بات إزدياد حدة الصراع في سورية يشكل مصدر قلق لدول الجوار التي تخاف من إنتقال شرارة العنف إليها، وتختلف الآراء بين من يؤيد التدخل العسكري لهذه الدول ومن يرى أن حل الأزمة لن يتم إلا بحوار سياسي شامل بين الفرقاء السوريين.
الموقف المصري من الأزمة السورية، والذي بدأ يتغير تدريجياً مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، بعد أن قامت مصر خلال حكم الرئيس السابق محمد مرسي بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق وأعلنت صراحة تأييدها للمعارضة المسلحة في سورية بل ووجه الدعوة إلى المصريين للجهاد هناك، تغير الخطاب الرسمي المصري تجاه الأزمة السورية لجهة المطالبة بحل سياسي لها، تمثل بإستقبال وفد من المعارضة السورية بهدف التوصل لصياغة رؤية موحدة بشأن حل سياسي لهذه الأزمة
كما أن هناك مبادرات عدة تنتظر موافقة الرئيس
المصري عليها، كمبادرة الدبلوماسية الشعبية المصرية السورية، لعودة العلاقات بين
الدولتين، على المستويين الحكومي والشعبي تقودها الجبهة الشعبية لمناهضة أخونة مصر
لجمع التوقيعات الإلكترونية لإعادة العلاقات بين دمشق والقاهرة.
الصعوبة الأساسية اليوم في الوصول إلى حل سياسي هي غياب القوى السياسية المؤثرة
التي تؤمن بالحل السياسي والقادرة في الوقت نفسه على توفير الأجواء السياسية
والأمنية، وتسهيل سبل الحوار بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى إطار سياسي مشترك
ولغة سياسية مشتركة، في سياق ذلك أصبحت مصر هي باب الأمل والضامن الحقيقي في دعم
الحل السياسي بعد إستعادتها دورها الإقليمي والدولي، وهناك إتصالات تجرى خلف
الكواليس بين قيادات مصرية من جهة وأطراف الأزمة في سورية من جهة أخرى، بمعنى إن
مصر تعمل مع كافة الأطراف سواء من داخل سورية أو الأطراف الدولية والإقليمية، على
إيجاد وسيلة للتشجيع على هذا الحل.
منذ تولى سامح شكري رئاسة الخارجية المصرية أصبح هناك دبلوماسية مصرية جديدة تنظر
بعين الإعتبار إلى مصالح الأمن القومي المصري، وسورية تقع في عمق هذه المصالح إن لم
تكن في قلبها، فالهدف الإستراتيجي المصري هو الحفاظ على وحدة وسلامة التراب السوري
وشعبه، فالتدخل الخارجي فضلاً عن أنه فشل فشلاً كبيراً فهو لم يعد صالحاً، لذلك لا
بد من الحل السياسي وأن هذا الحل يتطلب إقناع كافة الأطراف السورية بضرورة الإحتكام
إلى لغة الحوار للحل السياسي، لأن الحل العسكري لن يؤدي سوى إلى المزيد من أعمال
القتل وسفك دماء الأبرياء
من هنا يأتي التحرك المصري الأخير تجاه
الراغبين بالحل السياسي، كون المصلحة المصرية تقتضي حل المشكلة التي إصطنعت في
سورية، والتي كانت من أهم أهدافها محاصرة الدور المصري إقليمياً ودولياً، وإنطلاقاً
من ذلك فإن القاهرة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي في عمق الشرق الأوسط، ما يحدث
في سورية تداعياته خطرة على الأمن المصري ولا تقل خطورته عن تداعيات الموقف الليبي.
أجواء تفاؤلية تخيم على الحراك الجاري هذه الأيام، خاصة في ظل الحديث عن المفاوضات
المباشرة التي ستحتضنها موسكو بين الحكومة السورية والمعارضة، إذا ما توصلت الأطراف
إلى إتفاق بشأن شروط للحوار، يأتي هذا الحراك في ظل زخم إكتسبته الدبلوماسية
المصرية في الفترة الأخيرة، فالرئيس المصري قبل فترة يزور العاهل الأردني، ويؤكدان
على أهمية وجود أفق سياسي لحل الأزمة السورية، والمللك عبدالله الثاني الآتي من
واشنطن ينتقل بعد زيارة السيسي إلى الرياض ويلتقي الملك عبدالله بن عبدالعزيز،
ووزير الخارجية المصري سامح شكري يزور العراق ويؤكد على مواكبة الحوار الداخلي
العراقي وضرورة إشراك جميع المكونات فيها بغض النظر عن الإنتماء الطائفي أو الديني
إضافة إلى مكافحة الإرهاب، كون مصر تدرك
خطورة اللعبة الطائفية والفكر التكفيري على أمن المنطقة وأمنها، في إطار ذلك تفضل
مصر بقاء النظام في سورية وبقاء الجيش موحداٍ، لأن تفتيت الجيش وسقوط النظام يعني
سيطرة داعش والإخوان وباقي الجماعات على سورية وهذا يهدد النظام في مصر.
إعتاد الرئيس السيسي، التأكيد أهمية على الحل السلمي للأزمة في سورية بما يضمن
حمايتها وسلامة أراضيها وإنهاء خطر المتطرفين محذراً من الآثار السلبية لإستمرار
هذه الأزمة على الوطن العربي، ويرى مراقبون إن مصر بالتعاون من أطراف عربية ودولية
وفي مقدمتهم روسيا تسعي إلى إنهاء الأزمة في إطار سلمي من أجل الحفاظ على الجيش
السوري، وعدم تحول سورية إلى صومال آخر، أو تكرار تجربة العراق المأساوية عقب
الاحتلال الأمريكي في 2003، كون بقاء الدولة السورية ومؤسساتها متماسكة، هو دعم
للأمن القومي المصري والعربي، وسقوطها يمثل أبرز الخسائر على الصعيد السياسي
والعسكري للقاهرة، لذلك يسعي الغرب وحلفاؤه في المنطقة لإسقاط "دمشق" بذريعة دعم
الديمقراطية والمطالب الشعبية، عبر الحل العسكري وربط محاربة داعش بإسقاط نظام
الأسد، وهو المخطط الذي تتصدي له القاهرة، لذلك يقع على عاتق مصر اليوم أمام الوضع
المؤلم في سورية أن تلعب دورها السياسي للتوصل الى حل حقيقي لحقن الدماء، لأنها
المؤهلة للقيام بهذا الدور.
روسيا ترى الدور المصري في الحل مستنداً إلى تطابق سوري مصري وهذا يسمح لمصر عندما
تتولى المساهمة في رعاية الحوار السوري السوري أن تكون موضع ثقة سورية، وعنصر
إطمئنان مفترض للسعودية في اللحظة التي تستسلم فيها الرياض لقدر التسويات، والعجز
عن مواصلة الحرب
من هنا أصرت موسكو على رباعية إقليمية لرعاية
الحلّ تضمّ تركيا وإيران والسعودية لتموضعها في الصراع السوري، ومصر لضرورة دورها
في الحل إنطلاقاً من حجمها القومي والإستراتيجي خاصة في ظل علاقة مصر مع السعودية ،
فالرئيس الروسي بوتين يزور القاهرة مطلع العام المقبل ولديه الكثير من المفاجآت
لمصر وقيادتها، لكنه ينتظر أن يتبلغ قريباً قراراً مصرياً برفع مستوى التمثيل
المصري في سورية إلى مستوى سفير، وعودة العمل في المجال الثنائي السوري المصري إلى
مستوى عال من التنسيق .
وهنا يمكنني القول أن التحرك المصري لحل الأزمة في سورية هام وضروري، خاصة وأنه
يترافق مع تحركات المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا لتجميد القتال بدءاً من حلب، وهو
ما يراه دي مستورا تكميلاً للجهود الروسية السياسية في هذا الشأن، كما تدرك القاهرة
أن أي حل سياسي تحققه سوف يحرج واشنطن وحلفائها، فإن ذهبوا إلى مصر فهذا يعني
قبولهم توسيع إطار المعارضة ما بين الداخل والخارج، وليس إقتصارها على معارضة
الخارج، وهو ما سيلغي دورهم، وإن لم يقبلوا فسوف يتحملون نتيجة الفشل، ويقتصر
الحوار على معارضة تقبلها الدولة السورية.
وأخيراً أختم بالقول إنه بالرغم من كل الصعاب إلا أننا على يقين أن الشعب السوري
سيتمكن من تجاوز أزمته بالحكمة وستفوز أصوات العقل على أصوات الرصاص ودعاة الطائفية
وستنتصر عليها بل وستؤسس لمستقبل سوري أفضل، وإنني على ثقة تامة أن الشعبين السوري
والمصري قادران على تجاوز وتخطي أزمتهما ومحنتهما الراهنة بفضل تماسكهم ووحدتهم
الوطنية، لأنهم يدركون جيداً دورهم في المنطقة العربية من خلال عودتهم لتبوأ موقعهم
ومكانتهم العروبية والقومية في مواجهة كل المشاريع الامبريالية في المنطقة العربية
الرامية الى تجزئة وتقسيم الأقطار العربية وتفتيت وحدة الانسان العربي من المحيط
الأطلسي حتى الخليج العربي.
hthttps://www.facebook.com/you.write.syrianews