news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
تقسيم روسيا والحلم الغربي الذي بات حقيقة ...بقلم : الدكتور خيام محمد الزعبي

يقدم وضع أوكرانيا الحالي نموذجاً ومثالاً ساطعاً لمخاطر وأضرار التدخل الخارجي في شؤون البلدان المستقلة، ويقدم درساً بالغاً لقضايا العلاقات وحقائق إدعاء الإنفتاح لدى القوى الغربية التي لا تعرف وتعترف سوى بالإحتكار والنفوذ والسيطرة، واليوم تتسارع التطورات في أوكرانيا بعد التغيير وبصورة دراماتيكية تنذر بتصدع خطير في العلاقات الدولية وتسمح بإعادة ترتيب أوراق منطقة النفوذ الروسي وعلى نحو يعيد إلى الأذهان فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي خاصة بعد التصريحات المتبادلة بين الرئيسين الأميركي والروسي بشأن تداعيات هذه الأزمـة، وفي إطار ذلك إلتقى المسؤولين الأوكرانيين بالمعارضة وإتفقوا على هدنة واللجوء الى الحوار بدلاً عن العنف وسرعان ما تبخر ذلك الإتفاق وعادت المواجهات من جديد وإشتعلت الإضطرابات في ميادين العاصمة كييف. 


فرار فيكتور يانوكوفيتش من أوكرانيا ودخوله روسيا ورفع العلم الروسي على المبنى الذي يضم مقر الحكومة في شبه جزيرة القرم، ثم إقرار مجلس الشيوخ الروسي بضرورة التدخل العسكري في أوكرانيا، كلها مستجدات تنبئ بمشهد بات قريباً من مسرح الأحداث، وسيناريو إنفجار أوكرانيا والإنجراف نحو حرب أهلية تتسارع في الأذهان، فقد تكون شبه جزيرة القرم مركز الزلزال للهزة العنيفة التي ستطال أوكرانيا ومنها إلى الدول المجاورة التي باتت تحذر من عدوى الصراعات الإقليمية على شاكلة الحرب في سوريا.

 

لعل سياسة شد الحبل أصبحت تتصاعد بين موسكو وكييف، فأوكرانيا منقسمة على نفسها بين شرقها الروسي الذي يعج بالمصانع المنتجة وبين جناحها الغربي الخالي من أدوات الإنتاج ومعظم رجال أعماله يعملون في أوروبا، وبينما الشرق الأوكراني يفضل البقاء مع الفدرالية الروسية والمحافظة على اللغة الروسية كلغة تحتل المرتبة الثانية بعد الأوكرانية، فإن الغرب الأوكراني يواصل تحطيم وحرق المباني الحكومية و كل ماله علاقة بروسيا ويدعو لإلغاء التعامل مع اللغة الروسية داخل البلاد وهو الذي حدث سابقاً عام 2013 بعد سنوات من إندلاع الثورة عام 2004 التي هزت أواسط أوكرانيا.

 

مما لا شك فيه إن أوكرانيا تدفع اليوم ثمن التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية، وليس سراً على أحد أن الناتو يحاول جر دول أوروبا الشرقية إلى مستنقعه، في حين تحاول روسيا الحفاظ على أمنها القومي، وفي هذا السياق عبر مسؤولون أوروبيون عن إستيائهم من موسكو، التي وضعت كل ثقلها لمنع هذه الجمهورية السوفييتية السابقة من التقارب مع أوروبا، لكن في المفهوم الروسي، إن الشراكة بين أوكرانيا والإتحاد الأوروبي مشروع سياسي يهدف إلى مساعدة القوى المعارضة الموالية للغرب في تولي الحكم بأوكرانيا، وإضعاف النفوذ الروسي فيها وفي الدول الأعضاء في الشراكة الشرقية مع الإتحاد الأوروبي، وعليه فإن السياسة الروسية تعارض هذه الشراكة التي تسعى إليها أوروبا.

 

وموازاة ذلك فإن أوروبا لن تخسر معركتها بسهولة، لذا ستحاول تطوير المشهد الميداني، وبالمقابل روسيا لن تسمح بتدخل خارجي في الشؤون الأوكرانية بأي شكل من الاشكال، وعليه فإن التوتر سيتصاعد، فالصراع إذاً هو صراع على الأسواق والفرص الإقتصادية والمواقع العسكرية والنفوذ السياسي، وبناء عليه يمكن تفهم القلق الذي يساور روسيا بشأن تحول إهتمام أوكرانيا ناحية الغرب أسوة بالدول الإشتراكية السابقة وما يعنيه ذلك من فقدان للتعاون الإقتصادي والتجاري بين روسيا وأوكرانيا.

 

وفي سياق متصل تؤكد روسيا بأن الغرب وأمريكا يقومون بتأجيج الأوضاع في كييف وتتهم وسائل الإعلام الغربية بعدم الحيادية والشفافية والمصداقية في نقل ما يجري على ارض الواقع وإنحيازها للمخربين، ومن هذا المنطلق  دخلت الأزمة في أوكرانيا منعطف خطير بعد لجوء المعارضة الأوكرانية المدعومة من أمريكا وأوروبا الى السلاح وقتل رجال الشرطة العزل الذين يقومون بفض الإعتصامات التخريبية في شوارع مدينة كييف التي سيطر عليها المتطرفون المحسوبون على المعارضة والذين قاموا بإحراق المنشآت والإستيلاء على المباني الحكومية وقلع حجارة أرصفة الشوارع وتخريبها.

 

فالسؤال الذي بدأ يثيره المراقبون والمحللون والمهتمون للشأن الأوكراني وللأحداث والتطورات الدولية، ما هو سيناريو الأزمة الاوكرانية؟

 

من المؤكد إن القيادة الروسية حذرت مراراً وتكراراً من وصول تداعيات ما سماه البعض بالربيع العربي إلى تخومها، وها قد حصل ذلك، فبعد موجة الثورات التي زعزعت الإستقرار والأمن في فضاء الإتحاد السوفيتي السابق قبل سنوات، جورجيا وأوكرانيا وقرغيزيا، ها هي أوكرانيا تعود إلى واجهة الأحداث الثورية، والإتهامات الغربية لروسيا بالتدخل في الشؤون الداخلية لدولة يريدها الاتحاد الأوروبي سوقاً لبضاعته ومصدراً لأيدي عاملة رخيصة.

 

فالسيناريو الذي حدث في الدول العربية يتكرر الآن في روسيا، لكن ربما بأدوات مشابهة وليست نفسها، فبعض أنصار المعارضة يقومون بالتحريض على الدولة، تجري إستفزازات في الميادين تدفع الشرطة لإستخدام القوة، وبعد ذلك الحبل على الجرار، إتهامات من كل صوب للسلطات بإستخدام العنف ضد المتظاهرين، ربما كـانت أولى تطورات الأزمة الأوكرانية ما يحدث على الأرض داخل هذا البلد، من إحتمالات تقسيم وحدة أراضيه وإمكانية دخوله في نفق مظلم من الصدامات المسلحة أو تزايد إحتمالات الإنجرار إلى حروب بالوكالة.

 

وهنا يمكنني القول من المحتمل أن تذهب أوكرانيا إلى حال تفكك وإنقسام، ومنذ الآن بدأ الحديث عن أن الجزء الشرقي مرشح لأن يذهب باتجاه روسيا وأن القسم الغربي سيتجه نحو أوروبا، وفي حال حدوث هذا فإن أوكرانيا ستدخل في خبر كان، فالذي تشهده أوكرانيا من تسارع في وتيرة المواجهات والإضطرابات بشكل دراماتيكي يعصف أساساً بوجود الدولة ذاتها ويهددها بخطر التقسيم والفوضى الخلاقة، وبالتالي في معمعة أزمات سياسية وإقتصادية متتالية بإنتظار ما ستؤول إليه الأحداث بفعل التدخل الغربي ورد الفعل الروسي الذي يتوقع معه أن يكون قاسياً

 

الأيام المقبلة ستكون حاسمة لجهة التطورات في أوروبا الشرقية، لاسيما وأن عدداً من ساسة الإتحاد الأوروبي زاروا كييف مؤخراً، وأدلوا بتصريحات إستفزازية دعوا فيها إلى النضال من أجل الديمقراطية، على الرغم من أن هناك حكماً ديمقراطياً في أوكرانيا، ما هو مؤكد بإعتقادنا هو أن القوى المعارضة في أوكرانيا لا تسعى إلى توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بغية تطوير الإقتصاد أو تحسين مستوى معيشة السكان، بل من أجل زيادة تأثير الغرب في الحياة السياسية الداخلية في البلاد وتعزيز مواقفها في الصراع على السلطة.

 

فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إنه مهما احتدمت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا فإن الحل يكمن في إجراء حوار بين الطرفين وعلى العقلاء من السياسيين في أوكرانيا عدم الإنجرار وراء أوهام أوروبية تبيع بها جارتها روسيا بأرخص الأثمان، خاصة إذا ما تذكرنا بأن مصانع أوكرانيا هي نسخة مكررة للروسية وان منتجاتها لن تباع وتسوق سوى في روسيا والعكس صحيح ثم أن الغاز التي تستهلكه أوكرانيا منبعه من الجارة روسيا وبأسعار مخفضة مراعاة لبلد كان جزءاً من الإتحاد السوفياتي وفيه أقليات روسية في شبه جزيرة القرم إضافة إلى أسطول البحر الأسود الذي يشكل في حالة كهذه مشكلة خاصة .

 

واخيراً ربما يمكنني القول إن الجمهورية السوفيتية السابقة أصبحت اليوم ساحة جديدة للصراع الشرقي-الغربي، صراع من الممكن أن يحرق هذا البلد ويمزقه، وهنا لا أخفي مخاوفي كمراقب للأحداث من أن تمتد حالة الإستقطاب الدولي إزاء الأزمة الأوكرانية وتلقي بظلالها الداكنة على حالة التوافق الأممي تجاه العديد من الأزمات المتشابكة ومنها التوافق غير المسبوق تجاه بعض الأزمات العربية التي أوشكت بفعل هذا التوافق أن تضع حداً ونهاية لها.

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2014-03-07
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد