في الوقت الذي تعمل فيه المليشيات المسلحة بإزالة الحدود بين دول منطقة الشرق الأوسط، يعمل الأكراد على وضع الحواجز الرملية والخنادق على الطرقات خاصة المناطق التي سيطروا عليها كمدينة كركوك التي يعتبرونها مدينتهم الروحية، بثروتها النفطية ومواردها الإقتصادية الكبيرة، وذلك في الوقت الذي يتقدم فيه مقاتلو داعش في مناطق أخرى، هذا بما ينذر تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق سنية وشيعية وكردية.
فالوضع الراهن في العراق جمع طهران وسوريا وأنقرة في بوتقة واحدة لأن الإنقسام وخطر تنظيم داعش والقوة الجديدة التي إكتسبها الأكراد على خلفية الإنهيار الأخير في الحكومة المركزية ببغداد له تداعيات كارثية وخطيرة على الأتراك والإيرانيين، الذين سيقفون ضد تقسيم العراق وسيــحاولون منع الأكراد مـن الإسـتقلال ودعم الحكومة العــراقية، كونهما أكبر المتضررين من تشكيل دولة كردية مستقلة في شمال العراق، نظراً لوجود نسبة كبيرة من الأكراد في كل من إيران وتركيا، مما قد يؤدي إلى دعوات مشابهة من قبل الأكراد في كلا البلدين، حيث أن تركيا تمثل متنفسها البحري الوحيد, إضافة إلى أن أنابيب النفط الكردية تمر بتركيا
ومن الممكن أن يكون هذا مشجعاً ﻷكراد تركيا على الإنفصال خاصة مع إزدياد العلاقات بينهم وبين الدولة التركية سوءاُ، كما إن إنفصال كردستان سيزيد من معاركها مع تنظيم داعش, في تكريت وإمتداداً عبر الحدود مع تركيا, ما يزيد الإضطرابات في الحدود التركية, خاصة بعد خطف داعش, القنصل التركي وعدد من الدبلوماسيين الأتراك, الأمر الذي ينهك تركيا, كون داعش تعتمد على حرب العصابات ما يجعلها تشكل خطراً كبيراً على أمن تركيا والمنطقة بأكملها، وفي الوقت نفسه تسعى تركيا إلى إيجاد حل للقضية الكردية من خلال إشراك الأكراد في العملية السياسية وإنهاء النزاع المسلح مع حزب العمال الكردستاني الذي طال لعقود، وكذلك فإن الإنفصال ستكون له نتائج كارثية على إيران, حيث أن شرق كردستان هو داخلها، فضلاً عن المواجهات المسلحة التي زادت على الحدود الغربية بين الحرس الثوري مع فصائل كردية إيرانية مسلحة خلال الأيام الأخيرة، ورغم احتفاظ الحكومة الإيرانية بعلاقات جيدة مع حكومة إقليم كردستان العراق، فإنها أعلنت مرارا أنها ضد تقسيم العراق, وستحاول منع الأكراد من الاستقلال.
وفي سياق متصل فإن الأكراد يعيشون الآن فترة ذهبية في ظل النظام الفيدرالي الذي منحهم حقوقاً لم تعرفها المنطقة الكردية من قبل، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو لماذا يلوح قادة الأكراد في العراق بالإستقلال وهم يعلمون أنها خطوة مستحيلة وأن إيران وتركيا لا يوافقون عليها؟ وهم أيضاً، في الوقت نفسه، قد أقروا بوحدة العراق ويشاركون في حكم العراق المركزي، ويمتلك الإقليم الكردي فرصاً ومزايا لا يزيد الإستقلال فيها شيئاً، فهو إقليم يتمتع بموارده الذاتية، ويفرض عليه ضرائب خاصة، ويمتلك قوات عسكرية وأمنية تابعة له "البشمركة"، بالإضافة إلى برلمانه الخاص وعلمه ونشيده، واللغة الكردية تستخدم في المدارس والدوائر الرسمية لدرجة أن اللغة العربية لم تعد تستخدم ولم يعد يتقنها الجيل الجديد من الأكراد
وهنا يمكنني القول إنه ليس من مصلحة الأكراد التفريط بهذا الإنجاز من أجل مشروع تواجهه مخاطر وتكتنفه مجاهيل في منطقة مشتعلة بالفوضى الطائفية، كما إن استقلال إقليم كردستان سيحرمه من حصته من الميزانية العراقية ويدفعه على الإعتماد على موارده النفطية وحدها التي تشكل تركيا المنفذ الوحيد عملياً لتصديرها، وبالتالي ستكون الدولة الكردية المستقلة رهينة الحفاظ على علاقات طيبة مع تركيا في كل الأوقات تجنباً للإبتزاز وهذا أمر لا يمكن التعويل على ديمومته في العلاقات الدولية.
من دون شك، لا يعني الحديث عن هذه المقومات بأن الظروف باتت مهيأة لإعلان مثل هذه الدولة، فالثابت أنه على الرغم من انشغال الدول الإقليمية، ولا سيما إيران وتركيا وسوريا بقضاياها الخاصة، فقيام مثل هذه الدولة يعني تغيير خريطة الشرق الأوسط، وقلب خريطة الحدود التي وضعتها اتفاقية سايكس ـ بيكو، وتداعيات مباشرة على أمن دول المنطقة التي لن تقبل إقامة دولة كردية، فضلاً عن أن الغرب لن يقبل بسهولة مثل هذه الدولة، ما لم تقدم خدمة إستراتيجية له.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن كل ما يدور ويحدث على أرض العراق يبعث على القلق والخوف من إنهيار السلطة المركزية والجيش وإنتعاش الكيانات الطائفية، وبالتالي إذا ما استمر الوضع على حاله في العراق فقد يصل المشروع إلى حد السعي إلى التقسيم وتخريب العراق وإستهدافه دولة وجيشاً وشعباً.
وأخيراً ربما أستطيع القول يجب على الأكراد أن يحافظوا على وحدة التراب العراقي، لأن إنقسام البلاد إلى مناطق للسنة وأخرى للشيعة وأخرى للأكراد سيؤجج حروباً عرقية وطائفية بين أبناء الشعب الواحد، وأن قيام دولة للأكراد بلا دعم من دول الجوار مثل تركيا وإيران سيبقى حلماً مستحيل التحقيق.
الدكتور خيام محمد الزعبي-صحفي وكاتب أكاديمي في العلاقات الدولية
https://www.facebook.com/you.write.syrianews