من دون أدنى شك تعتبر الأزمة السورية من أشد الأزمات الإنسانية على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث كشفت تقاعس وفشل المجتمع الدولي
فالشعوب العربية والدول التي تتظاهر بالديمقراطية والحرية من دول الغرب لم تستطع إيقاف مأساة السوريين، بل زادوا من مآسيهم عن طريق دعمهم أطراف الصراع بالأسلحة والعمل على إطالة الحرب الداخلية الدائرة في سورية لإنهاكها وتدمير مقدراتها وزعزعة استقرارها وتعميق الشرخ الطائفي والمذهبي وإشعال حرب طاحنة بين أبناء الشعب الواحد التي لن يكون فيها منتصر سوى أعداء الوطن الذين يطمحون في إيصالها إلى الدمار والخراب. كما سعت هذه القوى إلى إسقاط الدولة السورية إذ تعتبره إسقاط عمق أساسي للمقاومة وقطع الطريق بين طهران ودمشق ولبنان وتقسيم سورية إلى دويلات لإنتاج مزارع طائفية ومذهبية تخوض حروب فيما بينها ولإشغال قوى المقاومة في التحضر للمواجهة الداخلية بدلاً من التحضير لمواجهة إسرائيل.
ومخطئ كل من يرى أن نهاية الأزمة ستكون برحيل الأسد عن السلطة أو أن حلها سيكون فقط بإعادة انتخابه مرة جديدة، لأن ما يحدث في سورية هو إستهداف لدورها ولموقعها ولجيشها وتدمير بنيتها التحتية والاقتصادية وتفكيك وتقسيم وإضعاف سورية الدولة والوطن، وموضوع الاستحقاق الرئاسي تفصيل في هذا المشهد، لأن الحرب في سورية لن تتوقف إلا عندما يصبح استمرارها يشكل خطراً على إسرائيل، وحالياً وفي المدى المنظور كل ما يجري هو في صالح الدول الغربية وإسرائيل بالأخص، فالشعب السوري وبوقوفه في وجه كل من حاول عرقلة الإنتخابات الرئاسية وإصراره على إجرائها يؤكد رفضه للإملاءات الخارجية عليه والإرهاب والعنف
وبالتالي فإن هذه الإنتخابات الرئاسية في سوريا توجه العديد من الرسائل المهمة منها، احترام الحكومة لإرادة الشعب واستقلاليته وذلك من خلال صناديق الاقتراع كما إنها توجه رسالة بأنه على بعض دول المنطقة وقف دعمها للمجموعات المسلحة ووقف إرسال الإرهابيين وارتكاب المجازر في سورية لأن الشعب السوري يريد استعادة حياته الطبيعية، إلا أنه مع بالغ الأسف دخلت الكثير من الدول الإقليمية والدولية هذه الأزمة وبعضها كان يتصور أنه سيتمكن من تغيير الظروف وتدمير سورية خلال عدة أسابيع وذلك من خلال خلق الأزمات الإقتصادية والسياسية فيها ، كما كرسوا الأموال والسلاح لخدمة أهدافهم،ومن هنا فإن سياسة التخبط التي إتبعتها القوى الغربية فشلت في هزيمة الشعب السوري من خلال توجيه بوصلة حب الوطن ضد كل ما تقوم به هذه الدول ومحاصرة كل مغامرة تؤدي إلى ضرب هذه الوحدة وزعزعة السلم الأهلي.
وأخيراً ربما أستطيع القول إنه يجب علينا القيام بالمبادرات الوطنية من أجل الوطن، وأن ننهض بسورية وأن نجعلها في مصف الدول المتقدمة، وذلك من خلال الترابط والتعاون ونبذ كل التفرق والخلافات، وإشاعة روح التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الديانات والمذاهب المتعددة، وهذا لا يأتي إلا عبر حوار سياسي عاقل تشارك به كل الأطراف المختلفة لتحقيق المصالحة الوطنية، فسورية تحتاج إلى سواعد أبنائها قبل سواعد أصدقائها خصوصاً في هذا الوقت الذي نرى العالم من حولنا ينتشر فيه الصراع والقتل والخراب والتدمير، وأعتقد أن الشعب السوري مدرك تماماً لهذا الأمر، وهو ما برز بوضوح على مدى سنوات الأزمة والضغوط المختلفة التي يعيشها، والتي وصلت في كثير من الأحيان إلى لقمة عيشه.
الدكتور خيام محمد الزعبي-صحفي وباحث أكاديمي في العلاقات الدولية
https://www.facebook.com/you.write.syrianews