجماعي، ولا سيّما مساعدة الدول المضيفة.
بينما ينصب الكثير من التركيز المتعلق بالصراع السوري على قضايا التكتيكات العسكرية والسلطة السياسية، إذ لا يزال هناك الملايين من المدنيين الأبرياء في مخيمات اللاجئين على جميع الحدود السورية، دون نظم حماية من إنخفاض درجات الحرارة ونقص الغذاء وحالات الطوارئ الصحية والعنف الجنسي، وغيرها من المخاطر التي قد تعصف بهم، وحالياً زادت موجة الثلوج والصقيع من معاناة نحو 2.3 مليون لاجئ سوري بدول الجوار خاصة الأردن ولبنان وتركيا، وفاقم البرد القارس من أزمة 6.5 ملايين نازح داخل الأراضي السورية، الذين تشردوا جراء القصف والمعارك بمناطقهم، وفق أرقام المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وأدى فشل مجلس الأمن الدولي، الذي يشهد إنقساماً في مواقف أعضائه من الحرب في سوريا، إلى عدم تمكنه من ضمان وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين داخل الأراضي السورية.
وفي وقت سابق قالت الأمم المتحدة إن عدد السوريين الذين فروا من بلدهم قد تجاوز ثلاثة ملايين شخص، كما حذرت من أن عدد السوريين اللاجئين خارج البلاد قد يصل الى حوالي 4.10 ملايين لاجئ بحلول نهاية 2014، كما حذر برنامج الغذاء العالمي من مجاعة في سورية بدخول نصف السكان حالة من إنعدام الأمن الغذائي، وتضيف أن تسعة ملايين داخل سوريا يفتقدون بالفعل إلى مستلزمات الحياة الضرورية مثل الطعام ومياه الشرب والمأوى، فضلاً عن أن ربع مليون تقطعت بهم السبل في مناطق محاصرة بسبب القتال، وقال المفوض السامي الأممي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس "إن المنظمة سجلت أكثر من ثلاثة ملايين لاجئي سوري في أنحاء الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الآلاف ممن فروا من سوريا ولم يتم تسجيلهم".
ويمكنني ان أتساءل هنا هل تبدو هذه الأرقام مخيفة أم هي مجرد أعداد لا تعني الكثير بالنسبة إلى قارئها؟ بالتأكيد هذا يعتمد على من يقرأها وحجم تأثير الأزمة بشكل مباشر عليه، والحقيقة هنا، هي عدم إدراك وإهتمام المواطن العربي بهذه الأزمة المستحدثة على الواقع العربي الأليم، رغم ما تشكله هذه القضية من تحديات عميقة على كافة المستويات الإنسانية والإجتماعية والأمنية على حد سواء، و الجدير بالذكر أن المنطقة العربية أصبحت هي المنطقة الأكثر سخونة في إطار التعامل مع قضايا اللاجئين في العقد الأخير، وربما تكون قد تفوقت بجدارة على القارة الإفريقية من حيث عدد اللاجئين، وهنا أتحدث عن واقع كارثي بحياة مئات الآلاف من العرب داخل أراضيهم في ظروف مأساوية يرثى لها، فقد رسخ في العقلية العربية منذ منتصف القرن الماضي أن قضايا اللاجئين العرب تتمحور فقط حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي لم ننجح على مدار أكثر من خمسين عاماً في أن نجد لها حلاً نهائياً وعادلاً، أما الآن فإن قضايا اللاجئين العرب السوريين والعراقيين والسودانيين والصوماليين، وكذلك النازحين الداخليين باليمن وغيرها، هم ملايين من العرب الذين يعيشون معاناة ومأساة حقيقية، وهنا يمكنني القول إنه لا بد من التعامل بجدية مع قضايا اللاجئين العرب، ووضعها على رأس قائمة الأولويات والتحديات العربية التي يجب إيجاد حل لجميع المشكلات التي تتضمنها هذه القضايا، فهي قضية تمس الأمن القومي العربي كله بدون أي إستثناء.
وبالتالي على الرغم من كل الجهود التي تبذلها بعض
الدول والمنظمات الحقوقية الرسمية وغير الرسمية في توفير الدعم الإنساني اللازم
للاجئين، إلا ان هذه الجهود من خلال المساعدة الإنسانية والمالية لا تتناسب مع حجم
الكارثة وعدد اللاجئين المتصاعد، مما يفاقم من حالة التدهور الإنساني ويضع حياة
هؤلاء اللاجئين على شفا الهاوية، وفي ظل التداعيات الخطيرة على الصعيد الحقوقي
والأمني، ومع إستمرار الفشل الدولي في تسوية هذه الازمة وعليه تبقى بلا حلول و
بؤرة للنكبات الإنسانية المتجددة.
ويرى معظم الناشطين الحقوقيين انه في الوقت الذي يقف فيه المجتمع الدولي صامتاً أمام أزمة إنسانية متصاعدة لدرجة أن الظروف السيئة لهذه الازمة قد تقتلهم قبل ان تقتلهم الحرب، وعليه فيقدم هذا الصراع كارثة إنسانية مأساوية قد لا تمزق حاضر سوريا فحسب وانما قد تدمر مستقبلها أيضاً.
حتى الآن هناك مشكلة لوجستية تتعلق بضعف الإمكانات المادية لتأمين المستلزمات الأولية الإنسانية للاجئين لدى دول الجوار، فلا المنظمات العالمية وحدها قادرة على تأمين المستلزمات، ولا دول الجوار التي تعاني هي بدورها من الكثير من الاحتياجات والتحديات، ولا المجتمع الدولي يتحمل مسؤوليته إزاء هذه الكارثة الإنسانية وبالتالي لم تلقى هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة معالجة لائقة.
وفي سياق متصل إن العنف وعدم الأمان والصراع لأجل البقاء سحق حياة ملايين السوريين، كما ان الوضع يزداد سوءاً بشكل يومي، فالعديد من الناس فقدوا منازلهم وعائلاتهم ويتكبدون الكثير من المصاعب النفسية والجسدية، ولهذا فإن مأساة اللاجئين أخذت بالتفاقم وتنذر بعواقب وخيمة وتدهور للأوضاع، في ظل إستمرار وتصاعد الحرب النفسية والحصار الإقتصادي والصدام المسلح، طالما بقيت القوى الدولية على خلاف كبير بشأن التوصل إلى حل لإنهاء النزاع الداخلي السوري، بما فيه تغذية أطراف النزاع بالسلاح وأنواع الدعم المختلفة.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول أن العالم لم يتفهم
مأساة اللاجئين السوريين ولم يتحد لمساعدتهم، كما أن الصراع المستمر في سوريا هو
أزمة بالغة الضخامة لها أبعاد إقليمية وهى إحدى أكبر الأزمات في التاريخ الحديث،
فضلاُ عن إنها قد تكون الأخطر على السلم والأمن العالميين منذ الحرب العالمية
الثانية، لذلك لا بد من المزيد من الإدراك الدولي لهذه المأساة الإنسانية وتحريك
المساعدات لهم وتخفيف العبء الشديد عنهم، فلو حدثت مثل هذه المأساة في أفريقيا أو
آسيا أو أميركا اللاتينية لهرعت كل دول العالم للمساعدة ولكن حرب تصفية الحسابات
بالوكالة التي تتم في سوريا حالياً جعلت الشعب السوري يعاني وحده على جميع الجوانب
والمستويات، وبالتالي ما أريد قوله هنا إنه يجب وضع حد لقضايا العنف والإرهاب، ولا
بد من وضع قضية اللاجئين السوريين في رأس قائمة الأولويات للتحديات العربية التي
تحتاج إلى حلول ناجحة وسريعة بأسرع وقت ممكن.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews