جميعنا قرأ أو سمع بالأصنام التي كانت منتشرة في العصور الجاهلية وكان الناس ينصرفون إليها وينشغلون بها، وكان كل شخص يتخذ لنفسه صنماً يعبده، مرت مئات السنين واختفت واندثرت هذه الظاهرة-على الأقل على حد اعتقادنا- ولكن ما يخفى على الجميع هو أن ظاهرة الأصنام لازالت موجودة، اختلفت الأسماء والأشكال وطرق تقديم فروض الولاء والطاعة ولكن النتيجة ذاتها!
جاءت أصنام العصر الحديث بأشكال وأسماء وألوان مختلفة تتناسب مع التقدم العلمي والتقني المنتشر بين الناس، هذه الأصنام هي أندية كرة القدم التي انتشر حبها وهواها بين جميع أفراد المجتمع
وكوني من المتابعين للبطولات الأوروبية منذ سنوات عديدة لمست هذه النقاط المشتركة بين أصنام الجاهلية و الأندية الأوروبية أذكر منها:
1. الانتماء و الولاء: في القديم، كان كل شخص يتخذ صنماً واليوم كل متابع يتخذ فريقاً يشجعه، وظهرت مفردات الانتماء الجديدة لتصبح متداولة بين الناس.
2. تخصيص الوقت لأداء الفروض: قديماً كان كل شخص يخصص وقتاً لتأدية طقوس العبادة لصنمه، واليوم كل متابع يخصص وقتاً مقدساً لمتابعة مباريات فريقه، المشترك بين الحالتين هو إنفاق الوقت
3. تقديم القرابين: في القديم، كان كل شخص يقدم قرباناً لصنمه في المناسبات وينفق ماله لذلك، واليوم كل متابع ينفق ماله للاشتراك بقنوات نقل المباريات، المشترك هو إنفاق المال
4. التحكم بالمشاعر: قديماً كان كل شخص ينتابه شعور بالنشوة والرضى حين يؤدي فروضه لصنمه ويؤمن أن الصنم يمكنه التحكم بسعادته، واليوم كل متابع ينتشي بفوز فريقه وبالفعل يتحكم الفريق بسعادته فكثير من المشاجرات تحصل بين المشجعين عند خسارة فرقهم وتصيبهم بالهم والحزن
5. الانتشار: وهي أهم نقطة، فهي التي جعلت أندية كرة القدم هي الأصنام أكثر من المطربين والمطربات مثلاً، فيوجد شريحة كبيرة من الشباب لاتهتم بأهل الطرب كما أن شرائح المجتمع الفقيرة لاتتابع أخبار الفن ولاتشتري الأشرطة والأقراص، فالانتشار هي الصفة المشتركة بين كرة القدم والأصنام لأنها غزت جميع شرائح مجتمع وانتشرت كالنار في الهشيم.
كتبت ما كتبت لما وجدت من واقع مؤلم بعد خسارة ريال مدريد من برشلونة، وما تلاها من تهكم وتبادل للشتائم بين الناش، وكيف ظهر الولاء والانتماء الأعمى الجاهل لهذه الفرق جلياً واضحاً
كرة القدم رياضة نتابعها للتسلية والترفيه ومشاهدة اللعب الجميل وروح التحدي، وهي عنصر هام في تعبئة أوقات الفراغ، نستمتع به ونجتمع سويةً لمشاهدة المباريات، نضحك عند الفوز ونحزن عند الخسارة، ولكن المباراة تنتهي عند صافرة الحكم، وكل ما حدث خلال المباراة يجب أن يطوى بعدها.
رجاء لا تجعلوا من هذه المتعة نقمةً ولا تدعوها تفرق وتنهش بمجتمعنا، فنحن بأمس الحاجة لما يجمع وليس لما يفرق.