كنت راكباً في سيرفيس قدسيا في طريقي إلى المنزل جالساً أمام شوفير الباص الذي كان قد وضع بعض الموسيقى المرفقة بكلمات غير مفهومة, و عندما توقف السيرفيس عند اشارة ساحة الأمويين خرج الشوفير ليمسح زجاج المكروا من غبار ما خلفّه سابقه من تراب مشروع الخرافي على الزجاج.
جلس ينتقي لنفسه إذاعة يسمع بها أنغام من نوع آخر لتولد في آذاننا و للمرّة الأولى أغنية الأصدقاء (كلنا سوا) مع بعض مشاهير الدراما السوريّة و المسمّاة بـ "إنتي أحلى" الخاصة بالحفاظ على نظافة الشوارع السوريّة..
لم تمر ثوانٍ حتّى انتابتني نوبة كبيرة من الانبهار اللامعنوي و اللاسببي, حالة من الركود التفكيري و العقلاني الذي لم أعرف سببه ولا مسببه, إلا أنني أتذكّر تماماً التوقيت و المكان التي أتتني تلك الحالة بهما, كان ذلك بعد دار الأسد للثقافة و في طريق الشوفير الغضنفر إلى جسر الرئيس, لا أتذكر إلى صعودي و نزولي على هضاب الطريق و القابعة في منتصفه, الهضاب التي لا هروب منها يمنةً ولا يسرى لتصل بعدها إلى شارع الثورة الذي كان قد نفض منذ سنتين تقريباً و الحاوي لعدد لا يستهان به من الممثلين المحاولين تقمّص شخصية (بائعة الكبريت), الصارخين بقاذوراتهم المتباينة الألوان ما بين التوتي و السوسي و التمري و هكذا إلى الترابي المتناثر حول الحديقة, كنت هنا أحاول أن أخرج نفسي من تلك الحالة التي قد دخلت بها ولكن لا فائدة.
ذهبت باتجاه موقف سرافيس (زملكا/عين ترما/سقبا) أرغب الذهاب إلى المنزل لأجد العديد من المغتاظين من نظافة ما حول حاويات الزبالة هناك, و الذين يحاولون (فش قهرهم) على الجدار الخلفي لها, متناسين و متعامين عن المراحيض العامة التي تبعد 20 متراً و التي تكلّف 10 ليرات+مصاريف الشحن.
ما علينا, حاولت أن أصعد في أحد السرافيس دون جدوى فتوجّهت إلى سوق الهال (العتيق) الذي لم استطع أن امشي فيه من شدّة الإضاءة و الأنغام المتعالية فعدت أدراجي لموقف شارع الثورة و أخذت ميكرو "مزة جبل كراجات" علّى أن أنزل في آخر الخط و آخذ تكسي باتجاه المنزل إلى زملكا العديّة.
مررنا بالعدوي, آه كم أحب هذا الشارع الذي ترعرعت به, لا مطبّات إلا في أقصى اليسار الطريق عند السرعة القصوى متنكّرة على شكل ريكارات صرف صحّي, ولا "جنان" سائقي سرافيس, و لا مكاسرة أو دوبلة و لا هم يحزنون.
وصلنا الكراجات, صعدت بالتكسي, (زملكا لو سمحت) و مازالت الغيبوبة مستمرّة, و انطلقنا باتجاه أمامي و من ثمّ يميني نحو زملكا عبر مفرق معروف لا يتجاوز عرضه الـ 4 أمتار و تمرّ منه جميع البولمانات التي تغادر كراجات البولمان و تتجّه لباقي المحافظات, و الذي لا نستطيع أن ننسى أنّه طريق ذهاب-إياب أيضاً, مررنا بعد دقائق حتّى عبور أزقّة مضاق بني بولمان وصولاً للطريق المسّجاتي.
طريق المسجاتي يا سادة هو طريق يحتوي مطبّات عظيمة الشأن عند مثيلاتها و أكاد أظنّ أن باقي المطبّات تحلم أن تكون في ذلك المستوى من الرقي و التقدّم و التباين في المستوى المنخفعالي العريض, فلا يود الدالوبان الأماميان أن يخرجان مما وقعا بداخل حبّه حتى تسمع الدواليب الخلية تندّد و تشجب من عبّد ذلك الطريق و سلّكه, بل أنّي أكاد أجزم بسماع كلاب ساهرة ضاحكة على حال السيارات التي تعبر من ذلك الشارع الواقع على يمين المتحلق الجنوبي و الذي يعتبر طريق فرعي هامّ جداً..
وصلت إلى المنزل ولا أدري أني وصلت, جلست على التلفاز أقلّب فيما لا أدري حتّى إذا وصلت إلى قناتنا صعقت بنفسي و أنا أهجم على (ريموت كونترول) الجهاز أغلق الصوت لأجد نسرين طافش, إياد ريماوي, باسل خياط, سونيا بيطار, بشار موسى, و امل عرفة ضمن أغنيةٍ ما أنتهت بعنوان:
"انتي أحلى"