بعد تشكل التحالف الدولي رأت أنقرة أن الفرصة سانحة لإبتِزاز التحالف، ولاسيما أمريكا، من أجل تحقيق بعض الأهداف، أهمها إقامة منطقة عازلة ومحاربة الأكراد وعدم السماح لهم ببلورة مكون كردي مستقل وإسقاط النظام السوري، إلا أن المساعي التركية هذه لم تلق تجاوباً من الغرب، بل حصل تباين في الأجندة بين أنقرة وواشنطن تجاه الأزمة السورية
وجاءت الحرب على داعش لتخلق فجوة كبيرة بين مواقف الطرفين في الرؤى والإستراتيجيات، وعليه، باتت تركيا ترى أن المستفيد الأكبر من الأزمة السورية حتى الآن هم الكرد الذين نجحوا في طرد داعش وبسط سيطرتهم على مناطق واسعة خاصة تل أبيض، بذلك أصبح الطريق مفتوحاً بين كوباني والمناطق الكردية في أقصى الشمال الشرقي المفتوحة أصلاً على إقليم كردستان العراق، في إطار ذلك تعاظم القلق التركي من أن يتمدد الأكراد أكثر ويحاولوا إيصال هذه المناطق بمنطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي بما يعني احتمال الوصول إلى البحر المتوسط، وبالتالي تغير بعض خرائط أنابيب النفط والغاز في المنطقة.
أمريكا بكونها اللاعب الدولي الرئيسي في المنطقة ترغب في إستثمار الورقة الكردية في
لعبة العلاقات الإقليمية، وتسعى إلى تحويل المنطقة إلى قواعد عسكرية أمريكية دائمة
لتحقيق مصالحها وحماية أمن إسرائيل، هنا ما يؤرق تركيا أكثر ليس الصعود الكردي فحسب،
وإنما إحساسها العميق بأن حليفتها أمريكا هي التي تقف وراء ذلك، وأن الهدف النهائي
من وراء هذا الصعود الكردي هو إقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة ستكون الخاسر
الأكبر منها تركيا، وهو ما تقول أنقرة إنها لن تقبل به مهما كلفها الأمر، في إطار
ذلك تحدث العديد من المحللين السياسيين عن تدخل عسكري تركي في شمال سورية
على ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها
المناطق الحدودية بين الدولتين، لا سيما مع سيطرة قوات وحدات "حماية الشعب"
الكردية على مدينة تل أبيض وسيطرتها على المعبر، لذلك ضغط الرئيس التركي على زر
التدخل العسكري في سورية بـ 18 ألف جندي، بالمقابل تحفظ الجيش التركي على موضوع
التدخل العسكري في سورية، حيث اعتبر أن هذا التدخل يمكن أن يكون خرقاً للقانون
الدولي، ولتجاوز هذه العقبة قامت الحكومة بسلسلة من الإتصالات الدولية والإقليمية
لشرح أهداف هذه العملية العسكرية.
من دون أدنى شك، كل ذلك يعمق من قلق السياسة التركية اتجاه الأزمة السورية، ويزيد
من الجدل بشأن الخيارات المطروحة في كيفية التعامل مع التحدي الكردي ليس على الحدود
مع سورية فحسب بل حتى في الداخل التركي خاصة بعد الفوز الذي حققه حزب الشعب
الديمقراطي الكردي في الإنتخابات البرلمانية والحديث عن انتهاء عملية السلام بين
الحكومة وحزب العمال الكردستاني، وعليه ثمة من يتحدث عن صعوبة تنفيذ سيناريو التدخل
العسكري بسبب رفض المؤسسة العسكرية التي ترى في الأمر مغامرة ومؤامرة هدفها جر
تركيا إلى المستنقع السوري
بالتالي فإن لحظة التحرك العسكري التركي ليس سوى تعبير عن أزمة أدوات السياسة التركية في التعامل مع الملف الكردي في المنطقة بأكملها، وهي سياسة تحمل مفارقات كبيرة، إذ كيف تتعامل أنقرة بإيجابية كبيرة مع إقليم كردستان العراق في حين ترفض أي إنفتاح على المكون الكردي في سورية؟
في حين يرى كثيرون أن الخيار العسكري سيفتح باب
جهنم أمام تركيا بحكم التداعيات الكثيرة، ولعل أهمها: أي تدخل عسكري بسورية سيضع
نهاية لعملية السلام مع كرد تركيا الذين يتواصلون عبر الحدود مع كرد سورية والعراق
وإيران، كما سيفجر العنف الكردي في تركيا من جديد ويزيد من الانقسام التركي في
الداخل، وربما الصدام بين أردوغان والمؤسسة العسكرية التي عمل أردوغان على تحجيمها
وإخرجها من الحياة السياسية خلال فترة رئاسته.
بالتالي فإن حسابات الربح والخسارة وقيام تركيا بعمل عسكري في سورية هو أمر غير
مرجح، مع عدم إستبعاد القيام بعمليات عسكرية محدودة في شمال سورية، ولعل ذلك يعود
الى عوامل دولية وداخلية منها:
-إن أي هجوم عسكري تركي على سورية سيؤثر سلباً على العلاقات الإيرانية - التركية،
والعلاقات التركية الروسية وهو أمر لا يصب في خدمة الطرفين، خاصة وإن كل منها بحاجة
للطرف الآخر في تعزيز ودعم القضايا المشتركة.
- إن أي عدوان على سورية سيزيد من المشاعر المعادية لتركيا دولياً وإقليمياً،
بإعتباره عدواناً على دولة عربية، يؤدي إلى إستنزاف الإقتصاد التركي، ويقضي على كل
مؤشرات النمو التي حققتها حكومة العدالة والتنمية في السنوات السابقة.
- الموقف الأميركي الذي يشكل قلقاً كبيراً لتركيا، خاصة وأن أنقرة ترى أن التحالف
الأميركي مع الأكراد في العراق وسورية يتعزز من خلال التحالف في الحرب ضد داعش، وفي
العمق ثمة من يرى أن الإدارة الأميركية تأمل بأن تتورط تركيا في المستنقع السوري
لأسباب تتعلق بتناقض أجندة الطرفين إزاء العديد من القضايا في الشرق الأوسط .
-رغم القدرات العسكرية التركية الكبيرة، إلا إن الأساليب القتالية للأكراد المتمثلة
بالتدريب المستمر والأسلحة المتطورة سوف تجعل من الصعوبة على تركية الإستمرار في
الحرب، ومن ثم دخولها في حرب إستنزافية لا يمكن التنبؤ بنهايتها.
في إطار ذلك إن التطورات الحالية فيما يسعى كل طرف إلى شد الحبل في اتجاهه فإن
تركيا تجد نفسها أمام مأزق حقيقي، إذ أن المنطقة العازلة فِكرة غير قابلة للتحقق في
ظل معارضة روسيا وإيران وسورية والأكراد، كما أن التطورات الميدانية في الشمال
السوري والموقف التركي السّلبي من دعم الأكراد هناك، قد وجّه ضربة مُوجعة لعملية
المفاوضات بين أنقرة والأكراد، وأعاد من جديد التوتر إلى المناطق الكردية التي شهدت
إضطرابات غير مسبوقة منذ سنوات سابقة، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.
مجملاً... إن تركيا التي أدارت الصراع في سورية خسرت رهانها على أن تكون هي الراعية
وبيدها الورقة الكردية لكن في الحقيقة سقط هذا الرهان خاصة بعد أن فشل اردوغان من
إعادة خلط الأوراق وإحداث فوضى عسى أن يتمكن من إقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر جوي
أو غير ذلك ولكن كل هذه الأوهام تلاشت وإنهارت لأن أبناء مدينة عين عرب وكل المدن
السورية على مختلف المكونات والأطياف هبوا ليقفوا صفاً واحداً للقضاء على داعش
وطردها مؤكدين أن الإرهاب سيرتد على أصاحبه
وبإختصار شديد إن الوضع الكردي المستجد في شمال سورية هو من أكثر النتائج سلبية لما تشهده سورية على واقع تركيا ودور تركيا في المنطقة، بالتالي فإن تركيا إذا دخلت إلى سورية ستتحول المنطقة إلى بحيرة من الدم بكل المقاييس والمعايير، في إطار ذلك يمكنني التساؤل، هل يورط أردوغان بلاده في الحرب السورية مباشرة؟ وهل بدأت أيضاً تركيا بدفع ثمن كونها طرفاً أساسياً في الأزمة السورية؟.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews