حظي تنظيم داعش برعاية أمريكية غربية في أول بدء تجنيد المقاتلين السلفيين للقتال في سوريا تنفيذا لمشروع إسقاط نظام الأسد، قبل أن يستفحل خطر هذا التنظيم على رعاته وصعود قيادات وهابية بدأت بتوسيع خارطة الإنتشار المسلح ليشمل العراق وسورية وخطط لإقامة الخلافة الإسلامية في مناطق مختلفة من العالم العربي
فظهور"داعش" أصبح يعذب الكثيرين، وأنه إذا لم يتم إيقافهم، ستمحى الحدود المتعارف عليها في الشرق الأوسط، وستجرى عمليات تطهير عرقية للمسيحيين والأزيديين والكرد والأقليات العرقية الأخرى في المنطقة، في إطار ذلك هل حان الوقت أن يتخذ الرئيس الأميركي أوباما قراره المصيري والجوهري ويصدر أوامره بسحق داعش الذي شبهه بورم سرطاني يجب إجتثاثه ؟ أم سيظل على تردده، وخاصة بعد أن أصبح داعش يمثل تهديداً وشيكاً لكل مصالح أميركا في المنطقة.
يواجه الرئيس الأمريكي أوباما ضغوطاً جمهورية لمواجهة "داعش" في سورية، بينما تفضل القيادات الديمقراطية والرأي العام الحذر من جر الولايات المتحدة إلى جبهة جديدة كتلك التي فتحت في العراق من قبل، فإعدام الصحافي الأميركي جيمس فولي علي يد "داعش" وسيطرتها على مناطق واسعة في العراق وسورية إنعكس مطالبة من النواب الجمهوريين لدفع الرئيس أوباما لتوجيه ضربات عسكريه للتنظيم في سورية.
أعلنت واشنطن أن الضربات الجوية التي تنفذها في شمالي العراق غير كافية وان هزيمة هذا التنظيم الإرهابي تتطلب ضربه في سورية، ورغم إعتراف أوباما بعدم وجود إستراتيجية واضحة، إذ إنه أعلن إرسال وزير خارجيته، جون كيري، إلى منطقة الشرق الأوسط، لإشراك دول المنطقة في تحالف قوي لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية"
فالسوريون يرون هذا الأمر كفرصة ذهبية لتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، ولإنضمام سوريا إليه بوصفها البلد المعني والمعاني من إرهاب "داعش" وأخواته، تمهد تلقائياً الى فك العزلة الدولية عن النظام، وكذلك وقف الحرب العالمية التي تشن على سوريا منذ قرابة أربع سنوات، وبالمقابل ترى دمشق في توجه الغرب الى إقامة هذا التحالف إنتصاراً كبيراً للمنطق الذي طالما عبّرت عنه القيادة السورية بشأن محاربة الإرهاب الذي تجلى في "داعش" و"جبهة النصرة" وسائر المجموعات الإرهابية التي راهن عليها الغرب لضرب النظام وخلخلة بنية الدولة.
في إطار ذلك يمكنني القول أن الغرب أصبح في خندق
واحد مع دمشق، عدوهما واحد، ويطلقان النار في إتجاه هدف واحد هو "داعش"، وتبعا لذلك
ترى دمشق أن هناك فرصة الآن أكثر من ذهبية للقضاء على الوحش الداعشي المتفلت، خاصة
أنه بات يشكل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي، وبالمقابل تراهن دمشق على شراكة
إيران وروسيا في التحالف
وثمة مشاورات سورية إيرانية روسية لإشراكهما في العمليات العسكرية الجوية ضد داعش، فموسكو أعلنت إنها توافق واشنطن على ضرورة مواجهة "داعش" شرط أن يتم ذلك بموافقة الدول المعنية وإحترام سيادتها وبمراعاة القانون الدولي، بمعنى إن موسكو تريد من وراء ذلك ترسيم حدود العمليات العسكرية وردعاً روسياً مسبقاً لأي تفكير بأية مغامرة دولية وحرف تلك العمليات عن هدفها المعلن، نحو أهداف أخرى كون أن الغرب لا يجب الوثوق به .
وبالتالي أرى أن الإنتصار على "داعش" في العراق ليس مضموناً دون مواجهة التنظيم في سورية، إذ تمتد سيطرة عناصره على منطقة جغرافية واحدة ومتصلة داخل أراضي البلدين، فقلق واشنطن من نفوذ المتطرفين في المنطقة بلغ أوجه، لذلك يتعيّن على الإدارة الأميركية تغيير سياستها نحو سورية والتصدي ل"داعش" الذي ينمو بسرعة ويستطيع السيطرة على مساحة كبيرة ممتدة من بغداد الى الحدود مع السعودية وشاطئ المتوسط أيضاً.
وفي سياق متصل فإن الأردن والسعودية قلقتان من
إمكان تمدد "داعش" ووصوله الى حدودهما المشتركة، وما يترتب عليهما من تدابير
يتخذانها لمواجهته عسكرياً وسياسياً، وربما تعديل بوصلة سياستهما الداعمة للمعارضة
المسلحة في سورية، السعودية قلقة أيضاً من تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة
الشرقية المطلة على الخليج العربي والغنية بالنفط نتيجة سياساتها المعادية لطموحات
شعب الجزيرة العربية، وهذا مما يؤكد أن تصل الولايات المتحدة إلى قناعة بضرورة
التنسيق مع دمشق في مواجهة التنظيم الإسلامي المتطرف.
وهنا أمام واشنطن خيارين لضرب التنظيم إما عن طريق تشغيل طائراتها الحربية للقيام بتلك المهمة أو قيام نظام الأسد بالمساعدة في ذلك من خلال قيامه بضرب مواقع الدولة بنفسه كما فعل منذ أيام، وهو الخيار الأفضل منطقياً للأمريكيين، وبنفس الوقت هو يدلل على قدرة النظام ورغبته بمحاربة الإرهاب في المنطقة.
وفي إطار ذلك لن يكون للتصريحات الرنانة التي تصدر حالياً عن الكثيرين من المسؤولين في الغرب عن عدم النية في التنسيق أو التعاون مع النظام أي تأثير يذكر، والتجارب السابقة أثبتت أن الكثير مما يقال من تصريحات وبيانيات ومواقف سياسية، يتم التخلي عنها بمجرد وجود مصلحة أو غاية، تماما كما تخلى أوباما عن "خطوطه الحمراء" بشأن الهجوم العسكري على سورية، فتمدد داعش يفرض اليوم على الجميع إعادة حساباتهم، ولن يكون ممكناً القضاء عليه من غير التصدي له في سورية، وهذا يعني أن يتحول قتال داعش إلى معركة يخوضها الجيش الأميركي إلى جانب الجيش العربي السوري.
وأختم مقالتي بالقول إن حلف أعداء دمشق إعتقد أنه بتعميم الفوضى الكبرى ستتم السيادة لواشنطن وأتباعها، من تل أبيب إلى آخر صنيعة لها في عالمنا العربي، لكن حسابات حقلهم لم تطابق محصول بيدر حربهم، فكان الطلب الأميركي من الأتباع بلملمة الأوضاع، وهذا دليل على فشل حلف أعداء دمشق في سورية، رغم ضراوة المؤامرة والهجمة الشرسة، فصمود سورية أسقط رهان المتآمرين وأفشلت مخططاتهم الخطيرة المتربصة بأمتنا وتقسيمها.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews