في سورية و لا أعلم إن كان ذلك في كلّ العالم العربي, تجد معظم الشباب الذي ينعت نفسه بالمثقّف والعاً متولّعاً بأمور دنيوية لا تعتبر إلا زينة الحياة الدنيا كالموسيقى و حب الأرض و الأيدولات الآدمية التي قد فعلت فعلةً جيدة بحق شيء ما, بل و تجدّهم يقلّدون من يحبّونه منهم في شتّى الأصعدة من طول شعر و ثعلبة حاجب و غليون الكرسي الهزاز مستمتعاً بكتاب نيشته على أنغام الفلويدز.
هذا الوصف الذي يكاد يكون حلم كل امرئ أن يعيشه أثناء عثور أحد حملة الآي فون عليه و هو في تلك الحالة و يلتقطها صورة له كي يصبح واضعاً إيّاها على الفيس بوك مع تحديده بها على أمل أن يراها معظم "صديقات و أصدقاء" ذلك الشاب السوري المثقّف الموضوعي ذو رتبة العظمة.
و لا يأبه عبدة "الموسيقى و قوانين الطبيعة" بما يدور حول الأرض من قضايا و قتل إلا بالنظريات و الأوامر و الأيديولات و الهتافات و المناظرات و المحاضرات التي ينتظرون عبادتها الواحدة تلو الأخرى كي يثبتوا لأنفسهم مدى الثقافة و الذكاء و التحكّم العقلي لحياتهم دوناً عن معظم شبابنا الجاهل الذي لا يهتم إلا بمهنّد و تامر و ميسي, و الذي لا نستطيع لومه على ما فعلته أمّه الجاهلة الساحقة المدمنة للتلفاز أو أباه المتبجّح بمجموعة شباب لا يقربونه لا من قريب أو بعيد.
جيل تلو جيل قد خرّب في بلادنا العربية الحاوية لجميع الديانات, و لعل معظم جيل النصف الاول من الثمانيات هم من بدأ بعملية (قص أجنحة الملائكة و تركيب قرني حمار) على رؤوسهم في بلدنا على غرار الحريّة الأمريكيّة التي عبدها أسلافهم في السبعينيات, فجيل الثمانينيات الأول قد وضّح ببساطة قدرة العقل بالتخلّي عن الخالق و البارئ و جرّد الانسان في بلدنا المصون عن قوانين الديانات و الآلهة ليصبح كل مننا يحيي مناسبات الديانات الأخرى مهما كانت و كأنه يجاكر إلهه المعبود بأنه هو من يقرر دينه لا أنت يا الله, كما تجدّ المثقّفون الاكثر بهم يقرأون لنيتشه و ماركس و دارون, بل حتّى الانجيل الشيطاني لانطون ليفي مؤسس الكنيسة الشيطانية, و المضحك الأكثر تقليدهم (منّي و جرّ) رفع الخنصر و السبابة للأعلى, الحركة المبتدعة من المذكور آنفاً في كنيس لعبدة الشيطان و التي تمثّله شخصياً (بتمثيل قرناه).
فإن أتيت بأحدهم و طلبت منهم عدد الكتب التي قرؤوها و لمن و عن ماذا, لن تجد وليّا مرشداً قرأ أكثر من 10 % من كتب دينه و معتقده إن كان قد قرأ عنها أصلاً بل على العكس, يهتم من بنفي و يتحدى إله في كتبه و كلماته ومعانيها, يهتم بمن يحط من درجة الله (و العياذ به) دون تردد, بل و حتّى يحلل و يحرّم على هواه و كيفه و ينصّب نفسه عالماً مرشداً للغير دون هوانة و دون مراجعة عالم قرأ حتى شحّ نظره و التوى ظهره, بل و المضحك أكثر أنّه إن ناقشك البعض منهم, يعتبر نفسه ربّاً عليك لا يتراجع و لا ينطق عن الهوى حتّى و إن كان أحد آراءه أو نصائحه خاطئة لا يتنازل عن الاعتذار أو الآخذ بالاسباب فهو العالم بكل شيء كما يظنّ نفسه, و إن رآك أخطأت بزلّة حرفٍ من أية مشهورة من انجيل أو قرآن, فيجب عليك أن لا تعدّ ما سينعتك به من جهل و انصهار في بوتقة حمير الدهر الرافسة.
تأخذهم العزّة بالإثم, فلا يدركون ان الله هو الخالق العالم بكل شيء و هو الوحيد الذي الا يخطئ ولا يعلّم إلا الحق, فلا يعتذرون و لا يكلّون إلا انتظار أخطاء من قل خطأه, ولا يعبدون الله عز ّوجل, إلا أنّه إن عبده بعضهم, فإنّه يفعل على أمل ان يكون هنالك ربّاً فيتحجج أن صلّى سنة كذا و صام سنة كذا, بل حتى لا يقرؤون ما كُتب عن علوم الدين ولا يحفظون من القرآن إلا جزء عمّ و يسّ إن اكتلموا.
تأخذهم العزّة بالإثم, لا يقرؤون ولا يعون خوفاً من ذلّهم لله إن فعلوا و تراجعهم عن الخطأ إن أخطؤوا, لا يودّون العودة لربّهم الذي إن تركوه و إن عبدوه لا يستفيد الله مكيال ذرّة من الانسان, بل لو فعلوا و قرآوا و قارنوا, يصبحون علماء دين و فقه و قرأة و إعجاز أكثر ممن خرجوا حتّى.