لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في أي دولة في الشرق الأوسط إلا وحولتها الى خراب وفوضى عارمة، هكذا فعلت في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن ، فالطوائف المختلفة التي تعايشت في سلام باتت تذبح بعضها البعض والتي أدت إلى موت وتشريد الملايين وأعداد وفيات لا تقدر في المستقبل، وأوجدت إسرائيل التي سرقت الأراضي ودمرت المدن الفلسطينية.
فالمتابع لما تتعرض له سوريا والعراق من هجمة إرهابية شرسة من قبل التنظيم الإسلامي"داعش" بطريقة متقنة من جميع الجوانب، وما يرافقها من دعم الإعلام العربي والدولي، لا بد وأن يصل إلى قناعة أن هذه الحملة المنسقة لا يمكن أن تكون من صنع هذا التنظيم وحده، بل وراءه حكومات إقليمية ودولية غربية، وبالأخص إدارة أوباما، وأن هذا التنظيم المسلح من صنع هذه الحكومات لتوظيفها كقوة ضاربة ضد أية حكومة في العالم تخرج على سياسات هذه الحكومات.
كل ما يجري اليوم في العراق هو من صنع أمريكا، وسبب تردد أوباما في دعم العراق هو لمنح داعش الوقت الكافي لإحتلال أكبر مساحة ممكنة من العراق لتضمن مصادر بقائها من جهة، ومن ثم إقناع إيران للتورط في المستنقع العراقي، والغاية الأخرى من هذه الحملة هي تجزئة العراق، وهذه اللعبة تعني أن أمريكا تريد الإنتقام من إيران، كما إنتقمت من سوريا، لأن سوريا وإيران جعلتا العراق مستنقعاً لأمريكا بعد عام 2003، وإن صح ذلك، فهذا يذكرنا بنجاح أمريكا والدول الغربية الأخرى في جر الإتحاد السوفيتي إلى المستنقع الأفغاني، الأمر الذي إستنزف الإقتصاد السوفيتي إلى حد الإنهيار.
وهذا يجعلنا نطرح بعض الأسئلة الهامة هي، لماذا سمحت أمريكا لتنظيم داعش بالتمدد، ولماذا سمحت بإقامة خلافة إسلامية بجوار حليفتها إسرائيل؟ لاسيّما أن أمريكا كان تبادر إلى قتال أي محاولة لتنظيم القاعدة بإقامة أي كيان لها في المنطقة، فليس معقولاً أن تتخلى أميركا عن هيمنتها، وتترك المنطقة ترسم مستقبلها بنفسها، وليس صحيحاً أن أميركا تعبت من التدخل العسكري في شؤون الدول الأخرى، فوجود إسرائيل والنفط والثورات لا يسمح لأميركا بالتخلي عن المنطقة، أو تغيير الإستراتيجية فيها.
وعليه، نفهم غض أميركا والغرب النظر عن حرب تنظيم داعش، كون أمريكا وجدت الجهاديين والثوار يصفّون بعضهم بعضاً من جهة، ويقاتلون الأسد وحزب الله وإيران من جهة أخرى. فمهما كانت النتيجة فالغرب هو الرابح، وبالتالي تدمير سورية والعراق من الداخل، لأنها تدرك أن سورية والعراق قادرتان على قيادة المنطقة والصراع ضد إسرائيل، طبعاً ليس في ظل النظامين القائمين، بل تخشى من القادم، لذلك تعمل على تدميرهما وإضعافهما في المنطقة حتى لا تقوم قائمة للعرب، بالإضافة الى إبتزاز الأنظمة العربية الأخرى
وهذه الأنظمة ستخشى من تمدد التنظيم، وستستمر بتسليم قرارها للأميركان، حتى يحميها مما يجري في المنطقة، وليس أدل على ذلك من خنوع الأنظمة العربية تجاه ما يجري اليوم في غزة، فهم لا يجرؤون على مجرد الكلام، لأنهم يخشون أن يكون كلامهم مخالفاً للرغبة الأميركية، فضلاً عن رسم خريطة سياسية للمنطقة، تبدأ بتقسيم العراق لثلاث دول، كما تهدف الى زيادة الصورة المشوهة للإسلام في العقل الغربي، بتصوير المسلمين همجاً يقتلون بعضهم بعضاً، وعدم قدرتهم على بناء أنفسهم ودولهم، وسعيهم إلى سفك الدم من أجل الدم، ومحاربتهم أدنى مقومات حقوق الإنسان.
وقبل أيام شعرت الولايات المتحدة بواجب التدخل في العراق، ولكن ما الذي جعل الرئيس الأمريكي يتحرك في هذه المرحلة الراهنة هل هي حقا المخاوف من حصول إبادة جماعية في العراق؟ الم يسمع عما فعله داعش في الموصل طوال نحو أكثر من شهرين، وما يواصل إرتكابه من مجازر وجرائم ضد الإنسانية في سوريا طوال نحو عامين؟ وهل الطائفة الايزيدية التي أشار إليها في خطابه بإعتبارها اقرب الى قلبه من المسيحيين أو غيرهم من الأقليات؟
ومن هنا أرى إن التحرك الأمريكي
جاء لإعتبارات لا علاقة لها بإنقاذ الأقليات الدينية أو العرقية، أو بهدف القضاء
على داعش أو حتى إضعافه.
الواقع أن أربيل هي العاصمة
الإقليمية لأكراد العراق، الذين أثبتوا أنهم حلفاء رئيسيون لواشنطن وسيكونون
محوريين في أي مخططات لإعادة العراق إلى دولة ناجحة، كما أن لدى الولايات المتحدة
وأكراد العراق تاريخاً طويلاً ومعقداً قد يلعب دوراً في موقف كهذا، بالإضافة الى
إعلان شركات نفطية غربية كبرى سحب موظفيها من شمال العراق بسبب تقدم داعش، ما يعني
تأثيرا مباشراً على إمدادات النفط،، فضلاً عن أن سقوط الإقليم الكردي يفتح الطريق
أمام داعش لتهديد دول مجاورة، في شرق العراق وشماله، ما يحوله الى خطر إقليمي مباشر
للمصالح الحيوية الأمريكية ولهذا السبب سارع أوباما لشن هجوم متواضع على حليفه
"داعش".
وأخيراً، نؤكد للرئيس أوباما، وكل من إستخدم الوسائل الداعشية لتنفيذ الأعمال الإجرامية في سوريا والعراق، أن حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر، وأن كيدهم سيرتد إلى نحورهم، وكما يبدو أن هؤلاء المراهنين لم يعرفوا طبيعة الشعب السوري والعراقي وسايكولوجيته الإجتماعية، فالشعب السوري والعراقي يرفض الإملاءات الخارجية عليه، ويرفضون الذل والمهانة والخنوع
وهنا أقول إن الغرب وإسرائيل هو المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب العربية التي إتبع سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها وما زالت هذه المخططات و المشاريع سارية المفعول، حيث يحاول الشريكان الأمريكي والصهيوني تنفيذها عبر خلق الأزمات والفوضى والفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد في العديد من أقطار القطر الواحد.
لدكتور خيام الزعبي-صحفي وكاتب أكاديمي
https://www.facebook.com/you.write.syrianews