إنه من السذاجة الإعتقاد بأن النيران المشتعلة من الصراع في سورية أو من الأوضاع في العراق لن يفجر العنف في أوروبا ولا سيما مع التساهل والمساعدة بتدفق آلاف الأشخاص الى هذين البلدين للإلتحاق بصفوف التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، إذ يتدفق يومياً معدل خمسين أجنبياً من أوربا عبر الحدود التركية الى سورية والعراق رغم الإجراءات المشددة على حركة المشتبه بهم
وهذا يعني ان هذه الجماعات يتصاعد حماسها مع تصاعد
التحالف الدولي، وبات ضرورياً أن يعالج الغرب ودول الإتحاد الأوربي هذه المشكلة
معالجة حقيقية بالتعاون مع دول المنطقة ودعم الحكومات في برامج واسعة وشاملة
لمعالجة وكبح الإرهاب في المنطقة طالما لم تعد أي دولة بمأمن من تهديدات الارهاب،
فما حدث في باريس مؤشر خطير على تصاعد موجة هذا الإرهاب في كل أنحاء العالم.
اليوم لم يتأخر حصاد ما زرعته حكومات الغرب من إرهاب بالمنطقة ولا سيما في سورية
والعراق فما كانت تتجاهله من تحذيرات عن نتائج خطيرة وكارثية لدعمها الإرهاب
والمجموعات التكفيرية وعودته إليها باتت اليوم تعيشه ملموساً عبر إعتداءات إرهابية
في أكثر من مدينة أوروبية كان آخرها في باريس إثر الإعتداء على صحيفة شارلي ايبدو
الذي أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا، والتي سيكون لها تأثير مهم من حيث صعود
تيارات اليمين الأوروبي في جميع أنحاء أوروبا، وسيعود التفكير مجدداً في مسائل
كالهوية والهجرة والمهاجرين
وربما كانت هذه الجريمة جرس إنذارٍ يقرع بشدة
للدول الغربية التي تتساهل في نشاطات بعض الجماعات والجمعيات الأصولية في أوساط
المسلمين في الغرب، كوننا نعيش زمن الإرهاب العابر للحدود، وبالتالي لم تقتصر دموية
داعش على سورية والعراق، بل دخلت منطقة الشرق الأوسط وأهمها لبنان والسعودية
والأردن، وقد أصبح الإرهاب المعولم أكثر قدرة على التجنيد والتأثير والإستقطاب
بإستخدام أحدث التقنيات، وهنا يمكنني القول إن داعش قد إستقطبت المئات من المتطرفين
من الدول الغربية، وهي ستعيد الآن تصديرهم إليها من جديد.
في سياق متصل وجه الجيش العربي السوري ضربات شديدة وقاصمة لمنظمات الإرهاب فى بعض
المناطق كحلب ودير الزور والرقة وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات
المتشددة، ثم أن التحالف الدولي ما زال يواصل غاراته الجوية على تنظيم داعش في
سورية والعراق، لكن ما زال هناك تردد من جانب الولايات المتحدة لتطوير إستراتيجيتها
في محاربة الإرهاب بسبب الخلاف بين قوى التحالف الدولى ضد داعش، وهى أن أمريكا ما
زالت تفرق بين منظمات الإرهاب وبعضها، فهى تعلن بعض هذه المنظمات إرهابية وتستثنى
البعض الآخر، في إطار ذلك من المتوقع في الأسابيع القادمة أن يتضاءل هذا التمييز
بين المنظمات الإرهابية خاصة بعد أحداث باريس الأخيرة، ومجىء الجمهوريين إلى الحكم
في الولايات المتحدة، الذين أعلنوا رفضهم لسياسة أوباما فى التعامل مع المنظمات
الإرهابية
وقد وجهوا إليه إنتقادات شديدة بسبب تراخيه
فى مواجهة داعش فى سورية فى بداية ظهورها وإنتشارها، وإتهموه بأن موقفه هذا كان من
أهم أسباب تزايد قدرات وإنتشار داعش بعد ذلك إلى العراق، ومن هذا المنطلق لم تعد
المنظمات الإرهابية فى المنطقة تهدد الدول العربية وحدها، بل إمتدت تهديداتها إلى
شعوب الدول الغربية أيضاً، وهو ما خلق رأياً عاماً فى هذه الدول يضغط على حكوماته،
لكى تكون لها مواقف أشد قوة وحسماً فى مواجهة جميع المنظمات الإرهابية دون إستثناء،
وبجانب ذلك فإنه تجرى عمليات تنسيق بين الدول العربية لإيجاد سياسات مشتركة لمواجهة
الإرهاب والقضاء عليه، وهو ما سوف يؤدي إلى توجيه ضربات مؤثرة على المنظمات
الإرهابية خلال هذا العام.
مع الأسف الشديد إن الدول الغربية الكبرى لم تستطع لغاية يومنا هذا دراسة الأسباب
التي أدت الى كثرة المنظمات الإرهابية، فالحكومة الفرنسية بتجاهلها كل التحذيرات
التي أطلقتها دمشق بشأن التعامل بجدية مع أخطار دعم الإرهاب في سورية والمنطقة،
ورفضها كل التنبيهات بشأن إرتداده إلى داخل فرنسا تتحمل جانباً من المسؤولية عن هذا
الإعتداء الإرهابي كما تتحمل شلال الدماء التي أراقها الإرهاب في سورية والعراق،
وأنا على يقين تام إن ما زرعه الغرب والإدارة الأمريكية من تخريب فى العالم تحصد
شعوبها أشواكه الآن، لذلك لا بد من خطوات تصحيح تكون بإدراك أنهم فى حرب مع الإرهاب
لا مع الإسلام و أن أول وأهم دعائم النجاح هو توحيد مخططات القضاء على الإرهاب،
وجماعاته فى الدول العربية كما فى الغرب
وأنه لا سبيل لأمن أو سلام تنعم به دول وشعوب،
بينما دول وشعوب أخرى تحرقها نيران الإرهاب وأن حرائقه ستطول الجميع، والآن على
الدول الغربية أن تعى وتدرك أن معركتها ليست مع الإسلام، ولكن مع من لم يعرفوا
الإسلام وحضارته وثقافته وقيمه ومبادئه الأخلاقية والإنسانية، إنما معركتهم مع
الجماعات التى صنعت تصنيعاً مجانياً لكل هذه القيم والمباديء، فتحولت إلى قنابل
موقوتة تهدد أمن وسلام شعوب المنطقة.
بالمقابل إن مواجهة دمشق الطويلة مع الإرهاب ومواجهتها مع الجماعات الأصولية ورموز
التحريض، هي مواجهة لا بد منها، ورؤية السياسة السورية الواضحة وقراراتها يجب أن
يتم التعجيل بوتيرة تنفيذها، وهذا الأمر لم يعد ترفاً بل ضرورة ومسألة وجود،
فالتهديدات في تصاعد يجب كبح جماحه وضربه في كل مكان وزمان، فسورية تكافح بثبات
الإرهاب بكل أشكاله وقدمت الضحايا في سبيل ذلك، فالذي حصل في فرنسا لا يمكن السكوت
عنه ونحن السوريين ندين هذه الأعمال الهمجية، كما إننا كسوريين لنا حضارتنا
وتاريخنا المشرف بالعيش بسلام بين جميع شعوب العالم، وكل ما نريده من العالم بأن
ينصفنا ويساعدنا كي يعود الأمن والسلام والمحبة الى محيطنا العربي والعالمي.
وأخيراً أختم مقالي بالقول إن أملنا كبير في أن تحصل دمشق على ثقة العالم والدعم
الدولي في حربها ضد الإرهاب وداعش، خاصة بعد هجوم باريس، لأن سورية هي المدافع عن
العالم في موضوع مكافحة الإرهاب، لذلك لا بد من إتخاذ قرار ساعة الصفر وحسم المعركة
فهنالك جيش قوي وإيمان وعقيدة من السوريين بالنصر وهنالك تلاحم جماهيري, فقد شاهدنا
كيف تهاوى الإرهاب وجنوده بقوة عزيمة السوريين وإصرارهم على تحقيق النصر، وبإختصار
شديد إن الإرهاب سيستمر طالما هو وسيلة للفرقاء المتخاصمين
ومايحدث في وطننا الغالي هو خليط من كل تلك
الخصومات، فاليوم هل يصحى ويتصالح السوريين أنفسهم للخروج بطوق نجاه أمن سورية أم
إن المال الخارجي كفيل بالقضاء عليهم جميعاً، وستتحول سورية إلى صومال ثانية تحت
ذرائع مختلفة ممولة بسموم الدول الأقليمية والدولية، لتصبح سورية حمام دم وملعب
لتصفية الحسابات بين الدول، لكن هل نصحى ونعي خطورة مايحدث في المنطقة؟.
الدكتور خيام الزعبي- صحفي وكاتب أكاديمي
https://www.facebook.com/you.write.syrianews