ثمة مشكلة عويصة ، ما تفتأ تتضخم يوما ً بعد يوم وفي أغلب البيوت ، ونحن نشعر بها ، ولكن ما يصبرنا ويجعلنا دائما ً نعيش في الأمل ، أن الله خلقنا ، وهو يعيننا على حل كل مشاكلنا ، لكنها حقــا ً بدأت تقلقنــا !
والمشكلة ، هي ظاهرة تأخر الزواج ولكلا الجنسين ، وما سينجم عن ذلك من أعباء وتبعات ، ستنعكس سلبا على حياة الفتاة والشاب والمجتمع بشكل عام !
فالفتاة ومنذ عدة عقود ، كانت ما ان تصل سن البلوغ حتى يبدأ التفكير جديا ً بالزواج ، ويبدأ الخاطبون يدقون الأبواب طالبين القرب ، وتعمل النساء عملها وكذلك الخاطبات المتمرسات و وساطات الخير !ذلك أن الفتاة مجرد أن تبلغ فيجب أن تتزوج ، وان أي تأخير من شأنه أن يثير المزيد من الكلام ، وفي نظر تلك الأيام فإن الفتاة التي لم تتزوج عند ذلك يخشى عليها من العنوسة ، حتى لو كانت أقل عمرا ً من عشرين عاما أو أكثر بقليل !!
ونادرا ً ما كنا نجد فتاة تجاوزت العشرين أو الخامسة والعشرين ولم تتزوج ، الا في حالات نادرة !!ذلك أن الزواج كان مجرد مؤسسة لانجاب الأطفال وتأسيس أسرة ورعاية شؤون البيت ، كيفما كانت مواصفات البنت ، المهم أن تتمتع بالعفة والسمعة الحسنة والقدرة على أعباء الزواج .
اليوم اختلف الوضع وأخذ أبعادا باتت تنذر بخطر داهم عنوانه التأخر الواضح في الزواج لسبب أو لآخر ! ومن أجل ذلك نجد فتيات تجاوزن الخامسة والثلاثين أو الأربعين وما زلن يتسمرن في بيوت أهلهن ينتظرن كلمة القدر ، والتي يحلمن أن تكون جميـــلة ! لقد تغيرت الأيام عن أيام جداتنا وأمهات جداتنا ، وأتى الزمان بمعطيات جديدة لها أثر مهم في حياتنا ، فمثلا ً كان من النادر قديما ً أن تجد فتاة تكمل تعليمها من النادر أن تجد طبيبة أو مهندسة أو محامية ، بل أن تجد مثل هذا العدد الهائل من الفتيات الدارسات ، كذلك كان الرجل يتزوج ما دون العشرين في كثير من الأحيان .. اليوم لا يستطيع تكوين ذاته : الدراسة ، العمل مستلزمات الحياة بشكل عام ، قبل بلوغه الثلاثين مثلا ًً ولكنه اليوم عمر مناسب تماما ً للزواج والارتباط .. أما أن يتجاوز عمر الشاب أو الفتاة ذلك بكثير ، فهناك مشكلة حتما ً !؟
كذلك فقد كان اختيار الزوجة غالبا من رأي الأهل أما اليوم فللشاب رأي مهم في اختيار شريكة الحياة وللأسف فإن أهم خطوة باتجاه الاختيار تتحكم بها قيمة الجمال والشكل العام ومن بعدها تأتي التفاصيل والا فالزواج مرتبط بالمصلحة غالبا ! وبما أن الزواج للجمال فيه تأثير مهم ، وبما أن الجمال ليس عاما فهنا يتردد الشاب في الاختيار وتروح على الشابة التي تنتظر بدورها فارس أحلامها المميز ، فلا تجد طلبها وتتعقد الأمور !!
ولكن قطار العمر يمضي ، وتخسر الفتاة ما لديها من ميزات قد ترضي رجالا آخرين لم تكن ترضى بهم أصلا !! وتتكدس الفتيات في بيوت اهلهن ، وبعد أن يسرقهن العمر يبحثن عن الرجل بمواصفات أقل ، فإن وجدن فهن محظوظات ، والا سيقبلن برجل متزوج ، أو بالسر أو .... هذا اذا وفقت الفتاة في ذلك فعلا ً !
مشكلة أخرى ساهمت برأيي في تعقيد أمور الزواج وهي البريستيج والبهورة كما يقول العامة !
وان ظهور حالات شوفة الحال والبذخ المصطنع أحيانا كثيرة جدا ً! ومحاولة بعض الفتيات تقليد الغير على مبدأ أنهن لسن أقل شأنا ، قد أضر بالكثير منهن وحرمهن فرصة الارتباط برجال جيد ين فعلا ً !
كذلك فإن دور الحكومة ما يزال دون الطموح بكثير في هذا الشأن ، وتكاد مساهمة الحكومة تكون أقرب الى الدعائية منها الى الفعل ، فلا السكن الشبابي حل المشكلة ولا قروض الزواج ، بل بالعكس فقد كبل الشباب بالتزامات وتعهدات تكاد تفقد المرء صوابه !! .. فهل هي الامكانات المادية للحكومة أم قلة الخبرة في التخطيط لحل مثل هذه المسائل الاجتماعية ، أم كلاهما معــا ً ؟!
ان ما ذكرناه مشكلة حقيقية فعلا ً ، وهي قائمة شئنا أم أبينا ، ويكفي أن ندخل بيوت الناس لنعلم حجم هذه الاشكالية العويصة ! وان الاهم من المشكلة هو ما يمكن أن تسببه من نتائج على مستوى الفرد والمجتمع بشكل عام ! ومن الفتيات من لا يسمحن لأنفسهن بإقامة أي نوع من العلاقات حتى الاجتماعية ، ومنهن من لا يفضلن العمل وتظل الواحدة منهن معلقة بأمل الزواج ...
ومنهن من يشذ عن القاعدة فتجدها تقيم علاقات تحت جنح الظلام وهن قلة ، وفي النهاية لا بد من الرجل للمرأة كما لا بد من المرأة للرجل ، فإذا لم يتيسر شرعا ً فالخوف أن يتيسر مخالفا لذلك ، ومع احترامي لكل أديان العالم التي حضت وأكدت دائما على الأخلاق والالتزام بها ، الا أنه اذا كان الجوع الى الطعام كافرا ً ، فكيف الى الجنس وهي حاجة موجودة مع خلق الانسان ؟
حقيقة ، انها مشكلة ! ولكنها برأيي ممكنة الحل ، فقط لو حققنا قدرا مناسبا ً من الوعي الاجتماعي وتجاوز الشكليات .
إن الرجل لا يعيبه شيء الا اذا كان عاطلا ً عن العمل والانتاج ، وللمرأة دور كبير في تحفيزه ومساعدته أيا ً كان عمله ، لأن العمل الشريف شرف للانسان بغض النظر ان كان طبيبا ً أو مهندسا ، أو مجرد عامل عادي .واذا استطعنا أن نقنع أنفسنا بهذه الفكرة ، أصبح الزواج ميسرا ً للكثير ممن فقدوا الفرصة بسبب ضغط البريستيج الاجتماعي والعادات الفارغة التي نمت وترعرعت في جو الكذب والادعاء !
لقد قابلت بحكم مهنتي عددا ً كبيرا من الأجانب ، ونشأت علاقات صداقة بيننا ، ومما استغربته وجعلني أسأل ، هو تواضع جمال معظم زوجات أولئك الناس على أهميتهم ، ولدى السؤال أجاب أحدهم : أحببتها واخترتها شريكة حياتي لأنها قوية الشخصية ، وقال آخر : لأنها تتمتع بجاذبية اجتماعية ، وثالث: لأنها تفهمني وتنسجم مع أفكاري ... وغيرها كثير ، ولم يعط أحدهم موضع الجمال قيمة مرجحة في الاختيار !! وهكذا تزوج أولئك وكونوا أسرا ً ناجحة والحياة سائرة عندهم بسهولة ويسر وسعادة دون أن يقف البريستيج المبالغ به كما هو عندنا وللأسف ، حجر عثرة دون ذلك !
علينا أن نكون أكثر واقعيين ، أكثر فهما ً لمضمون الحياة ومتطلباتها ، بدل التركيز على مجرد الشكل الذي لا بد أن يتغير باتجاه الأقل حتما ً ، ولقد كبرت في نظري كثيرا ً تلك المهندسة التي قالت لي أنها عندما تزوجت ، كان عريسها في ذلك الوقت : عامل نظافـــة !! .