بموازاة الصراع الوحشي في سوريا، كانت عيون العالم تتطلع إلى العراق، موجة عنف هي الأكثر حدة منذ سبع سنوات، وفي ذروتها نجح التنظيم الإسلامي المتشدد المنبثق من القاعدة من السيطرة على مدينتين مهمتين في العراق، هذا دليل واضح على الفشل الأميركي الذريع في العراق وفي التعامل مع مشكلات الشرق الأوسط، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام مرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
استأثر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" مجدداً بإهتمام الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام بعد تمكنه من فرض سيطرته الكاملة على عدد من المدن العراقية في مشهد يوحي بأن التنظيم يقترب من تحقيق هدفه بإقامة دولة "خلافة إسلامية" في العراق
أما في سوريا فقد تمكن التنظيم الذي يضم مقاتلين متمرسين ومدربين من فرض سيطرته على كل من محافظتي الرقة وجزء من ريف دير الزور المحاذية للحدود مع العراق، وبفضل سيطرتهم على محافظة نينوى فتحوا لأنفسهم ممراً يربط بين الأنبار والموصل والحدود السورية، وهذا المعبر الحدودي يسمح للجهاديين في سوريا بالتواصل مع الجهاديين في العراق، وبالعكس، وغدا تنقّل السلاح والرجال والمال بين هاتين الدولتين ممكناً، هذا فضلاً عن السيطرة على المناطق النفطية وتأثير ذلك على أسعار النفط مستقبلاً.
تطور الأحداث بهذا الشكل تحتم على القوى الغربية وخاصة إسرائيل إعادة التفكير بالشرق الأوسط الجديد الذي بدا يتبلور من خلال تحقيق أهدافهم ومطامعهم في المنطقة، لا سيما في ظل نشوء كيان سياسي جديد في العراق أخطر بكثير من الكيان الفلسطيني الموحد الذي دأب على مقاومتها، مما يشكل خطراً حقيقياً على أمن إسرائيل، ويهدد بصورة كبيرة إستقرار الأردن الذي له أهمية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، ومن شأنه أن ينعكس على الحرب الأهلية في سوريا والوضع القائم في هضبة الجولان، وبالتالي فإن لإسرائيل مصلحة كبيرة في محاربة تمركز الدولة الإسلامية في أي منطقة في الشرق الأوسط حتى لو كان هذا التنظيم لا يوجه عملياته ضد إسرائيل إلا إن توسعه الجغرافي يشكل خطراً أمنياً عليها.
وفي سياق متصل فإن التطورات الأخيرة في العراق خلقت مصلحة مشتركة بين دول المنطقة وخاصة المجاورة للعراق في التصدي لخطر داعش، ولكل دولة أسبابها ومخاوفها، فإيران تتخوف من سقوط مدن شيعية مهمة في يد الدولة الإسلامية، وتركيا التي دعت لعقد اجتماع طارئ لحلف شمال الأطلسي تتخوف من تسلل العناصر الإسلامية المتشددة من سوريا إلى أراضيها، والأردن يخاف على حدوده مع العراق القريبة من مناطق سيطرة الدولة الإسلامية، وكذلك لبنان ودول الخليج التي ينتابها الشعور بالقلق والتوتر إزاء ما يحصل في المنطقة.
بالإمكان القول إن إحتلال الموصل يشكل علامة في طريق عملية تفكك دول كثيرة في المنطقة، وإن الوضع في منطقة الشرق الأوسط مخيف وخطير، وشبح التقسيم لم يعد فقط يطل برأسه، بل تحول اليوم بفعل هشاشة الدولة وضعفها إلى أمر واقع في المنطقة التي باتت تغرق في العنف والفوضى، التي تمارسها المليشيات المسلحة والجماعات المرتزقة
وبالتالي فإن هذه الحالة من الفوضى غير الخلاقة لن تنتج سوى مزيداً من العنف والموت والدمار والخراب، التي باتت تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أن ما حدث في الموصل، قد يغير السياسات في منطقة الشرق الأوسط، إذ أيقظ العالم، وجعله ينتبه إلى أن تنظيماً تابعاً للقاعدة بسط سيطرته على جزء كبير من شمال العراق وسوريا، وبالتالي فإن استمرار الأزمة في سوريا وإنتشار المجموعات المتطرفة فيها ينذر بنتائج كارثية على المنطقة والعالم، وهذا يستدعي حل سريع لهذه الأزمة، ينهي معاناة الشعب السوري بما يحفظ وحدة أراضي سوريا وإستقلالها السياسي في المنطقة.
وأخيراً ربما أستطيع القول أن العالم العربي يواجه خطراً كبيراً عنوانه الإرهاب، ويطمح هذا الأخير ليس إلى التدمير فحسب، بل إلى تغيير الأوضاع القائمة في المنطقة، تحت شعار الإسلام المتطرّف ضد الإعتدال، وإن ما يحدث في العراق وسوريا كارثة كبيرة، ليس من مصلحة المنطقة بكاملها، ويشكل خطراً يهدّد كافة الدول العربية وعلى الجميع التنبّه له.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews