تدرك المنطقة ومعها المحيط الإقليمي والدولي أن الوضع في سورية لم يعد قادراً على إنتاج حلول سياسية من دون حلول وطنية تواجه مشاريع الذهاب بالبلد إلى أتون صراعات طائفية، تحرق الأخضر واليابس، ولنا تجربة فيما يحدث في العراق اليوم التي إنزلقت في إطار هذه الصراعات ولم تجد لديها القدرة على الخروج منها
فالمشهد السوري لا يزال سوداوياً، رغم كل الجهود التي تبذل، لأن هناك من لا يزال يصبّ الزيت على النار سراً وعلانية، ولأن القوى التكفيرية تواصل نهجها التدميري تنفيذاً لمخططات تلتقي بشكل مباشر مع كل القوى المعادية للأمة العربية وفي مقدمتها العدو الصهيوني.
اليوم لا يبدو المجتمع السوري قادراً على إحتمال المزيد من الصراعات بمختلف أنواعها، لكنه سيكون أكثر قابلية لخوض صراعات طويلة المدى إذا لم يتم لجم المشاريع التي تريد أن تبقي سوريا أسيرة للصراعات التي تغذيها دول إقليمية ودولية، ومن هنا تبدو مسألة جمع القوى والفرقاء بكافة فئاتها والإتفاق على مشروع جامع يعمل على تفكيك بنية الأزمة الطاحنة التي نراها اليوم، قضية في غاية الأهمية.
وفي سياق متصل تواجه سورية تحدياً وجودياً،
وبالمقابل فإن السوريون لديهم القدرة على أن يتجاوزوا هذه المحنة ويساعدوا أنفسهم،
فهم بحاجة إلى الصدق وترك المشاحنات ليعمّ التسامح في أرجاء سورية من أجل الأجيال
القادمة، لذا لا خيار لنا إلا أن نصطف لإنقاذ السفينة التي تترنّح وتحاول أعاصير
التطرُّف والفوضى والطائفية أن تفتّت سوريا، وبالتالي لا بد من قطع الطريق على من
يريد أن يذبح سوريا بسكين الطائفية المسمومة والعنف الأعمى وهي آخر ما لديهم ضد
سورية وسيخسرون الرهان على ذلك حتماً
فمازال لدى الشعب السوري الكثير من الحكمة والكثير من الفرص لإنقاذ بلادهم، وفي إطار ذلك يمكنني القول إن الإصطفاف من قبل السوريين ومحبّي سورية ضرورة وطنية، التي تؤكد على إنها ضد قتل السوريين وسفك الدم، وضد السلاح خارج إطار الدولة والقانون، وضد الجهاديين والمسلّحين مهما كانت التحدّيات والتضحيات, والدعوة الى بسط الدولة في كل المحافظات والمدن السورية، لإن سورية لكل السوريين وبهم تكون
لنستفد من دروس التاريخ وصور الواقع هنا وهناك، لنعمل معاً على تنفيذ مخرجات الحوار وبناء الدولة الحديثة، وهي وثيقة وطنية يجب أن نرفعها بجدية، فسورية تمر بلحظة مفصلية وفاصلة من تاريخها وهي بحاجة بدلاً من العنف والسلاح إلى توافق وطني من قبل كافة أبنائه لمواجهة التحديات الراهنة
وهذا يتطلب التسامي فوق الجراح والأحقاد وأن يذهب السوريون جميعاً تجاه السلام والوئام مشمرين سواعدهم لتحقيق التنمية والنهوض الحضاري الشامل، في إطار ذلك فإنه من المهم إنتهاز الفرص السانحة للملمة شمل السوريين في سبيل تخطي منعطفات الماضي بإيجابياتها وإخفاقاتها، وعلى قاعدة أن الوطن لا يمكن أن يستقيم شأنه إلا بالجميع من أجل الجميع دون إقصاء أو إستثناء.
كما لابد أن تتناسى جميع القوى السورية خلافات
الماضي وأن تعمل على نبذ الأحقاد وسياسة الإنتقام وتصفية الخصم، إنطلاقاً من أن
سوريا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الأزمات الطاحنة، وإذا ما عجزت القوى عن
إيجاد طريق للحل فإنها ستذهب إلى حلول تجزيئية، خاصة في ظل المعطيات على الأرض
المتمثلة في تهديد الإسلاميين لكيان الدولة وإستمرار خطر تنظيم القاعدة التي يتحين
الفرصة للإنقضاض على الدولة في حال ضعفها وتقوت معها مشاريع التفتيت والتجزئة
.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول، إنه أمام الجميع مهمة إنقاذ سورية من خلال تبني مشروع كبير هدفه الرئيسي حماية سورية والعمل على عدم تركها فريسة للصراعات السياسية والمذهبية التي تلوح في الأفق اليوم، وبالتالي فإن عدم القيام بخطوات عملية في هذا الاتجاه قد يحول سورية إلى أفغانستان ثانية أو عراق آخر، حيث تصبح مسرحاً لتنفيذ مخططات وأجندات خارجية، وتنشأ في داخله دول داخل الدولة، وهنا أرى بأن سورية مثل غيرها من دول عربية تغرق في دوامة الدم، بحاجة إلى وعي عربي رسمي وشعبي يدرك مدى الخطر الذي يحيق بالأمة، وإلى استنهاض روحها وإطلاق خطة مواجهة إنقاذية شاملة.
الدكتور خيام الزعبي-صحفي وكاتب أكاديمي
https://www.facebook.com/you.write.syrianews