news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
قراءة عاجلة في مصير الأزمة التركية ... بقلم : الدكتور خيام محمد الزعبي

دعا عدد من الأحزاب والتنظيمات المقربة من المعارضة التركية إلى مظاهرات ضخمة في أنقرة وإسطنبول للمطالبة برحيل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحكومته، يأتي ذلك في وقت أفادت فيه وسائل إعلام تركية بأن التحقيق فيما قيل إنه فضيحة فساد في تركيا قد يمتد إلى نجل أردوغان، وأن حكومة هذا الأخير لا تزال مهددة رغم التعديل الوزاري الواسع الذي شملته بعض الوزارات، لذلك يبدو رئيس الوزراء أردوغان أمام إختبار مصيري لمستقبله السياسي في ظل فضيحة الفساد الكبرى التي إعتبرت زلزالاً سياسياً قد تلقي بظلال قاتمة على إستقرار أردوغان في منصبه، وتهز عرش حزب العدالة والتنمية الحاكم.


وكانت اولى الإحتجاجات قد إندلعت في مايو الماضي ضد خطط الحكومة في تحويل ميدان غيزي في اسطنبول الى نموذج لثكنة عسكرية ولكن الإحتجاجات البيئية سرعان ما تحولت الى إحتجاجات عارمة ضد ما قال المحتجون إنه اسلوب أردوغان التسلطي، وضد الطريقة التي تحاول حكومته بها تغيير معالم إسطنبول دون إستشارة سكانها.

 

واليوم يجد أردوغان نفسه أمام عاصفة سياسية عنيفة، بعد أن إستقال 3 وزراء (الإقتصاد والداخلية والبيئة) على خلفية فضيحة فساد، تمثل تحدياً لم يسبق له مثيل لحكمه الذي مضى عليه 11 عاماً، وبدأت هذه الأزمة عندما ألقي القبض على عشرات الأشخاص، من بينهم رئيس بنك خلق المملوك للدولة بتهم فساد، والتي وضعته في مواجهة مع السلطة القضائية، وأشعلت مجدداً المشاعر المناهضة للحكومة التي ظهرت في إحتجاجات شعبية في منتصف 2013م، كما سرعت الأزمة السياسية ضعف الأسواق في تركيا، حيث تراجعت الليرة التركية الى 1,1515 مقابل الدولار في أدنى رقم قياسي تاريخي بالرغم من تدخل البنك المركزي.

 

بالمقابل أبدى الأتراك في شوارع إسطنبول عدم رضاهم بعد التعديل الوزاري، حيث تزايد الشعور بالإحباط بين الأتراك، وإندلعت تظاهرات في شوارع منطقة كاديكوي في إسطنبول تندد بالفساد، وإستخدمت شرطة مكافحة الشغب مدفع مياه وقنابل الدخان لتفريق الحشود الغاضبة التي رشقتها بالحجارة والزجاجات الفارغة، كما خرجت تظاهرات في أنقرة وأزمير، وقال أحد سكان إسطنبول "أعتقد أنهم جميعاً غرقوا في الفساد وأرى أن التغيير الوزاري غير ضروري، كما أعتقد أن رئيس الحكومة ينبغي أن يستقيل، الناس لديهم ما يكفي، الجميع يشعرون بأنهم واقعون تحت ضغط، فالتعيينات الجديدة لن تريح الناس، لذلك أعتقد أن الصواب بالنسبة له (أردوغان) أن يستقيل وأن يريح الناس، وقال تركي آخر " إن تغيير الوزراء غير كافي،  لذلك يتعين على أردوغان أن يستقيل ".

 

من دون أدنى شك، إن توقيت الأزمة حساس بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ليس بسبب الإستحقاق الإنتخابي في الداخل فقط، وإنما بسبب المرحلة الجديدة من العلاقات الأميركية-التركية، وتحديداً بين إدارة الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء أردوغان على خلفية جملة من القضايا السياسية، فهناك أحاديث في أنقرة حول حالة من عدم الرضا الأمريكي على سياسة رئيس الوزراء أردوغان، وهناك حديث عن إختلاف في وجهات النظر بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية عبد الله غل، وهناك حديث عن توافق امريكي إيراني على إضعاف مركزية أنقرة، وان عدم الرضا الامريكي هذا، دفع بأنقرة لفتح خطوط اتصال مع الصين وطلب التعاون العسكري معها، الأمر الذي لاقى عدم الترحيب من البيت الأبيض، والإنفتاح السياسي والإقتصادي والأمني على إيران، وطلب الإنفتاح على العراق، وتأنيب الضمير عما حدث في علاقته مع سوريا، وطهران تدرك ان أردوغان ما استدار الا بعد أن إستشعر الخطر، وقرر إجراء تحول إستراتيجي في علاقاته، لمعادلة الضغوط الداخلية التي ترتفع اسهمها بعد وقت، فضلاً عن ما جرى في مصر و إستمرار الخلافات مع إسرائيل.

 

ولابد من الإشارة هنا الى حقيقة مهمة وهي ان الأزمات الخارجية لتركيا مع دول الجوار قد انعكست على علاقة الحكومة التركية مع مكونات الشعب التركي المختلفة، فوجدنا ان تلك الأزمات الخارجية وتداعياتها قد وصلت الى الداخل التركي وتم ترجمتها الى هذه التظاهرات والإحتجاجات الكبيرة لتضع أردوغان وتركيا تحت المجهر ولتخضعها لرقابة المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان التي تراقب التناقضات الديمقراطية في بلد يسعى منذ زمن للإنضمام الى الإتحاد الإوروبي، وبالتالي إن ما يحدث في تركيا اليوم هو جزء من إنعكاس للسياسات الخاطئة للحكومة التركية تجاه القضايا الخارجية وإنعكاس للتخبط في سياسة أردوغان تجاه شعبه وشعوب الدول المجاورة.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، هل قارب إنتهاء دور الحزب الحاكم في تركيا الذي يهيمن على مؤسسات الدولة في ظل الأزمة الراهنة؟

 

مع إنتهاء عام 2013 يبدو أن الأحداث في تركيا لن تنتهي، إذ من المنتظر أن تتفاعل قضية الفساد في العام الجديد 2014، والتي ستشهد فصولاً جديدة، وإضافة لتلك الملفات المتفاعلة فإن تركيا على موعد مع إنتخابات بلدية نهاية شهر مارس المقبل وإنتخابات رئاسية في صيف العام 2014، وسيكون التنافس فيهما شديداً، لا سيما الإنتخابات المحلية التي ستحدد كثيراً من ملامح خارطة السياسة التركية في السنوات المقبلة.

 

وفي الواقع، ومع أنه ما زال من السابق لأوانه الحكم على التداعيات النهائية لقضية الفساد في تركيا إلا أنه من الواضح أن ما حصل يرشح المشهد السياسي التركي للدخول في مرحلة إنتهاء دور الحزب الحاكم الذي يهيمن على مؤسسات الدولة، ومن المرجح أن تتجه الأمور نحو مرحلة بناء تحالفات حزبية وسياسية جديدة، لن يستطيع معها حزب واحد قيادة البلاد، كما هو الحال منذ عام 2002 مع حزب العدالة والتنمية والإضطرار إلى الدخول في صيغ إئتلافية وتوافقية.

 

وبالتالي أرى أن الأزمة الحالية مختلفة في طبيعتها وتداعياتها وستؤثر على مستقبل الحزب في الحكم على أبواب الإنتخابات المحلية والرئاسية والبرلمانية، خاصة وأن الظروف الداخلية والخارجية بالنسبة لتركيا باتت مختلفة، لذلك  أشكك بقدرة رئيس الوزراء التركي أردوغان على تجاوز هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد، فيما الغاضبون في الشوارع يطالبون برحيل الحكومة، كما أن هناك موجة إستقالة جديدة من المسؤولين في حزب العدالة والتنمية، في ظل الحديث عن خلافات بين أردوغان ونائبه بولنت أرينج الذي يمثل كتلة كبيرة في البرلمان، فضلاً عن الخلاف بين أردوغان والرئيس عبدالله غول بشأن طريقة التعاطي مع العديد من القضايا الداخلية والخارجية، مع إنتهاء تحالف أردوغان-غولن وتحوله إلى صراع يزكيه بعض أطراف المعارضة، من الواضح أن خريطة التحالفات السياسية والحزبية في البلاد لن تبقى كما هي عليها في المرحلة المقبلة، خاصة مع إقتراب موعد الإنتخابات المحلية التي على نتائجها ستتضح القضايا المتعلقة بإتجاهات الناخب التركي وتداعيات قضية الفساد.

 

ومن خلال ما سبق يمكنني القول إن تجاوز حزب العدالة والتنمية هذه الأزمة ا لن تكون بالأمر السهل، ولكن أردوغان وفريقه إن نجحوا بإجتياز هذا المنعطف الخطير بسلام فلن يكون أمام حزب العدالة والتنمية أي عائق يذكر في قيادة تركيا لعدة فترات أخرى، وأما في حال فشلهم فستكون أبواب الساحة السياسية التركية مفتوحة على مصراعيها أمام الإنشقاقات والمفاجآت المختلفة التي تعصف بالمنطقة.

 

وهننا يمكنني إعتبار هذه الأزمة هي الأخطر في تاريخ أردوغان السياسي، فهي تضع حكومته على المحك، وهو الذي بنى حملاته الانتخابية الناجحة (2002، 2007 ،2011) على "الشفافية ‏ومحاربة الفساد"، ودائما يفخر بقضائه على السرقة في تركيا.

ولعل أخطر ما في القضية هو التوقيت، حيث جاءت في وقت سيء بالنسبة لأروغان الذي أطلق حملة حزبه لإنتخابات البلديات "مارس 2014"، والتي على الرغم من كونها مجرد انتخابات على مستوى صغير، إلا أنها تعطيه دفعة للانتخابات الرئاسية التي تقام في يونيو لأول مرة بالاقتراع العام.

 

وأخيراً أختم مقالتي بالقول لا شك أن تركيا مهمة للأمن والسلام الدولي والإقليمي، فالأحداث الأخيرة قد سلطت الضوء أكثر على تركيا، وجعلتها في بؤرة الاهتمام، كما أن أزمة الفساد التي تسببت في زلزلة حزب العدالة والتنمية قد تضع نهاية للنموذج التركي الذي كان يُجرى الترويج له بإعتباره نموذجاً شفافاً وديمقراطياً في المنطقة العربية، لذلك يواجه أردوغان إمتحاناً عسيراً في الخروج من هذه الأزمة، سواء أكانت هناك مؤامرات خارجية أم لم تكن.

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2014-01-03
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد